28 نوفمبر، 2017 21310 مشاهدات
لم يكن من الغريب تداول اسم فاروق الشرع مؤخراً كبديل لبشار الأسد في قيادة مرحلة انتقالية مفترضة تنهي الحرب وشلال الدم في سوريا، خاصةً وأن الكثير من المحللين رشحوا خلال السنوات السابقة الشرع للقيام بهذا الدور، لاسيما بعد توتر العلاقة بينه وبين نظام الأسد وما أثير عن محاولة انشقاق فاشلة له في العام 2013 انتهت بعزل الرجل من منصب نائب الرئيس ووضعه في إقامة جبرية، وما دعم هذا التوجه عدم لجوء النظام إلى تصفيته جسدياً وقتها ما فَسِرَ كمؤشر على وجود حماية دولية له.
عملياً ليس هذا فقط ما يجعل من الشرع رجل مرحلة محتمل في سوريا، وإنما امتلاكه لعلاقات سياسية واسعة مع الكثير من الدول كبرى والفاعلة في الملف السوري وعلى رأسها روسيا، فكبير السياسة الخارجية السورية لعقود يمثل بالنسبة لموسكو امتداداً للسياسة الخارجية لنظام حافظ الأسد المتوائمة جملةً وتفصيلاً مع مصالح روسيا وسياستها، وهو جانب مهم بالنسبة للروس الطامحين للاحتفاظ بسوريا كمركز ثقل سياسي لهم على شواطئ المياه الدافئة.
لا أزال أذكر حتى الآن رد الملحق العسكري السابق في السفارة الروسية بدمشق وعراب وصول بشار الأسد للحكم فلاديمير فيدوروف على سؤال حول مصالح روسيا في سوريا، عندما قال: “الأكثر أهمية بالنسبة لنا أن تستمر سياسة حافظ الأسد المتوافقة معنا ولذلك كان الخيار هو دعم بشار الأسد لخلافة والده”، هنا لم يحدث عن الاقتصاد ولا عن مصالح تغيير ديمغرافي، ولا عن فرض سياسة داخلية معينة وإنما عن سياسة خارجية كان الشرع مهندسها ومديرها، وهو ما يصب في مصلحته.
من ناحية أخرى ما يدعم الشرع أكثر، احتمالية ان يكون مرشحاً مقبولاً من الأمريكان خاصةً وانه ترأس مفاوضات السلام مع إسرائيل لا سيما مفاوضات مدريد 1990، بالإضافة إلى اطلاعه على كافة الاتفاقيات العلنية والسرية لنظام حافظ الأسد، إلى جانب معرفته التامة بما يريده المجتمع الدولي من سوريا ومصالحه فيها، خلافاً للكثير من شخصيات المعارضة السورية التي تسمر أنظارها فقط باتجاه النواحي الداخلية.
أتفهم من يقول هنا “إذا تمسك الجميع بسياسة حافظ الأسد فلماذا سيطيحون ببشار”؟، هذه النقطة تحديداً مرتبطة بعدم قدرة بشار الأسد على انتاج نظام جديد قادر على تحقيق استقرار دائم في البلاد للكثير من الأسباب، ذلك الاستقرار الذي يعد في الفترة الحالية على الأقل مطلباً أساسياً لترسيخ المصالح الدولية والإقليمية في سوريا باستثناء إيران، وهو ما يمكن للشرع أن يحققه بحسب معطيات الديمغرافيا والدعم الدولي له.
لا أريد الدخول والتعمق أكثر في أسباب عجز النظام، ولكن لابد من التعريج على بعضها ولاسيما الخسائر الكبيرة التي تعرضت لها الطائفة العلوية ما يعني استحالة إعادة انتاج ذات النظام الطائفي الذي حكم سوريا لعقود، إلى جانب فقدان الأسد كامل المواصفات والصلاحيات التي يتمتع بها أي رئيس جمهورية وظهور ضعفه الواضح سياسياً، ناهيك عن انهيار اذرعه العسكرية والأمنية بشكل كبير واعتماده على التشكيلات الميلشيوية الإيرانية في حفظ استقراره ومحاولة استعادة الأراض الخارجة عن سيطرته، ما يطرح تساؤلاً حول قدرته على إعادة انتاج هذه الأذرع مجدداً، طبعاً بالإضافة إلى الحرج الكبير الذي سيلحق بالقوى الغربية تحديداً على المستوى السياسي فيما لو أعيد انتاج الأسد بعد هذا الكم الكبير من الجرائم.
بالعودة إلى الشرع ودوره السياسي المستقبلي، تبقى إيران حجرة العثرة الوحيدة في طريقه إلى قصر المهاجرين، لتَعارُضَهُ مع حالة اللا استقرار التي تسعى طهران لترسيخها في سوريا كونها المطلب الأساسي لاستمرار مصالحها وتبرير بقاء ميليشياتها على الأرض السورية.
بناءاً على المعطيات السابقة يمكن القول إنه فيما لو تم الاتفاق دولياً على أن يقود فاروق الشرع مرحلة انتقالية فإن المهم هنا سيكون مرتبط بالدلالات والمؤشرات التي تحملها هذه الخطوة واتصالها بالكثير من القضايا التي تتجاوز الحدود الجغرافية السورية إلى التوازنات الإقليمية والكشف عن بعض التطورات التي قد تشهدها منطقة الشرق الأوسط وعلى رأسها النفوذ الإيراني، فإقصاء بشار الأسد وفق السيناريو المذكور يعكس بشكل مباشر جدية الولايات المتحدة الأمريكية في كبح جماح إيران في الشرق الأوسط، وموافقة روسيا على تولي الشرع قيادة المرحلة الانتقالية فيما لو أقرت يعني تأييد ضمني لسياسة أمريكا ضد إيران ونفوذها في المنطقة أو على أقل تقدير وقوفها على الحياد في أي خطوة تصعيدية تجاه أذرع طهران في المنطقة العربية.
إلى جانب ذلك، فإن إقصاء الأسد بهذا الشكل يدعم بشكل كبير إمكانية ضرب إسرائيل لحزب الله في لبنان حتى وإن لم تكن ضربة قاصمة، على اعتبار أن التطورات في سوريا وفق التصورات السابقة يمكن إلى حدا ما تصنيفها كأول خطوة أمريكية جدية ضد النفوذ الإيراني خاصة منذ العام 2000 الذي كان بداية التوغل الإيراني في المنطقة العربية.
نعم اتفق مع ما قاله رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري أن الظروف اليوم تشبه تماماً الظروف التي سبقت اغتيال والده ولكن مع اختلاف كبير في الأهداف، ففي تلك الفترة كان الهدف ترسيخ النفوذ الإيراني في سبيل إذكاء نار الحرب الطائفية في الشرق الأوسط بين السنة والشيعة، أما اليوم فالهدف هو كبح ذلك النفوذ بعد أن انهى دوره في تلك الحروب التي شتت ومزقت الدول العربية، وهي نقطة إضافية تزيد من فرص الشرع في حكم سوريا مستقبلاً، خاصةً وأن المعارضة السورية حتى الآن لم تكتسب ثقة المجتمع الدولي وخاصة الدول الغربية بقدرتها على انتاج نظام جديد كلياً بديل للأسد، وهو ما قد يدفع باتجاه الاعتماد على شخصيات من النظام في المرحلة الانتقالية التي غالباً ما ستمثل فيها المعارضة السورية دور الشريك سواءا كأعضاء في لجان صياغة الدستور أو التمهيد لانتخابات عامة وربما في تشكيل حكومة ائتلافية انتقالية.
القطة الأخيرة والاهم التي لابد من عدم نسيانها عند التفكير في مرحلة ما بعد الأسد إن تحققت، هو ميل المجتمع الدولي للحفاظ على مؤسسات الدولة السورية عموماً وعدم تكرار تجربة هدم الدولة كلياً في سوريا كما كان الحال في العراق بعد صدام حسين 2003، وهو ما يجعل حظوظ الشرع أكبر خاصةً إن تم تبني سيناريو انتقال السلطة في اليمن كحل مبدأي للقضية السورية.
حسام يوسف
لا أزال أذكر حتى الآن رد الملحق العسكري السابق في السفارة الروسية بدمشق وعراب وصول بشار الأسد للحكم فلاديمير فيدوروف على سؤال حول مصالح روسيا في سوريا، عندما قال: “الأكثر أهمية بالنسبة لنا أن تستمر سياسة حافظ الأسد المتوافقة معنا ولذلك كان الخيار هو دعم بشار الأسد لخلافة والده”، هنا لم يحدث عن الاقتصاد ولا عن مصالح تغيير ديمغرافي، ولا عن فرض سياسة داخلية معينة وإنما عن سياسة خارجية كان الشرع مهندسها ومديرها، وهو ما يصب في مصلحته.
من ناحية أخرى ما يدعم الشرع أكثر، احتمالية ان يكون مرشحاً مقبولاً من الأمريكان خاصةً وانه ترأس مفاوضات السلام مع إسرائيل لا سيما مفاوضات مدريد 1990، بالإضافة إلى اطلاعه على كافة الاتفاقيات العلنية والسرية لنظام حافظ الأسد، إلى جانب معرفته التامة بما يريده المجتمع الدولي من سوريا ومصالحه فيها، خلافاً للكثير من شخصيات المعارضة السورية التي تسمر أنظارها فقط باتجاه النواحي الداخلية.
أتفهم من يقول هنا “إذا تمسك الجميع بسياسة حافظ الأسد فلماذا سيطيحون ببشار”؟، هذه النقطة تحديداً مرتبطة بعدم قدرة بشار الأسد على انتاج نظام جديد قادر على تحقيق استقرار دائم في البلاد للكثير من الأسباب، ذلك الاستقرار الذي يعد في الفترة الحالية على الأقل مطلباً أساسياً لترسيخ المصالح الدولية والإقليمية في سوريا باستثناء إيران، وهو ما يمكن للشرع أن يحققه بحسب معطيات الديمغرافيا والدعم الدولي له.
لا أريد الدخول والتعمق أكثر في أسباب عجز النظام، ولكن لابد من التعريج على بعضها ولاسيما الخسائر الكبيرة التي تعرضت لها الطائفة العلوية ما يعني استحالة إعادة انتاج ذات النظام الطائفي الذي حكم سوريا لعقود، إلى جانب فقدان الأسد كامل المواصفات والصلاحيات التي يتمتع بها أي رئيس جمهورية وظهور ضعفه الواضح سياسياً، ناهيك عن انهيار اذرعه العسكرية والأمنية بشكل كبير واعتماده على التشكيلات الميلشيوية الإيرانية في حفظ استقراره ومحاولة استعادة الأراض الخارجة عن سيطرته، ما يطرح تساؤلاً حول قدرته على إعادة انتاج هذه الأذرع مجدداً، طبعاً بالإضافة إلى الحرج الكبير الذي سيلحق بالقوى الغربية تحديداً على المستوى السياسي فيما لو أعيد انتاج الأسد بعد هذا الكم الكبير من الجرائم.
بالعودة إلى الشرع ودوره السياسي المستقبلي، تبقى إيران حجرة العثرة الوحيدة في طريقه إلى قصر المهاجرين، لتَعارُضَهُ مع حالة اللا استقرار التي تسعى طهران لترسيخها في سوريا كونها المطلب الأساسي لاستمرار مصالحها وتبرير بقاء ميليشياتها على الأرض السورية.
بناءاً على المعطيات السابقة يمكن القول إنه فيما لو تم الاتفاق دولياً على أن يقود فاروق الشرع مرحلة انتقالية فإن المهم هنا سيكون مرتبط بالدلالات والمؤشرات التي تحملها هذه الخطوة واتصالها بالكثير من القضايا التي تتجاوز الحدود الجغرافية السورية إلى التوازنات الإقليمية والكشف عن بعض التطورات التي قد تشهدها منطقة الشرق الأوسط وعلى رأسها النفوذ الإيراني، فإقصاء بشار الأسد وفق السيناريو المذكور يعكس بشكل مباشر جدية الولايات المتحدة الأمريكية في كبح جماح إيران في الشرق الأوسط، وموافقة روسيا على تولي الشرع قيادة المرحلة الانتقالية فيما لو أقرت يعني تأييد ضمني لسياسة أمريكا ضد إيران ونفوذها في المنطقة أو على أقل تقدير وقوفها على الحياد في أي خطوة تصعيدية تجاه أذرع طهران في المنطقة العربية.
إلى جانب ذلك، فإن إقصاء الأسد بهذا الشكل يدعم بشكل كبير إمكانية ضرب إسرائيل لحزب الله في لبنان حتى وإن لم تكن ضربة قاصمة، على اعتبار أن التطورات في سوريا وفق التصورات السابقة يمكن إلى حدا ما تصنيفها كأول خطوة أمريكية جدية ضد النفوذ الإيراني خاصة منذ العام 2000 الذي كان بداية التوغل الإيراني في المنطقة العربية.
نعم اتفق مع ما قاله رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري أن الظروف اليوم تشبه تماماً الظروف التي سبقت اغتيال والده ولكن مع اختلاف كبير في الأهداف، ففي تلك الفترة كان الهدف ترسيخ النفوذ الإيراني في سبيل إذكاء نار الحرب الطائفية في الشرق الأوسط بين السنة والشيعة، أما اليوم فالهدف هو كبح ذلك النفوذ بعد أن انهى دوره في تلك الحروب التي شتت ومزقت الدول العربية، وهي نقطة إضافية تزيد من فرص الشرع في حكم سوريا مستقبلاً، خاصةً وأن المعارضة السورية حتى الآن لم تكتسب ثقة المجتمع الدولي وخاصة الدول الغربية بقدرتها على انتاج نظام جديد كلياً بديل للأسد، وهو ما قد يدفع باتجاه الاعتماد على شخصيات من النظام في المرحلة الانتقالية التي غالباً ما ستمثل فيها المعارضة السورية دور الشريك سواءا كأعضاء في لجان صياغة الدستور أو التمهيد لانتخابات عامة وربما في تشكيل حكومة ائتلافية انتقالية.
القطة الأخيرة والاهم التي لابد من عدم نسيانها عند التفكير في مرحلة ما بعد الأسد إن تحققت، هو ميل المجتمع الدولي للحفاظ على مؤسسات الدولة السورية عموماً وعدم تكرار تجربة هدم الدولة كلياً في سوريا كما كان الحال في العراق بعد صدام حسين 2003، وهو ما يجعل حظوظ الشرع أكبر خاصةً إن تم تبني سيناريو انتقال السلطة في اليمن كحل مبدأي للقضية السورية.
حسام يوسف
أقسام
مقالات