العائدون إلى الرقة بالكاد يتعرفون إلى أحيائهم المدمرة

يقف “بشار حمود” مذهولا في مسقط رأسه الرقة عاجزا عن التعرف إلى الأحياء والشوارع والساحات التي حفظها عن ظهر قلب بعدما دمرتها أشهر من المعارك ضد تنظيم داعش. تعكس...
مبنى دمرته غارة أمريكية قرب شارع الجميلي في مدينة الرقة
يقف “بشار حمود” مذهولا في مسقط رأسه الرقة عاجزا عن التعرف إلى الأحياء والشوارع والساحات التي حفظها عن ظهر قلب بعدما دمرتها أشهر من المعارك ضد تنظيم داعش.
تعكس ملامح بشار، ذي الـ26 سنة، والمقاتل في صفوف قوات سوريا الديموقراطية، إحساسه بالهول لدى دخوله يوم الاثنين الفائت، للمرة الأولى منذ سنوات، إلى حي الرميلة المدمر شمالي شرقي مدينته الرقة.
حيث يقول لوكالة فرانس برس “اعتدت المجيء إلى حي الرميلة لأن أخوالي كانوا يقيمون هنا وكنت أدرس في كلية الآداب بالمدينة”. وتابع “إذا نزلت من السيارة الآن لن أعرف كيف أعود. كل شيء اختفى. نحن في الرميلة لكن أين تحديدا في الرميلة، لا أعرف». وحوّل القصف منازل الحي المؤلفة بمعظمها من طبقتين إلى مجرد أكوام من الركام.
يجوب مقاتلو قوات سوريا الديموقراطية أزقة الحي التي تغطيها الحجارة المتناثرة والركام المنتشر، وتكاد تخلو من أي مدنيين. وعند سماع دوي انفجارات لدى تنفيذ غارتين قريبتين، يقطب بشار حاجبيه مبديا قلقه حيال مصير منزل عائلته في حي المعري الواقع على بعد 500 متر غربا وما زال تنظيم داعش يسيطر عليه.
يقول بشار “سواء سلِم أو سوي بالأرض، أمنيتي الوحيدة أن أرى بيتي. لكن ما أعرفه أن الحي لم يتحرر بعد”، ويضيف “يقول لي الرفاق ربما يتحرر اليوم. إذا كان بيتي مدمرا، ستكون هذه بالتأكيد صدمة لي”.
وكان بشار قد فر مع عائلته من مدينة الرقة في عام 2014، عند سيطرة التنظيم عليها. ثم عاد إليها مقاتلا في صفوف قوات سوريا الديموقراطية التي دخلت المدينة في حزيران/يونيو بعد نحو سبعة أشهر من شنها هجوما واسعا في المحافظة بدعم من التحالف الدولي.
وتشهد المدينة منذ ثلاثة أشهر معارك عنيفة تتخللها غارات كثيفة للتحالف. وتوشك قوات سوريا الديموقراطية على السيطرة على المدينة التي كانت تعد أبرز معقل للتنظيم في سوريا، وتعمل حاليا على ملاحقة فلول مقاتليه في المربع الأخير وسط المدينة.
ويتداول المقاتلون المتحدرون من الرقة كيف استبدل التنظيم أسماء أحياء ومساجد معروفة منذ عقود بأسماء أخرى خلال سيطرته على المدينة التي شكلت جزءا من “الخلافة الإسلامية” التي أعلن إقامتها على مناطق سيطرته في سوريا والعراق المجاور منتصف عام 2014.
فبعدما كان السكان يعرفون “حي الحكومة” بهذا الاسم، أطلق التنظيم عليه اسم “حي الحكمة”، كما استبدل تسمية “مسجد الباسل” بـ”مسجد النور”. وبدورهم، بدل السكان تسمية “دوار النعيم”، حيث اعتاد التنظيم تنفيذ عمليات إعدام جماعية فيه، مستعيضين عنها بتسمية “دوار الجحيم”.
عند المدخل الشرقي للمدينة، يشير بشار الى علمين كبيرين معلقين، الأول لقوات سوريا الديموقراطية والثاني لوحدات حماية الشعب الكردية، المكون الأساسي في صفوف هذه القوات. ويقول بشار “كان هناك علم أسود عليه العبارة المعروفة (دولة الإسلام في العراق والشام)، والآن أنه علم قوات سوريا الديموقراطية والألوان ترجع” إلى المدينة.
وعلى رغم طرد التنظيم من تسعين في المئة من مساحة المدينة، تبقى الأحياء المدمرة والمتضررة خالية من سكانها، وبينها حي المشلب القريب. ويوضح المقاتل الشاب “صدمت عندما دخلت للمرة الأولى إلى الحي. الأسواق فارغة، وكأننا عدنا أكثر من مئة سنة إلى الخلف”.
وكان حي المشلب أول حي دخلته قوات النخبة السورية التي كانت تشارك قوات سوريا الديموقراطية في حملة تحرير الرقة في حزيران/يونيو، قبل أن تنسحب قوات النخبة بسبب بعض الخلافات، وهو الحي الذي يتحدر منه المقاتل فهد المشلبي. وعند دخول قوات سوريا الديموقراطية إلى الحي، قرر فهد الذي كان يقيم حينها في مخيم للنازحين شمالي الرقة الانضمام إلى صفوف مقاتليها لطرد التنظيم من مدينته.
ويقول فهد المشلبي وهو يقف عند الأطراف الغربية لحي الرميلة “لم أذهب الى حي المشلب بعد. نريد أن ننتهي من هذه الجبهة هنا”. ويضيف “والله أنسونا الحي. لم أعرفه أبدا. الشارع الذي كنا نعرفه محوه تماما”، لافتا إلى أنه بالكاد يتعرف إلى المحال والأماكن التي اعتاد ارتيادها.
وبخلاف كل من بشار وفهد، تمكن “خالد” من معاينة ما تبقى من منزله في حي الدرعية غربي المدينة. ويتحدر المقاتل البالغ من العمر 39 سنة من بلدة مسكنة في ريف حلب الشرقي، لكنه اعتاد قضاء إجازاته الصيفية خلال طفولته في الرقة حيث التقى لاحقا زوجته وعقد قرانه.
يقول خالد بحنين “الرقة كانت عروس الفرات” مستعيدا الليالي التي كان يقضيها مع أصدقائه على ضفاف النهر جنوب المدينة. ولكن خالد فر مع زوجته وأولاده من الرقة مع سيطرة التنظيم المتطرف عليها، وبعد قتاله في صفوف قوات سوريا الديموقراطية لأسابيع عدة، تمكن من دخول حي المشلب للمرة الأولى قبل أسبوع. ويقول بحسرة “صدمت والله. هذا ليس حيي. ذهبت إلى بيتي، لم يكن بيتي”، مضيفا “الآن لا توجد إلا الجثث.. من لا يعرف البكاء فليأت إلى الرقة ليتعلم”.
ولم يجرؤ خالد على أخبار زوجته بما آل إليه منزله. ويضيف: “والله العظيم أخبرت زوجتي أن البيت ما زال موجودا وكل الأغراض في مكانها والصور معلقة على الجدران وأن الله حامي هذا البيت”. ويزيد بحزن “ماذا يمكن أن أقول لها؟ سأدعها تعيش الكذبة”.
أقسام
من الانترنت

أخبار متعلقة