دروس علينا تعلمها من تحرير الرقة

حل الجحيم بمدينة الرقة مرتين: الأولى عندما استولى عليها مقاتلو تنظيم داعش في عام 2014 وجعلوها عاصمة لدولتهم، ثم عندما تحررت العام الماضي من قبل قوات التحالف الدولي بقيادة...
مدينة الرقة بعد تحريرها من سيطرة تنظيم داعش

حل الجحيم بمدينة الرقة مرتين: الأولى عندما استولى عليها مقاتلو تنظيم داعش في عام 2014 وجعلوها عاصمة لدولتهم، ثم عندما تحررت العام الماضي من قبل قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية في حملة مسحت الكثير من عمران المدينة وأحالته قاعًا صفصفًا.
الصور والمقاطع المصورة تظهر الضرر الذي حل بالمدينة، لكنها لا توضح حجم الدمار بشكل دقيق. فقد تم مسح مئات المباني وتحويلها إلى أنقاض وركام، وإعادة البناء والعمران في بعض المناطق يبدو احتمالا بعيدا وستستغرق عمليات نقل الخرسانة المحطمة وغابة حديد التسليح الملتوية سنوات فقط للتخلص منها فضلا عن إعادة العمران إلى ما كان عليه.
شهدت الرقة شراسة في حرب المدن لم تُشهد منذ الحرب العالمية الثانية، والرقة لا يقل ما جرى فيها من قصف وقتال عما جرى في ستالينغراد عام 1943 أو برلين عام 1945، تلك المدن التي هي اليوم رموز غضب الحرب وتكلفة التحرير، والرقة بلاشك تضاف إلى تلك الرموز والأيقونات.
وكان محررو الرقة قد حاصروها منذ أواخر حزيران/يونيو ثم ضغطوا وشددوا الحصار حتى تشرين الأول/أكتوبر، ومع انهيار المقاومة في المدينة أخيرا، لم تتمكن القوات البرية من دخول المدينة وإحراز أي نصر لولا الدعم المدمر وسياسة الأرض المحروقة التي نفذتها طائرات التحالف الدولي الحربية والطائرات المسلحة بدون طيار والمدفعية بعيدة المدى التي مسحت الأرض ومهدتها للقوات البرية لتتمكن من دخول المدينة.
مع ذلك، ورغم كل ما فعله التحالف بالمدينة وعمرانها، فقد ترك تنظيم داعش رسالة وداع “مدينة ممتلئة بالعبوات الناسفة”، العبوات التي قتلت ما يقرب من 500 شخص على مدى أقل من خمسة أشهر، من بينهم أكثر من 150 طفلا.
وتظهر بعض الصور التي لا تنسى لجولة استغرقت يوما واحدا في المدينة الأسبوع الماضي، مع قوات العمليات الخاصة الأمريكية التي وجهت الحملة، مقابر جماعية حفرت في مدرج عام لتخويف الخصوم، دائرة وسط المدينة حيث قام تنظيم داعش بتصوير عمليات الإعدام والتنكيل بمخالفيه ونشرها عبر الإنترنت، وهو المكان الذي يعذب فيه الجهاديون السجناء في زنزانات تحت الأرض. لقد جعل التنظيم المدينة مسرحا للقتل.
ورغم أن وطأة أيام حكم داعش للمدينة ظاهرة في ملامح أهل المدينة ونظراتهم إلا أن الواقع الحالي والمستقبل يبدو أنه لا يقل سوءا عن تلك الأيام التي كان للمتطرفين فيها دولة وحكومة وعاصمة. الحياة تعود تدريجيا للمدينة حيث تجوب الشوارع بضع سيارات الأجرة الصفراء وحافلات النقل العمومي مع عودة خمسين ألف مواطن تقريبا يشكلون سدس السكان السابقين.
نتوقف في حي المشلب، الحي الواقع في الجزء الشرقي من المدينة، اثنتين من السيدات سحبن كراسي بلاستيكية من منزليهما، وحشد قليل من الناس يجتمع على الرصيف.. ساجدة، الطفلة البالغة من العمر عشرة أعوام وترتدي ثيابا مرقطة وجينزا ممزقا، تحيي ضابطا في الجيش الأمريكي يرتدي زيه المموّه المعتاد وتعانقه. أحمد، 20 عاما، يحاول الضحك مع سيجارة متوهجة بين شفتيه، يتذكر الأيام التي قطع فيها عناصر الدولة الإسلامية أصابع الناس إذا ما شُوهدوا يدخنون.
تقول إحدى الأمهات اللواتي ما زلن قلقات بما فيه الكفاية عن جهاديي داعش: “كان الأطفال يعيشون كابوسا”، وتضيف “كانوا يعلمونهم كيفية القتل”. بالقرب منها تقف فتاة صغيرة تنتعل حذاء رياضيا وردي اللون وبلوزة زرقاء سماوية مكتوب عليها “Goofy”، وبجوارهم أيضا صبي يرتدي سترة مفتوحة وجميع الوجوه ضاحكة. وعند النظر إلى ابتساماتهم أثناء تجميعهم لالتقاط صور فوتوغرافية تعتقدون أنه مهما عاش هؤلاء فإنهم لا يخافون الآن.
ما هي دروس الرقة؟ الأول هو أن الولايات المتحدة وفت بالتزامها لعام 2014 بـ”تحطيم الدولة الإسلامية وتدميرها في نهاية المطاف”. ويُظهر غزو عاصمتها، مهما كانت نتيجته تقشعر لها الأبدان، الجودة المشكوك فيها بشدة في تصميم الولايات المتحدة على إنجاز هذا الهدف. استراتيجية الجيش الأمريكي هنا هي “الإبادة” بكل معنى الكلمة. وفي المرة القادمة، يجب أن يكون خصوم واشنطن حذرين من افتعال معركة معها.
ومن الدروس الأخرى، أنه من الخطأ السماح لخصم عنيد مثل تنظيم الدولة الإسلامية بالتحكم في مركز حضري كمدينة الرقة في سوريا أو الموصل في العراق. فمهما كانت درجة الحماس والجدية في القضاء على تنظيم إرهابي، فإن مجرد التزامه وتحصنه وتجذره داخل مدينة يعني أن الكلفة البشرية لإخراجه منها كبيرة.
وأخيرا، فإن ما وقع في الرقة يدعو للحذر والحرص من تدمير أي نظام حاكم، في أي مكان، دون معرفة ما سيأتي بعده. ويواصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تمسكه بهذه النقطة متهما الولايات المتحدة بأنها كانت متهورة بتشجيع الإطاحة بالسلطة في سوريا والعراق واليمن وليبيا دون تخطيط أفضل لـ “اليوم التالي”، وربما كان على حق. وفي كثير من الأحيان، شغل الفراغات الناتجة عن إسقاط النظام أمراء حرب ومرتزقة أجانب وطوائف الموت.
لقد دمرت الولايات المتحدة وحلفاؤها الرقة تقريبا لإنقاذها من الخلافة التي قامت على أسس التعذيب والتنكيل بالناس. ومع أنها كانت حربا عادلة، فإن علينا أن نحاول جاهدين تجنب الاضطرار إلى محاولة مثل ذلك مرة أخرى.
ديفيد إغناتيوس – واشنطن بوست

أقسام
من الانترنت

أخبار متعلقة