هُزِمَ داعش في سوريا والعراق، فهل انتهت صراعات الشرق الأوسط؟
عمليا على العكس، فهزيمة التنظيم تعني تجدد اشتعال ثلاث صراعات إقليمية، على اعتبار أن تركيز المجتمع الدولي والإقليمي على محاربة تنظيم الدولة كان عاملا في تأجيل بعض الصراعات التقليدية بين مكونات منطقة الشرق الأوسط.
أولى الصراعات أو الحروب المرشحة للاندلاع ستكون بين إسرائيل وحزب الله اللبناني، خاصة في ظل تبدل الظروف الإقليمية والدولية وحتى الظروف الداخلية للحزب عما كانت عليه في العام 2006، وصبها في مصلحة إسرائيل التي يبدو أنها تسعى لحرب شاملة على لبنان ككل.
ما يدعم قيام هذه الحرب جملة من الظروف الدولية والإقليمية، أهمها تحول النظرة في الشارع العربي لحزب الله من حزب مقاوم إلى حركة عميلة لإيران، ناهيك عن التراجع الكبير في قوة الحزب بعد فقدانه نحو ثمانية آلاف من عناصره بين قتيل وجريح، نسبة كبيرة منهم من قيادات الصف الأول، الأمر الذي يزيد من شهية إسرائيل لتوجيه ضربة قوية للحزب وسلاحه.
من جهة أخرى لا يمكن تجاهل التحركات على الساحة الفلسطينية، وتحديدا اتفاقات المصالحة الفلسطينية بين حماس وفتح، والمصالحة بين حماس ومصر، والتي يبدو أن إسرائيل تسعى من خلالها لإشغال الفصائل الفلسطينية بشؤونها الداخلية لإرساء حالة هدوء تمهد الطريق أمام إسرائيل لحماية حدودها الخلفية في حال شنت حربا على الحزب، وقطع الطريق على إيران لاستخدام الفصائل الفلسطينية كورقة ضغط.
على الساحة الداخلية اللبنانية، يبدو أن الأمر أكثر تهيئة وجهوزية لقيام هذه الحرب، لا سيما بعد استقالة سعد الحريري من رئاسة الحكومة بسبب ما قال إنه التدخلات الإيرانية وتورط حزب الله في التخطيط لاغتياله، وهو الذي يمثل الغالبية السنية في لبنان، ما يعني أن أي صدام بين الحزب وإسرائيل سيحمل صورة صراع إيراني – إسرائيلي، وربما يرى فيه البعض فرصة لقطع ذراع إيران في لبنان، خاصة إن قاد هذا الصدام لنزع سلاح الحزب.
أما الصراع الثاني، والذي بدأت عمليا أولى خطواته، فهو متعلق بالقضية الكردية، والذي سيواجه خلاله الأكراد حربا شاملة من قبل حكومات المنطقة في سوريا والعراق وتركيا وإيران لإعادة القوات الكردية إلى ما كانت عليه قبل العام 2003 أي قبل سقوط نظام صدام حسين، حيث ستسعى حكومة بغداد الاتحادية لإلغاء “الطفرة الاستقلالية” التي كان يعيشها إقليم كردستان خلال السنوات العشر السابقة، كما ستحاول بسط سيطرتها بشكل أكبر على الإقليم، فيما ستسعى الحكومة السورية “أيا كان شكلها ونوعها” وبدعم تركي إيراني مطلق لاستعادة السيطرة على المناطق التي تنتشر فيها قوات سوريا الديمقراطية خاصة في الرقة ودير الزور.
ملامح هذا الصراع ستمتد أيضا إلى جنوب تركيا المحاذي للعراق على اعتبار أن المعطيات السابقة تشير لعودة الصراع بين تركيا وحزب العمال الكردستاني إلى حلقاته الأولى، وبالتالي فإن تلك المنطقة قد تشهد بشكل مكثف عمليات عسكرية تركية ضد الحزب الذي ربما يرد بعمليات تفجير داخل تركيا.
بالنسبة للمعطيات التي تدفع باتجاه قيام هذا الصراع فهي مرتبطة بالموقف الأمريكي الصامت عن تعرض حلفائه الكرد لهجوم عسكري قوي من حكومة بغداد، وهو الصمت الذي اعتبر بمثابة تأييد ضمني لاستهداف الكرد، بالإضافة إلى أن الموقف الأوروبي سيعارض أي تحرك انفصالي للكرد نظرا لاحتمالية انعكاسه على الدول الأوروبية التي باتت تشهد تضاعف شهية الكثير من الأقاليم للاستقلال كما حدث في كاتلونيا.
يبقى الصراع الأخير، والذي لا يمكن تحديد ملامح ثابتة له ولا حتى ساعة الصفر فيه، هو الصراع السعودي – الإيراني، فالحالة غير المسبوقة التي تشهدها السعودية من صعود تيار شاب إلى قيادة المملكة، وظهور الرغبة الواضحة لدى هذا التيار باستعادة دور السعودية القيادي في المنطقة العربية، هذه الرغبة التي ستصل في مرحلة من المراحل إلى صدام مع النفوذ الإيراني الذي يعتبر العامل الأول في تهديد الأمن السعودي ودور المملكة عربيا وإقليميا.
أما عن شكل هذا الصراع، فغالبا ما سيحمل طابعا سياسيا خلافا لما تشهده الحالة اليمنية التي فُرِضَ فيها السلاح والعمليات العسكرية، فالسعودية ستسعى لضرب النفوذ الإيراني في المنطقة العربية عبر رعاية متغيرات سياسية وإقامة علاقات جديدة مع بعض الدول بما يقود لتراجع التيارات الموالية لإيران والعودة للعمق العربي، وهو ما يفسر الانفتاح السعودي الأخير على الحكومة العراقية.
يبقى الأهم في مسألة الصراعات التي قد تشهدها منطقة الشرق الأوسط بعد داعش وبعد الوصول لحلحلة الملف السوري سياسيا، أن تلك الصراعات لن تشتمل على أي استهداف مباشر للأراضي أو المنشآت الإيرانية سواءا من قبل القوى الإقليمية أو الدولية، وإنما ستقتصر فيما يتعلق بإيران بضرب نفوذها في المنطقة وتحديدا حزب الله والميليشيات الطائفية في سوريا، مع الحد من نفوذ إيران السياسي والديني في العراق.
حسام يوسف
13 نوفمبر، 2017 8010 مشاهدات
أقسام
مقالات