15 أكتوبر، 2017 1525 مشاهدات
عرض تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز لما يقوم به الدكتور علي شحادة، أخصائي حفظ النباتات وتوثيق سلالاتها في مركز إيكاردا بلبنان، بعد أن اضطر لمغادرة سوريا شأنه شأن ملايين السوريين اللاجئين والنازحين تاركا خلفه ثروة لا تقدر بثمن من عشرات الآلاف من نماذج السلالات النباتية التي عمل عليها المركز في سوريا لأربعة عقود منذ العام 1977.
ويهدف عمل شحادة لحماية البذور وتطوير سلالاتها لتتلاءم مع الظروف الصعبة من تصحر وملوحة، كما هو الحال في العديد من مناطق العالم التي تزداد احترارا وقحالة، ثم يقوم بإمداد المحتاجين لها ومن يطلبها في كل دول العالم من حكومات وفلاحين لتحسين محاصيلهم جودة وإنتاجا. وهو يواصل عمله، الذي كان يداوم عليه في فرع المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة “إيكاردا” بحلب قبل ثلاث سنوات، حاليا في لبنان في مركز إيكاردا البديل الذي افتتح في “تربل” جنوب بلدة رياق بالبقاع اللبناني قبالة مدينة الزبداني على الضفة المقابلة من سفوح جبال القلمون.
وشهدت المناطق المحيطة بمركز إيكاردا في تل حديا بريف حلب الجنوبي والقريبة من محافظة إدلب عمليات اقتتال بين النظام والمعارضة في 2014 ما أدى إلى تضرره وتضرر مزارعه البحثية، كما عمد النظام إلى سحب كافة المعدات والأدوات والموظفين التابعين له، فيما تعرض المركز لاحقا لعمليات سرقة ونهب طالت كل محتوياته بما فيها سلالات غنم العواس التي كان يرعاها ويشرف عليها، إلا أن الإدارة المدنية التابعة للمعارضة في محافظة حلب نجحت بالاتفاق مع إدارة المركز لإعادة تأهيله وتمكين الباحثين من معاودة أعمالهم ومزاولة أبحاثهم حيث لا يزال المركز يحتفظ بـ141 ألف عينة من سلالات الحبوب والنباتات والمواشي.
وتمكن مجلس محافظة حلب بالتعاون مع إيكاردا من تأمين الاستمرار في زراعة الحقول البحثية التابعة للمركز، والتي تبلغ مساحتها عشرة آلاف هكتار، بمحاصيل الشعير والقمح والعطريات والبقوليات المطورة بطاقة بشرية تبلغ 450 موظفا، كما يتم التنسيق مع مركزي إيكاردا في تونس وليبيا لمواصلة مشاريع التطوير والتحسين للسلالات في سوريا.
وكان مركز إيكاردا في حلب قد استطاع خلال عامين 2011 و2012 من تأمين “بنك الجينات” الخاص به وإيداع نسخ مطابقة من موارده الوراثية ببنوك جينات خارج سوريا، بحيث أصبحت لجميع الجينات ومجموعات الأصول الوراثية في المركز نسخ مماثلة لها خارج البلاد، وأهمها خزانة حبوب العالم في “سفالبارد” بالنرويج (قبو يوم القيامة)، بالإضافة إلى افتتاح مركزين بديلين لمركز حلب في كل من بلدة تربل بلبنان وجامعة الرباط في المملكة المغربية.
ولا يزال مقر إيكاردا في المناطق المحررة بحلب يحتوي على أكبر مجموعة من البذور من مختلف أنحاء المنطقة والتي تقدر بـ141000 صنف من القمح والشعير والعدس والفول وما شابه ذلك، على الرغم من عدم قدرة الدكتور شحادة والعديد من زملائه على العودة كما لم يعودوا يتواصلون مع إدارته الحالية التي تنسق مع الإدارة المحلية التابعة للحكومة المؤقتة المعارضة.
ويقول الدكتور علي شحادة، المشرف على أعمال التوزيع، البذور وتوثيقها وتوضيبها وشحنها إلى جهات تحتاجها حول العالم، لسوميني سينغوبتا مراسلة صحيفة نيويورك تايمز: “نحن نبذل قصارى جهدنا لإعادة إنتاج كل ما كان لدينا في حلب”. ويضيف أنه شغوف بمواصلة البحث عن السلالات “البرية” للمحاصيل الزراعية الرئيسية من “أقارب” البذور المتداولة تجاريا لتأمين احتياجات المزارعين ممن يتجنبون السلالات المعدلة وراثيا، كما يعمل شحادة على الاستفادة من السلالات البرية، والتي غالبا ما تكون أقسى وأفضل تكيفا مع المناخات القاسية والآفات وتقلبات الرياح، ويؤكد “إنها مخزنة جيدا”.
وبمزيد من العناية والرفق، يفتح شحادة مجلدات يحتفظ داخل كل واحد منها جذور البذور المجففة بعناية وضغط، كالبرسيم الحلو من مصر، والقمح البري من شمال سوريا، ويقول: هذه مجموعة قديمة من قمح الخبز. كان لدينا الآلاف من هذه المجلدات مكدسة بدقة في مكتب بلا نوافذ، وهي نباتات ثمينة، تحتوي على البذور الموروثة من مختلف أنحاء المناطق الحارة والقاحلة التي أنتجت في الهلال الخصيب، مهد الزراعة، عبر آلاف السنين.
ويتابع شحادة الصفات الوراثية لأفضل سلالات المحاصيل الزراعية التي يقول إنها ستكون مفيدة للغاية في المستقبل من حيث مقاومة الآفات والرياح والقدرة على تحمل حرارة الصيف القائظة. ويحاول أن يختار من هذه الصفات ويولدها إلى الجيل التالي من البذور في التربة والهواء حيث كانت تزرع دائما.
وتضم المجموعة الكاملة للبذور التي استهلكتها شعوب الشرق الأوسط لعدة قرون 14700 نوعا من قمح الخبز و32000 نوعا من الشعير و16000 نوع من الحمّص. ويضم بنك البذور في فرع إيكاردا اللبناني حوالي 39 ألف مدخل، فيما يضم فرع المغرب 32 ألفا إضافية. معظمها تم جلبها من احتياطي “سفالبارد” الذي تم إيداعه من مركز حلب ويقدر بـ 155 ألف سلالة من المحاصيل الرئيسية في سوريا والشرق الأوسط.
وقد كانت بنوك البذور دائما بمثابة مستودعات هامة للتنوع البيولوجي. حيث يقول تيم بنتون، خبير في الأمن الغذائي في جامعة ليدز البريطانية، “في الوقت الراهن يحتاج العالم إلى محاصيل يمكن أن تتكيف بسرعة مع بداية التغيرات المناخية التي يشهدها كوكب الأرض”.
ويضيف بنتون “يجب أن نعمد إلى تنمية المحاصيل بطرق مختلفة إلى حد كبير، ومن المؤكد أن محاصيلنا الرئيسية، مثل القمح، يعتقد أن أقاربها البرية مهمة حقا بسبب الجينات التي يمكن عبورها مرة أخرى إلى خطوط إنتاج القمح الموجودة لدينا حاليا من أجل بناء القدرة على التكيف مع تغير المناخ وهذا مهم خصوصا وأنها يمكن أن تتلاشى بسهولة دون حماية”.
ويؤكد أندرو نوبل، الذي كان حتى وقت قريب نائب مدير البحوث في إيكاردا، أن درجات الحرارة ارتفعت بمقدار 0.2 درجة مئوية على الأقل في كل منطقة في الشرق الأوسط خلال الفترة من 1961-1990، كما ارتفعت بنحو 0.4 درجة مئوية منذ ذلك الحين حتى اليوم وأن هذا الواقع جعل مستقبل الزراعة في المنطقة “قاتم جدا”.
وقال نوبل إن هذا الأمر ليس مفيدا فقط بالنسبة للشرق الأوسط، فقد أصبح الصيف الحار والجاف مألوفا وقريبا سيصبح مألوفا في أجزاء أخرى كثيرة من العالم. لافتا إلى أن “مناخ المستقبل في كل أنحاء العالم سيكون مشابها للمناخ الذى نشهده في الشرق الأوسط”.
وتقول لورا ويليسلي، الباحثة في مركز لندن تشاثام هاوس، إن القمح العنصر الرئيسي في النظام الغذائي لشعوب الشرق الأوسط، والشرق الأوسط أكبر منطقة استيراد للقمح في العالم، وقد كانت سوريا الاستثناء من هذه القاعدة في السابق، ولكن الحرب أحالت القمح سلاحا قويا فيها، وهو الآن يستورد لإطعام المواطنين الذين لا يزالون في سوريا.
سوميني سينغوبتا – نيويورك تايمز
سوميني سينغوبتا – نيويورك تايمز
أقسام
من الانترنت