26 أكتوبر، 2017 1316 مشاهدات
سقطت الرقة عاصمة الخلافة للدولة الإسلامية التي أعلنها أبو بكر البغدادي لصالح القوات الكردية والعربية السنية الأسبوع الماضي.. حيث كان هذا الحدث نجاحا لا جدال فيه للتحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية ضد تنظيم داعش، أما بالنسبة لسكان المدينة، فقد كان ذلك يعني نهاية ثلاث سنوات من الرعب تحت حكم طائفة عدمية مهلكة.
أنتج حكم تنظيم داعش في الرقة انطباعا عالميا، حيث كانت تعرض فظائعها وأيدولوجيتها: كانت هناك عمليات قطع الرؤوس في الملعب الرياضي، ورمي رجال مثليّين جنسيا من فوق أسطح المنازل، وإعادة النساء إلى العبودية، وتلقين الأطفال ليصبحوا انتحاريين. إنّ طرد الجماعة المتمردة الآن خبر جيد للشرق الأوسط، ولغيره.
من السابق لأوانه، القول إنّ تنظيم داعش قد هزم بشكل نهائي. فهو لا تزال تمسك بجيوب من الأراضي عبر الحدود السورية العراقية. من غير المرجح أن يختفي الحرمان السني -وهو قضية رئيسة للتجنيد في داعش- إذا سمح للديكتاتور السوري بشار الأسد، بمواصلة اضطهاد شعبه. إنّ تأكيد دونالد ترامب، يوم السبت 21 تشرين الأول/أكتوبر، على أنّ سقوط الرقة سيبشر بانتقال سياسيّ في سوريا هو ساخر وأجوف؛ إذ لا يوجد أيّ دليل على هذا التحوّل في دمشق.
لا يمكن القول إنّ المنطقة على العموم هي أقرب إلى الاستقرار، ناهيك عن السلام. بينما سقطت الرقة، عادت مدينة ثانية، وهي كركوك في العراق المجاور، إلى حكم جماعة أخرى أيضا، على الرغم من أنّ الظروف كانت مختلفة جدا. كانت قوات البيشمركة الكردية التي سيطرت على كركوك، وحقول النفط القريبة منذ عام 2014، قد طردت من قبل الجيش العراقي الذي يهيمن عليه الشيعة الموالون لنظام علي خامنئي في الجارة إيران.
قبل أسابيع فقط، صوّت الكرد في استفتاء بأغلبية ساحقة، من أجل استقلال إقليم كردستان العراق، حيث اعتبر التصويت بمثابة تدبير لتعزيز تطلعات الكرد السياسية منذ زمن طويل، إلا أنّ نتائج التصويت كانت سيئة. إذ اجتاحت قوات بغداد الحكومية مدينة كركوك من دون مقاومة تقريبا، حيث كان للانقسامات بين الفصائل الكردية دور غير صغير في الانهيار. حدث كل هذا في أسبوع واحد فقط. انتصار القوات الكردية في الرقة، وسحقها في كركوك، هو جزء من إعادة تنظيم فوضوي لجميع أنحاء المنطقة.
إنّ توقّع الزوال الوشيك لقوة تنظيم داعش دفع الجماعات المسلحة المحلية، والدول القومية التي تعمل كداعم لها، إلى التحرك بسرعة لتحاصر مواقعه، وتملأ أيّ فراغ ناتج. تتغيّر التحالفات مع تغيّر الظروف، وإعادة رسم الخطوط في الرمال. فالحرب الإقليمية المفتوحة على مصراعيها للجميع، ما زالت جارية، ولا يمكن لأحد أن يتوقّع نهايتها.
القوات الكردية والعراقية التي كانت قد تحالفت ضد داعش، وكلاهما يتلقيان تدريبا وتجهيزا من الولايات المتحدة، تحولتا الآن ضد بعضها البعض. في الصحراء الشرقية من سوريا، تتنافس الجماعات التي تدعمها الولايات المتحدة، وإيران، حيث كانت تواجه داعش في وقت واحد، بشكل عنيف الآن على معالم استراتيجية. إن حالات التضامن التكتيكية أيضا تهترئ. حيث تسعى تركيا التي كانت في السابق داعما فعالا لحركة التمرّد ضد الأسد، إلى الحصول على دعم روسي ضد الكرد، في الوقت الذي أعلنت أنّها سترسل قوات بريّة إلى محافظة إدلب التي يسيطر عليها المتمردون.
إنّ القوة العسكرية الفظة، والانتهازية الجيوسياسية تحكم تلك الأحداث في الشرق الأوسط. فقد تمّ التخلي تماما عن الدبلوماسية، إذ لا يوجد نواظم باستثناء القوة التي تصنع الحق. ومع تقلص الأراضي التي يسيطر عليها داعش؛ تتنافس الدول، والكيانات غير الحكومية على حدّ سواء من أجل النفوذ والسيطرة. فالخلافات الطائفية والعرقية تغذي دينامية خطيرة، والمقارنة مع حرب الثلاثين عاما قد لا تكون مبالغا فيها.
مع ذلك، فإنّ الدولة التي حققت مكاسب حتى الآن أكثر مما خسرت في هذه الحرب الإقليمية متعددة الأوجه، هي بالتأكيد إيران. مع انتشار قواتها، ووكلائها العاملين على أرض الواقع؛ ازداد النفوذ الإيراني في العراق وسوريا ولبنان. لقد استفادت من الفوضى، وكذلك من الأخطاء الأمريكية، وسوء تقديرها. وربما ينبغي أن ينظر إلى التهديدات الأخيرة التي وجهها السيد ترامب، ضد إيران في هذا السياق على أنّها محاولة للرّد، ولكن لديها القدرة على خلق مشكلات أكبر. بينما يتراجع داعش؛ يشهد العالم تدافعا نحو الغنائم. في الوقت الراهن، كلّ انتصار عسكريّ، يهيئ المجال لمواجهة أخرى، وليس للمحادثات. بالنسبة إلى سكان الرقة، وكركوك والكثيرين غيرهم، فهي وصفة لحالة كبيرة من الشك وعدم اليقين.
أقسام
من الانترنت