بات واضحاً بعد عامٍ كاملٍ على تنصيب إدارة الرئيس دونالد ترامب أن الولايات المتحدة تميل لمعالجة القضية السورية بشكل سياسي مبني على تفاهمات مع الجانب الروسي، خاصة مع تخفيض الدعم المالي والعسكري للفصائل السورية المعارضة المحسوبة على واشنطن، بالإضافة لتراجع الدعم المقدم للمؤسسات الإعلامية المعارضة.
يبقى السؤال الأهم هنا مرتبط بمصير الأسد وفق هذه التفاهمات، وأي حال سينقلب إليها بشار الأسد بعدها؟
عملياً يبدو ان الميول الأمريكية تسير باتجاه استبعاد الأسد من أي دور سياسي في مستقبل سوريا، لاسيما بعد ما كشفته مصادر دبلوماسية غربية عن سعي واشنطن لطرح دستور سوري ينص على تحديد الولاية الرئاسية في سوريا بفترتين فقط وبأثر رجعي، ما يعني أن الأسد بموجب هذا الطرح لن يتمكن من من الترشح لانتخابات العام 2021 وبالتالي سقوط نظامه بفعل الدستور.
يبدو هذا السيناريو هو الأكثر قرباً للتطبيق نظراً لعدة معطيات أولها مرتبط بالموقف الروسي الذي بات واضحاً أنه ينظر لبشار الأسد كعالة على موسكو، خاصة بعد سيطرة قاعدة حميميم الروسية على صنع القرار السوري بشكل كامل وتصاعد النفوذ الروسي في سوريا عسكريا من خلال القواعد العسكرية المنشأة حديثاً، واقتصاديا من خلال الامتيازات والاستثمار التي منحت لروسيا، إلى جانب تصاعد النفوذ السياسي عبر منصة موسكو المعارضة، أي بمعنى أوضح فقدان الأسد لأهميته السياسية بالنسبة للروس الذين باتوا يديرون مصالحهم في سوريا بأيديهم.
إلى جانب ذلك لابد من الاشارة إلى اعتبار موسكو استمرار النظام بشكله الحالي وتمثيله بشخص بشار الأسد بات بمثابة استمرار للنفوذ الإيراني الذي يحد من القبضة الروسية على سوريا بشكل كامل.
وما يزيد من إمكانية قبول روسيا بسيناريو يطيح بالاسد من خلال الطرح الأمريكي السابق، هو ضمان موسكو فترة أطول لتثبيت أقدامها ونفوذها في سوريا، وضمانه لانتقال سياسي سلس للسطة يوفر شيئا من الهدوء النسبي الذي تتطلبه المصالح الروسية، بالإضافة إلى كونه يخلص روسيا من الحاجة للمليشيات الايرانية والطلب من طهران سحب مقاتليها من سوريا.
يبقى العائق الوحيد أمام تنفيذ هذا السيناريو هو امكانية تغير الإدارة الأمريكية الحالية ومجيء إدارة جديدة أكثر تصلباً في مواجهة النفوذ الروسي قبل العام 2021 وتطبيق التفاهمات الروسية الأمريكية المفترضة، على اعتبار أن الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة تسبق الانتخابات السورية بحوالي الستة أشهر، لاسيما وأن إدارة ترمب تواجه الكثير من المشكلات على الصعيد الداخلي وتحديداً بعد الحديث عن تورط روسي في التلاعب بنتائج الانتخابات السابقة لصالح ترامب، الأمر الذي يقلل من حظوظها في الحصول على ولاية ثانية.
هنا يمكن القول أن هذا أكثر ما يقلق الإدارة الروسية، خاصة فيما إذا عملت الإدارة الجديدة على تبني الحل العسكري من جديد لضرب النفوذ الروسي في سوريا، ما يعني عودة الأمور إلى نقطة الصفر واحتمالية دعم واشنطن مجدداً لفصائل المعارضة السورية لضرب النظام والقواعد الروسية على حد سواء في تكرار للسيناريو الأفغاني، وهو ما يفسر السعي الروسي لانهاء الأمور بشكل سريع وتثبيت وجودها في سوريا من خلال السيطرة العسكرية إما من خلال دعم النظام في بعض المعارك ضد قوات المعارضة أو المصالحات التي تضمن لها نشر قوات “سنية” تابعة لها في تلك المناطق.
أعلم تماماً أن هذا الفرضية قد تكون ضعيفة جداً خاصة لجهة تبني الحل العسكري من قبل واشنطن مجدداً، إلا أنها لا تزال مطروحة ولو بنسب قليلة، وما أريد الإشارة له بأن المستفيد الأكبر منها سيكون النظام الذي سيجد في عودة التوتر فرص للبقاء فترة أطول، وطهران التي ستجد ذريعة للإبقاء على ميليشياتها في سوريا وابتزاز روسيا مجدداً.
حسام يوسف
23 ديسمبر، 2017 7546 مشاهدات
أقسام
مقالات