قد يكون من الخطأ في مكان اعتبار أن الثورة هي الخطر الوحيد الذي يهدد دكتاتورية الأسد، وقد لا يبالغ المرء إن قال بأن هناك خطرا أشد بات يواجه مستقبل بشار الأسد السياسي بشكل مباشر، لاسيما وأنه ينبع من قلب النظام ذاته ومن أركانه العسكرية، طبعاً فيما لو تمكن من قمع الثورة.
قبل أربعة عقود وتحديداً في 23 أيار 1983 انتهت نشوة نظام حافظ الأسد بالانتصار على حركة الإخوان المسلمين بصراع رباعي على السلطة بعد إعلان إصابة الأسد الأب بسرطان الدم وما أثاره هذا الإعلان من شكوك حول حياته وقدرته على حكم البلاد، ذلك الصراع الذي دار بين كل من قائد سرايا الدفاع وشقيق الأسد رفعت، وقائد القوات الخاصة علي حيدر، ورئيس شعبة المخابرات علي دوبا، بالإضافة لحافظ الأسد الذي تمكن من حسم الأمر لصالحه بعد نفي شقيقه وإعادة دوبا وحيدر إلى حظيرته من جديد.
عملياً حالة النظام اليوم لا تفرق كثيراً عن حالته في ذلك التاريخ، خاصة مع النشوة التي يعيشها حالياً بعد سيطرته على مساحات واسعة من البلاد، والتي قد تكون دفعت بعض جنرالاته للتفكير في ما بعد الثورة، وربما في خلافة الأسد ذاته، لاسيما بعد ظهور الأخير بحالة ضعف كبيرة خلال سنوات الثورة التي كادت أن تطيح بنظامه لولا الدعم الروسي والإيراني.
لنمعن النظر في السنوات الأخيرة التي بدأ النظام خلالها باستعادة قوته في سوريا، وتحديداً حالة التصفيات والاغتيالات والتغييب التي طالت عدد من جنرالات النظام وصقوره وأبرزهم اللواء رستم غزالة، اللواء جامع جامع، العميد عصام زهرالدين، بالإضافة لإقصاء عدد من الضباط الأمنيين بينهم اللواء رفيق شحادة والعميد حافظ مخلوف وغيرهم، وهي التصفيات والاقصاءات التي يمكن اعتبارها مؤشرا على حالة عدم الاستقرار والصراع بين أجنحة النظام التي انقسمت بين موالٍ للروس وآخر للإيرانيين.
أما المؤشر الأهم على حالة الصراع والمنافسين الأبرز لبشار الأسد هذه فيمكن استخلاصه من المشاهد القادمة من غوطة دمشق، ولكن هذه المرة من جبهة النظام الذي انقسمت قواته هناك إلى ثلاث قوى رئيسية تتبع كل منها لشخصية عسكرية: الحرس الجمهوري المقرب من بشار الأسد، الفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد، وما يعرف بمجموعة النمر بقيادة العميد سهيل الحسن، الذي يعتبر أقوى منافس للأسد بعد الحظوة الكبيرة التي نالها من الروس والتي مكنته من الاجتماع مع بوتين برفقة الأسد خلال زيارته لقاعدة حميميم، ناهيك عن كون الحسن هو الضابط الوحيد الذي تلقى تكريمًا وأوسمة روسية رفيعة جداً.
ما يجعل الحسن أيضاً واحداً من أبرز منافسي الأسد هو ظهوره على إحدى جبهات الغوطة تحت حراسة روسية مشددة، ما يعكس قلقًا روسيًا من تعرضه لعملية اغتيال قد يلجأ إليها الأسد أو الإيرانيون خلال الفترة الراهنة لاسيما بعد الشهرة والشعبية الكبيرة التي نالها من خلال زج اسمه في الكثير من المعارك الحاسمة التي خاضتها قوات النظام خلال السنوات الماضية في إدلب وحلب ودير الزور وحالياً في الغوطة، فيما بدا أنه نوع من الترويج للرجل لشغل منصب حساس في المستقبل أقله وزير للدفاع بدرجة رئيس إذا ما قمعت الثورة.
أما بالنسبة لماهر الأسد، فإن ضعف شقيقه وقلة فرصه في البقاء قد تدفعه للتحرك وعرض نفسه في موسكو كبديل له في محاولة للحفاظ على مستقبل العائلة السياسي، وهو ما يفسر محاولة الفرقة الرابعة التابعة له اقتحام الغوطة قبل قوات النمر في سعي منه لتقديم نفسه كقوة عسكرية يمكن للروس الوثوق بها فيما لو قرروا إقصاء بشار الأسد الذي باتت آماله ضمن هذا السيناريو مرتبطة بمدى قدرة إيران على فرض نفسها في الملف السوري وتمسكها به كحامي لمصالحها في سوريا.
نعم ربما يعود النظام من جديد وهنا مجرد افتراض، وصحيح أن بشار الأسد لم يصب بعد بسرطان أو بمرض قاتل، إلا أن ذلك لا يعني أن البقاء في قصر المهاجرين بات يسيراً وخالياً من العقبات، خاصةً وأن إيران ستفقد كل تاثيرها في الملف السوري فيما لو توقفت الحرب تحت أي ظرف من الظروف.
باختصار، فإن بشار الأسد وبحسب المشهد الحالي مجرد رجل مرحلة في القاموس الروسي ليس إلا، تنتهي مهمته بانتهاء هذه المرحلة لاسيما وأن للروس باع طويل في نجارة بيع الأنظمة، والأهم في كل هذا أن السيناريو المفترض مرتبط فقط بقدرة النظام على قمع الثورة، بالإضافة إلى أنه يشرح جانبًا من أهمية معركة الغوطة التي تحاول فيه كل قوة من القوى الثلاث تقديم أوراق اعتمادها للروس ممهورة بدم الشعب الشعب السوري.
حسام يوسف
10 مارس، 2018 18482 مشاهدات
أقسام
مقالات