هيومن رايتس ووتش تدعو لإدخال مراقبين أممين إلى الغوطة لتوثيق جرائم ارتُكبت وردع انتهاكات محتملة

دعت منظمة هيومن رايتس ووتش مجلس الأمن الدولي إلى المطالبة بشكل عاجل بمنح فريق مراقبة أممي إمكانية الوصول الفوري إلى مناطق الغوطة الشرقية الخاضعة حاليا لسيطرة قوات النظام لتوثيق...
أهالي حمورية في الغوطة الشرقية ينزحون إلى بيت سوا بسبب الحملة الوحشية التي تشنها قوات النظام على مناطقهم

دعت منظمة هيومن رايتس ووتش مجلس الأمن الدولي إلى المطالبة بشكل عاجل بمنح فريق مراقبة أممي إمكانية الوصول الفوري إلى مناطق الغوطة الشرقية الخاضعة حاليا لسيطرة قوات النظام لتوثيق أي جرائم ارتُكبت بالفعل، كما أن وجوده قد يردع أي انتهاكات أخرى محتملة.
وقالت المنظمة في تقرير لها إن الحكومة السورية تستخدم أساليب غير قانونية في هجومها على الغوطة الشرقية مستفيدة من استمرار الدعم الروسي، بما في ذلك ما يبدو أنه استخدام أسلحة محظورة دوليا، وأن هناك مخاوف كبيرة حول تعامل القوات الحكومية مع السكان في المناطق التي خضعت لسيطرتها، في ضوء تقارير سابقة عن الإعدامات الانتقامية.
وشددت هيومن رايتس ووتش على مطالبة مجلس الأمن الدولي بمنح فريق مراقبة أممي إمكانية الوصول الفوري إلى مناطق الغوطة الشرقية لتوثيق أي جرائم ارتُكبت بالفعل وردع أي انتهاكات أخرى. وأن على الفريق أيضا زيارة المواقع التي تنقل إليها الحكومة سكان الغوطة الشرقية، نظرا لوجود مخاوف كبيرة حيال معاملتهم. إذا استخدمت روسيا حق النقض “الفيتو” ثانية ضد عمل المجلس، على الجمعية العامة للأمم المتحدة الدعوة إلى النشر الفوري للمراقبين.
وقالت لما فقيه، نائب مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنظمة: “بدلا من مجرد مشاهدة التحالف العسكري السوري الروسي وهو يفتك بالغوطة الشرقية، على مجلس الأمن الدولي العمل على إنهاء هذه الهجمات غير القانونية، وإذا حاولت روسيا ثانية حماية الحكومة السورية عبر عرقلة قرارات المجلس، على الجمعية العامة طلب إرسال مراقبين إلى سكان الغوطة الذين تعرضوا للتجويع والقصف لأسابيع، والآن يواجهون خطر الاعتقال وحتى الإعدام”.
ولفتت المنظمة إلى تعرض الغوطة الشرقية، التي يقطنها حوالي 400 ألف مدني، لهجوم التحالف العسكري السوري الروسي منذ 19 شباط/فبراير، حيث حاصرت القوات الحكومية السورية الغوطة الشرقية منذ عام 2013، مما قيّد بشدة وصول المساعدات الإنسانية، في انتهاك لقوانين الحرب، ومَنَع المدنيين من المغادرة. وقصف التحالف الغوطة الشرقية ولم يميز بين أهداف مدنية وعسكرية، ودمّر المناطق السكنية والمستشفيات والمدارس والأسواق. وفقا لـ”المكتب الإغاثي الموحد في الغوطة الشرقية”، قُتل ما لا يقل عن 1,699 شخصا منذ 19 شباط الفائت حتى اليوم.
وأشارت هيومن رايتس ووتش إلى أنها تلقت في 17 آذار/مارس الجاري نداء استغاثة من أحد أفراد الدفاع المدني السوري والذي أخبر المنظمة أنه و19 من زملائه، أصيب خمسة منهم، وهم محاصرون على يد القوات الحكومية. وأضاف أن 90 عنصرا من الدفاع المدني السوري وعائلاتهم محاصرون في موقع ثان، وجميعهم يطلبون ممرا آمنا إلى مناطق لا تخضع لسيطرة الحكومة. وقال إنهم يخشون الانتقام، بما في ذلك الإعدام غير المشروع، في حال سيطرت الحكومة على المنطقة.
كما لفتت المنظمة إلى أن القوات الحكومية، بعد سيطرتها على حلب قبل عامين، تلقت هي والأمم المتحدة تقارير عن أعمال انتقامية وإعدامات جماعية لم تستطع هيومن رايتس ووتش التحقق منها ولم توثق بعد الأعمال الانتقامية ضد سكان الغوطة الشرقية ممن باتوا تحت سيطرة قوات الحكومة، لكن سبق لها الإبلاغ عن إعدامات جماعية بحق المدنيين على يد قوات الحكومة السورية في المناطق التي سيطرت عليها.
وذكرت هيومن رايتس ووتش بالقرار التاريخي للجمعية العامة للأمم المتحدة في كانون الأول/ديسمبر 2016، بإنشاء آلية ادعاء شبه خاص في سوريا، نتيجة الغضب على الطريقة التي منعت بها روسيا المجلس من اتخاذ إجراءات لحماية المدنيين خلال العملية السورية الروسية الوحشية للسيطرة على مدينة حلب.
وفي 24 شباط الفائت، أصدر مجلس الأمن قرارا يدعو إلى وقف إطلاق النار لمدة 30 يوما في الغوطة الشرقية، للسماح بدخول المساعدات الإنسانية ووقف الهجمات العشوائية على المدنيين وفق القانون الدولي، لكن لم يُنفذ القرار بالكامل ولم يتخذ المجلس أي إجراء. واتهمت المنظمة روسيا بالاشتراك بالمسؤولية عن الانتهاكات بسبب العمليات المشتركة لتحالفها العسكري، كما أنها استخدمت الفيتو 11 مرة لحماية النظام السوري من المساءلة.
كما أشارت المنظمة إلى أن هناك أدلة على استخدام العملية السورية الروسية في الغوطة الشرقية أسلحة محظورة دوليا، منها الذخائر العنقودية والأسلحة الحارقة والأسلحة الكيميائية. وقالت إنها تحدثت إلى ثلاثة شهود ذكروا أنه في 7 آذار/مارس 2018، هاجم التحالف العسكري مناطق سكنية في حمورية بذخائر عنقودية أرض أرض وجو أرض وذخائر أخرى. وأنه بحسب أطباء محليين ومسعفين، قُتل 20 شخصا على الأقل في الهجوم. وأن المنظمة اطّلعت على صور لبقايا أسلحة التقطها ناشط إعلامي محلي في أحد مواقع الغارات، وحددت الذخيرة على أنها صواريخ بالستية تكتيكية أرض أرض قصيرة المدى من طراز “أو تي آر-21” (OTR-21)، أو “توشكا”. وقال أحد المسعفين لهيومن رايتس ووتش إنه وقعت عدة هجمات متتالية بالذخائر العنقودية يومها، وأيضا في حمورية، لكنه لم يستطع تذكر تفاصيل دقيقة عن موقعها نظرا لقيامه بالإسعاف إثر هجمات عديدة مشابهة، كما قال إن الدفاع المدني السوري أنقذ أكثر من 40 ضحية يومها.
وأكدت هيومن رايتس ووتش على أن هناك أدلة على استخدام الذخائر العنقودية في عدة هجمات على الغوطة الشرقية في مارس/آذار. تُظهر الصور التي قدمها الدفاع المدني السوري لبقايا الأسلحة من هجوم تم الإبلاغ عنه في 11 مارس/آذار ذخائر “إيه أو-2.5 آر تي” (AO-2.5RT) غير منفجرة، نشرتها قنابل عنقودية “آر بي كي-500″(RBK-500) . زوّد شاهد على هجوم جوي على حمورية في 7 آذار هيومن رايتس ووتش بصورة لوحدة ذخيرة صغيرة من طراز إيه أو-2.5 آر تي قال إن الهجوم خلّفها. وثقت هيومن رايتس ووتش استخدام قوات النظام السوري الذخائر العنقودية المحظورة منذ عام 2012.
كما أفاد تقرير الدفاع المدني السوري أنه حوالي الساعة 11:48 صباح 16 آذار الجاري، استُخدمت الذخائر الحارقة الملقاة جوا في منطقة كفر بطنا في الغوطة الشرقية، ما أسفر عن مقتل 61 شخصا على الأقل وجرح أكثر من 200 آخرين. ونقل التقرير أن معظم الضحايا نساء وأطفال احترقوا أحياء. تُظهر الصور الفوتوغرافية والفيديو التي قدمها أطباء لهيومن رايتس ووتش، والمتاحة للعموم، 15 جثة على الأقل مصابة بحروق بالغة.
وتظهر الصور التي قدمها الدفاع المدني السوري على أنها التقطت فور وقوع الهجوم عدة حرائق صغيرة متوهجة، ما يشير إلى إمكانية استخدام الذخائر الصغيرة “زاب” (ZAB) الملقاة من قنابل سوفياتية أو روسية الصنع من طراز آر بي كي-500.
ومنذ نوفمبر/تشرين الثاني 2012، وثقت هيومن رايتس ووتش أضرارا بالمدنيين ناتجة عن استخدام الحكومة السورية أسلحة حارقة ملقاة جوا. وقالت المنظمة إنه يُمنع استخدام الأسلحة الحارقة الملقاة جوا في المناطق المدنية بموجب البروتوكول 3 من “اتفاقية حظر أو تقييد استعمال أسلحة تقليدية معينة”، التي لم تصادق عليها سوريا.
وقال أطباء في الغوطة الشرقية لهيومن رايتس ووتش إنهم عالجوا أعراض استخدام الكلور من هجمات متعددة، بما في ذلك في 25 شباط في الشيفونية و7 آذار في حمورية و11 آذار في عربين. ولم تؤكد هيومن رايتس ووتش بشكل مستقل استخدام الكلور في هذه الهجمات، لكنها سبق لها توثيق استخدام الكلور كسلاح كيميائي في سوريا، بما في ذلك أثناء عملية قوات النظام للسيطرة على شرق حلب. وقد انضمت سوريا إلى “اتفاقية الأسلحة الكيميائية” لعام 1993 في 2013.
ومع دخول قوات النظام السوري بلدة حمورية في 14 آذار الجاري، كانت هناك حملة قصف جوي محمومة، حسب شهود عيان. كان من بين الضحايا أحمد حمدان، ناشط إعلامي مقيم في حمورية، والذي نقلت تقارير مقتله في غارة جوية. وقال أحد الشهود لهيومن رايتس ووتش إنه في 14 آذار: “كنت أحاول الهرب مع عائلتي، ورأيت عائلة بأكملها تتطاير أمام عينيّ. عدت على الفور واصطحبت أطفالي إلى الطابق السفلي”.
ومع سيطرة قوات النظام على الأراضي في الغوطة الشرقية، بدأ المدنيون بالخروج، ففي 15 آذار، بثت وسائل الإعلام السورية والروسية مشاهد خروج ما يُزعم أنهم 12 ألف من السكان عبر معبر حمورية إلى المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية. وقد راجعت هيومن رايتس ووتش اللقطات التي أظهرت خروج الكثير من الناس. وفقا لأحد الشهود والتقارير الإعلامية، يُنقل السكان الذين خرجوا إلى مناطق خاضعة لسيطرة النظام إلى مواقع حول الغوطة الشرقية كالمخيمات والمدارس، حيث يتم فحصهم.
ولفتت المنظمة إلى أن القانون الدولي يحظر بشكل قاطع الإعدام بإجراءات موجزة أو خارج نطاق القضاء في حالات النزاع المسلح، ويعتبر المقاتلون أهدافا مشروعة ما داموا يشاركون في الأعمال العدائية، لكن قتل الجنود الجرحى أو المستسلمين أو الأسرى عمدا (أي الفئات العاجزة عن القتال) يشكل جريمة حرب. ودعت المنظمة إلى أن أن يكون أي إخلاء آمنا وطوعيا ومحميا بضمانات منح الأمان وعدم الانتقام. وأنه يحق للمدنيين الحصول على الحماية سواءً اختاروا المغادرة أو البقاء في منطقة ما، ويجب ألا تمنع أطراف النزاع المدنيين من المغادرة. كما يجب أن تسمح الأطراف بتوفير الإغاثة الإنسانية المحايدة للمدنيين المحتاجين، بغض النظر عما إذا كان لدى المدنيين خيار المغادرة.
كما يجب أن تضمن الحكومة السورية بشكل يمكن التحقق منه أن الحقوق الأساسية للأفراد الذين كانوا يعيشون تحت سيطرة الجماعات المسلحة غير الحكومية محترمة ومصانة، لا سيما عندما يخضعون لفحص أمني وأثناء الاحتجاز. وعلى السلطات أن تكفل أن تدوم عملية التدقيق ساعات وليس أيام، وأن يعامل أي شخص يحتجز لفترة أطول كمعتقل يتمتع بكامل حقوق المعتقلين بموجب القانون الدولي. ولا ينبغي اعتبار أي شخص مقاتلا اعتمادا على سنه أو جنسه عند غياب الأدلة الفردية على ارتكاب مخالفات جنائية. وعلى السلطات السماح لمراقبين أمميين وغيرهم من المراقبين المستقلين بالوصول إلى جميع مراكز التدقيق والاعتقال.
وقالت فقيه: “مع كل ساعة يحول فيها فيتو روسي محتمل دون أي إجراء حاسم من جانب مجلس الأمن الدولي، يواجه المدنيون على الأرض في الغوطة الشرقية خطرا حقيقيا يتمثل بالانتقام. أقل ما يمكن أن يفعله مجلس الأمن الآن هو نشر مراقبين لتقديم بعض الحماية للمدنيين. إذا لم يتمكن المجلس من القيام بذلك، فعلى الجمعية العامة أن تتصرف كما فعلت في حالة حلب”.

أقسام
أخبار

أخبار متعلقة