بين الثائر والدرويش

لا يشك أحد أن الوضع في سوريا في حالة استعصاء وسط خيبات الأمل المتكررة من حصول تدخل أمريكي أو أوروبي فاعل لإنهاء فاجعة لم يسبق لها مثيل منذ نهاية...
من ثوار الغوطة الشرقية - حي جوبر دمشق - آذار 2017

لا يشك أحد أن الوضع في سوريا في حالة استعصاء وسط خيبات الأمل المتكررة من حصول تدخل أمريكي أو أوروبي فاعل لإنهاء فاجعة لم يسبق لها مثيل منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

الدولة الأقوى في العالم، أمريكا، تستطيع ضمان مصالحها في سوريا دون الخوض في النزاع عسكرياً، وتكتفي بتوجيه دفة الصراع إلا إذا تجاوز أحدهم خطوط مصالحها الحمراء، عندها لا يحتاج الأمر إلى جيوش جرارة لا يُعرف أولها من آخرها.. مجرد ضربة جوية ساحقة ماحقة تكفي. فعندما حاول الروس اللعب بذيلهم مؤخراً، لم تدم الغارة سوى بضع دقائق. لا تزال جثث جنودهم ومرتزقتهم متفحمة في موقع الضربة الأمريكية ولم يتعرف أحد على هويات أصحابها. بهذا المعنى فإن مصالح الأمريكان هي الخط الأحمر وليس استخدام الكيماوي ولا جريمة الغوطة ولا أي مأساة قادمة.

عين أوروبا على إيران وهي تضحي بماء وجهها في الجحيم السوري، مكتفية باللعب في ساحة استقبال اللاجئين والإغاثة والإدانات. ففي اليوم التالي لعقد الاتفاق النووي مع إيران، كانت الشركات الأوروبية في طهران. فرنسا، ممثلة بشركتي رينو وستروين، تبيع آلاف السيارات شهرياً لإيران، وهذا على سبيل المثال لا الحصر. لاحظنا جنون أوروبا ووقوفها وقفة رجل واحد في سابقة لا مثيل لها متحدية ترامب عندما غمز من قناة الاتفاق النووي، ومن هنا نرى أن أوروبا لن يكون لها موقف عملي إيجابي، ولو في جزئية الغوطة، ضد النظام السوري حليف إيران الذي قدم لها البلد لقمة سائغة.

بعد أمريكا وأوروبا، يبقى على الصف الثالث من الدول أن تلعب دورها وتخوض حربها على الأرض السورية لتحصل على حصتها. إنها روسيا وتركيا وإيران وكلٌ حسب جهده. وكل هذا خارج الحصة الأمريكية. استطاعت روسيا وإيران منع سقوط الأسد وشهدنا تغيرات كثيرة في الموقف التركي حتى بات الأتراك في حلف ثلاثي مع الروس والإيرانيين، وأصبح همها الأول إبعاد الكرد عن حدودها، هذا بالإضافة إلى تفاصيل نعلم عنها القليل ونجهل الكثير. هذا الثلاثي كان محور أستانة ووقف التصعيد في بعض المناطق والانقضاض عليها حسب مقتضى الحال، والأهم من ذلك، سلب القرار الوطني السوري للفصائل المسلحة وللمعارضة السياسية على حدٍ سواء، وتبعية قادتها لتلك الدول ولآخرين في المنطقة مثل دول الخليج والأردن وإسرائيل والذي ينته به الأمر تابعاً للقرار الأمريكي.

تضحيات الغوطة هائلة ولا مثيلة لها، ورغم أنها محاصرة منذ خمس سنوات، إلا أن صمودها النسبي يرجع جزئياً إلى حقيقة أنها بعيدة جغرافياً عن المناطق الحدودية مثل الجنوب والشمال، لذلك بقيت تملك الحد الأدنى من قرارها في المقاومة، لكن للبشر قدرات. يصعب الصمود أكثر أمام هذا الفارق في موازين القوة والقرار العالمي بأن لا تبقى بقعة مجاورة للأسد تهدده وتقض مضجعه. بهذا المعنى ليس للمعارضة السورية اللعب في الساحة الأمريكية أو الأوروبية، وكل تلك المحاولات هدر للوقت. عليها أن تفكر خارج الصندوق كما يقال، وإن تطلب ذلك القيام بخطوات غير شعبية في ظاهرها، لكن لعلها في الباطن أكثر واقعية. يحق للثائر أن يضع قَدماً في الحُلم، لكنه يصبح درويشاً إن هو وضع فيه كلتا قدميه.
أيمن الأسود

أقسام
مقالات

أخبار متعلقة