وصلت بعد ظهر اليوم الثلاثاء أكبر قافلة مهجرين قسريا من الغوطة الشرقية إلى المناطق المحررة في إدلب وحلب بعد رحلة استغرقت ساعات طويلة ضمت الآلاف من المدنيين وما يقارب 1500 مقاتل.
ويأتي خروج المدنيين والمقاتلين من الغوطة الشرقية ضمن اتفاقات وقعت بين فصائل المعارضة وروسيا بعد معاناة طويلة على مدى أكثر من خمس سنوات من الحصار الجائر والقصف العنيف والذي بلغ ذروته خلال الشهر الفائت بحملة عسكرية مكثفة شنها التحالف الدولي المؤيد لنظام بشار الأسد بمختلف أنواع الأسلحة المحرمة دوليا وبحشود من عشرات الآلاف من المقاتلين من أكثر من 18 فصيلا ومليشيا مسلحة متعددة الجنسيات.
وقد شكلت مدن وبلدات الغوطة الشرقية شوكة في حلق النظام وحلفائه على مدى سنوات الثورة السورية السبع عجز خلالها عن الدخول للمنطقة رغم مئات الحملات العسكرية وآلاف الغارات بالأسلحة المحرمة دوليا كالنابالم والقنابل الفراغية والعنقودية والغازات السامة من سارين وكلور وبراميل متفجرة وصواريخ أرض أرض وصواريخ باليستية، ونتج عن هذا كله مقتل آلاف المدنيين من أهالي المنطقة بالإضافة إلى مصرع آلاف العناصر والقادة من قوات النظام وقوات حلفائه من مليشيات المرتزقة الأجانب.
وتوصلت روسيا تباعا مع حركة أحرار الشام الإسلامية في مدينة حرستا ثم فيلق الرحمن في مدن وبلدات جنوب الغوطة الشرقية وحي جوبر، إلى اتفاقين تم بموجبهما إجلاء آلاف المقاتلين والمدنيين الى محافظتي إدلب حلب.
وبعدما انتهت عملية حرستا خلال يومي الخميس والجمعة، يستمر منذ السبت إجلاء مقاتلي فيلق الرحمن من بلدات بينها عربين وزملكا بالاضافة إلى حي جوبر الدمشقي المحاذي.
وبعد رحلة طويلة استمرت نحو عشر ساعات منذ فجر الثلاثاء، وصلت بعد الظهر قافلة مكونة من مئة حافلة تقل 6749 شخصا، ربعهم من المقاتلين، إلى المناطق المحررة التي تسيطر عليها فصائل الجيش السوري الحر في قلعة المضيق في ريف حماة الشمالي قبل نقلهم لاحقا إلى إدلب وجرابلس. وارتفع بذلك عدد الأشخاص الذين غادروا البلدات الجنوبية منذ السبت إلى 13165 شخصا.
وفي الغوطة، استؤنفت عملية الإجلاء بدخول حافلات إلى مدينة عربين على أن تتوجه تباعا محملة بمقاتلي فصائل المعارضة والمدنيين إلى نقطة تجمع قريبة تنتظر فيها اكتمال القافلة قبل الانطلاق.
ورجح متحدث باسم فيلق الرحمن أن يصل عدد الاشخاص الذين سيخرجون من المناطق الجنوبية، إلى نحو ثلاثين ألفا.
وكان قد خرج من مدينة حرستا أكثر من 4500 شخص من مقاتلي حركة أحرار الشام وأفراد من عائلتهم ومدنيين آخرين، لتعلنها روسيا وإيران مساء الجمعة “خالية من المسلحين”.
وتشرف القوات الروسية المتواجدة في سوريا منذ سنتين ونصف مباشرة على تنفيذ عمليات الإجلاء للسكان من المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، حيث ينتشر عناصر من الشرطة العسكرية الروسية عند ممرات الخروج، يسجلون الأسماء، ويشرفون على تفتيش الركاب ويرافقونهم في رحلتهم الطويلة إلى حماة.
وأدى القصف الجوي والمدفعي على الغوطة من قبل قوات النظام وقوات المليشيات المرتزقة الأجانب إلى مقتل أكثر من 1630 مدنيا منذ بدء الهجوم قبل خمسة أسابقع.
ومع التوصل إلى اتفاقات الإجلاء والتهجير، تدفق عشرات آلاف المدنيين إلى مناطق سيطرة قوات النظام مع تقدم هذه القوات ميدانيا داخل مناطق سيطرة فصائل المعارضة عبر ممر فتحته هذه القوات التي تحاصر الغوطة الشرقية بشكل محكم منذ أكثر من خمس سنوات، ما تسبب بأزمة إنسانية خانقة.
وقدرت روسيا عدد الذين غادروا من بلدات ومدن الغوطة الشرقية منذ نحو أسبوعين بـ110 آلاف مدني عبر “الممرات الآمنة” التي حددتها القوات الروسية. ونقل هؤلاء إلى مراكز إيواء دون أي رعاية من أي جهة محلية أو دولية ويتواجد فيها وفق الأمم المتحدة نحو 55 ألف شخص يعيشون أوضاعا أصعب مما كانوا يعيشونها قبل خروجهم من الغوطة.
وأعرب كثير من الخارجين في وقت سابق عن خشيتهم من تعرضهم للاعتقال أو الاحتجاز للتجنيد الإلزامي بالنسبة إلى الشبان، لكنهم لم يجدوا خيارات أخرى أمامهم مع كثافة القصف والمعارك، وأكدت العديد من المصادر وقوع مجازر في حق المئات من الخارجين من الغوطة حيث اقتيدوا إلى وجهات مجهولة.
وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان أنه وثق اعتقال قوات النظام أكثر من 40 رجلا وشابا في بلدات سيطرت عليها مؤخرا.
وإلى جانب عملية الإجلاء، أفرجت الفصائل المعارضة عن معتقلين مدنيين وعسكريين لديها. حيث أوردت مصادر إعلامية إيرانية أنه جرى الليلة الفائتة “تحرير 28 من المختطفين كانت تحتجزهم المجموعات الإرهابية في بلدة عربين”. وكان تم الإفراج عن ثمانية آخرين يوم السبت. كما أطلقت حركة أحرار الشام قبل خروجها من حرستا سراح 13 عسكريا ومدنيا.
وبعد انتهاء عملية الاجلاء من جنوب الغوطة الشرقية، ستصبح دوما، كبرى مدن الغوطة الشرقية، المعقل الأخير لفصائل المعارضة قرب دمشق، وتحديدا لجيش الاسلام. ولا يزال مصير المدينة المعزولة تماما شمال الغوطة مجهولا برغم مفاوضات بين روسيا والجيش، فيما يشعر السكان بالقلق بانتظار النتائج.
وخلال سنوات الثورة السورية، شهدت مناطق سورية عدة بينها مدن وبلدات قرب دمشق عمليات إجلاء وتهجير قسري طالت مئات الآلاف من المدنيين وآلاف المقاتلين والثوار المعارضين بموجب اتفاقات مع إيران وحزب الله وأخيرا روسيا إثر حصار وهجوم عنيف، أبرزها الأحياء الشرقية في مدينة حلب نهاية العام 2016 حيث تم تهجير أكثر من 150 ألف مدني أصبحوا نازحين في إدلب أو لاجئين في تركيا.

قافلة المهجرين قسريا من الغوطة الشرقية في قلعة المضيق
27 مارس، 2018
1618 مشاهدات
أقسام
من سوريا