يبدو أن إيران ستخرج من المستنقع السوري الذي أقحمت نفسها فيه خالية الوفاض، فيما يجني الروس الصينيون ثمار دعمهم لنظام الأسد سياسيا وعسكريا بعقود وامتيازات اقتصادية لا حصر لها وإلى أمد غير منظور.
فقد نشرت صحيفة فايننشال تايمز تقريرا للمراسلتين إريكا سولومون ونجمة بوزورغمهر تناولتا فيه الحديث عن أزمة سورية إيرانية ناجمة عن تأخير الحكومة السورية في دمشق مشاريع استثمارية بمليارات الدولارات في طول البلاد وعرضها وفي شتى الجوانب الاقتصادية.
وقال التقرير إن دمشق تبدو وكأنها قلقة من إيران، لأنها تبدو حريصة على جذب الاستثمارات الروسية والصينية في مقابل وعود بتسهيلات استثمارية لإيران”. وأردفت المراسلتان أن “إيران ضخت مليارات الدولارات وضحت بمئات الأرواح لتعزيز موقف نظام بشار الأسد في وجه الثورة الشعبية التي أردت الإطاحة بحكمه، إلا أنها قد تجد صعوبة بالحصول على عائدات لاستثماراتها”.
وأشار التقرير إلى أن الحكومة الإيرانية والمؤسسات المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني حصلت على استثمارات اقتصادية كبيرة في سوريا، إلا أنها ما زالت على الورق ومنها على سبيل المثال مذكرة تفاهم لتشغيل الهاتف المحمول في البلاد واستثمار في أحد مناجم الفوسفات، وأراض زراعية ومجمعات سكنية راقية في ضواحي دمشق وحلب، مضيفة أنه سيكون لها دور مستقبلي في تطوير فروع للجامعات الإيرانية في سوريا.
ونقل التقرير المقال عن أحد رجال الأعمال قوله إن “مسؤولي النظام السوري أوقفوا تنفيذ هذه الاتفاقات لأن دمشق أضحت أكثر حرصا على جذب الاستثمارات الروسية والصينية ولخوفها من زيادة نفوذ طهران”.
وقال إنه يُنظر لإيران على أنها واحدة من أعرق الجهات الفاعلة في الشرق الأوسط، كما أنها تبسط نفوذها من خلال تطوير شبكات من المليشيات ذات الأيديولوجية الدينية الموازية للتنظيمات الإرهابية التي تقاتل نظام الأسد.
ورأت الكاتبتان أن سوريا مهمة بالنسبة لإيران لأنها تعتبرها جزءا مهما للغاية من تسمية “محور المقاومة” الذي يمتد عبر العراق وسوريا إلى لبنان حيث يتواجد حليفها المقرب حزب الله المحاذي لإسرائيل. وتابعت أن وجود الحزب على عتبة إسرائيل يعتبر مثار قلق لإسرائيل وحلفائها الغربيين وخصوصا الولايات المتحدة الأمريكية.
ونقل التقرير عن أحد المسؤولين الروس قوله إن “الأسد غالبا ما يتصرف لخدمة المصالح الإيرانية، لكن عندما يتعلق الأمر بالصفقات التجارية المحتملة وإعادة الإعمار، فإنه من المهم أن نقوم بذلك بطريقة تجلب فوائد له وللمحيطين به، لكن هذا يبقى بينا وبينه من دون إيران”.
هذا فيما قال رجل أعمال إيراني إن “سوريا تحتاج لوقت طويل جدا لتقف مجددا على قدميها، بعكس العراق الذي لديه عدة مصادر”، مضيفا أنه ” بالنسبة لإيران، فإن العراق يعد الأولوية لديها وليس سوريا”.
ويرى أحمد مجيديار، الزميل في معهد الشرق الأوسط بواشنطن أن هدف إيران في سوريا هو أن تكون الشريك التجاري الأكبر فيه، وأشار إلى نجاح طهران بفتح فروع لجامعة آزادي الإسلامية في العراق والمنطقة وتخطط لأن تفتح فروعا أخرى في المدن السورية، وقد بدأت الجامعة برامج صغيرة للتبادل بينها وبين جامعة حلب، ولكن مهما يكن فالجهود الثقافية لا تعني شيئا طالما تأخرت العلاقات الاقتصادية.
ولا تملك إيران الأموال الكافية لكي تبدأ مغامراتها التجارية الكبيرة، ويرى رجل أعمال إيراني أن ما حققته بلاده من مكاسب في سوريا لا يمكن استغلاله بدون استثمار. وهناك تردد من أصحاب الأعمال الخاصة في الانضمام إلى فرص الاستثمار في سوريا لأن الحكومة الإيرانية منحت القيادة للحرس الثوري والشركات المتعاونة معه لقيادة هذه الجهود. وقال رجل الأعمال الإيراني إن “شركاتهم (الحرس الثوري) ليست مرنة وملوثة بتهمة الفساد بسبب غياب الشفافية، ولا تخضع للرقابة وعليه فلا تستمتع بإدارة جيدة”. وأضاف رجل الأعمال أن على الحرس الثوري البدء بجذب شركاء تجاريين من الصين والدول العربية لكي يحصل على الأموال التي يريدها.
وقال التقرير إن بعض المشاكل هي خارج سيطرة الإيرانيين فالسوق السوداء في سوريا ازدهر وسط الفوضى وخلق شبكات تهريب وأمراء حرب مستعدين لحماية مصالحهم من أي جهة خارجية.
ويقول رجال أعمال ودبلوماسيون في دمشق إن مسؤولي النظام والعاملين في الإدارات البيروقراطية حاولوا عرقلة الجهود الإيرانية وطلب أوراق إضافية ونقاشات أخرى. وقال دبلوماسي: “يشعرون بأن الإيرانيين يريدون التدخل في كل مكان، وعليه فالسوريون يحاولون جعلهم ينتظرون”.
وتشير الصحيفة إلى أن إيران رغم قوتها الإقليمية ليس لديها إلا القليل من الضغط لممارسته. وقال رجل أعمال سوري إن بلاده تبالغ من أهمية جهود إيران الإقليمية، وأضاف: “ماذا لدى الإيرانيين لكي يهددونا به؟ لقد تورطوا معنا والنظام يعرف هذا”.

آثار الدمار في مدينة حلب
17 فبراير، 2018 1629 مشاهدات
أقسام
من الانترنت