فيما يتواصل إجلاء آلاف المقاتلين والمدنيين من جنوب الغوطة الشرقية، ما يزال مصير مدينة دوما غامضا مع تهديد قوات النظام بشن هجوم واسع عليها ما لم تثمر المفاوضات المتعثرة حتى الآن بين روسيا وجيش الإسلام، الذي يرفض الاستسلام، عن حل توافق عليه كل الأطراف.
ويبدو أن المفاوضات بين روسيا وجيش الإسلام تواجه عراقيل بعد تهديد النظام وروسيا بشن عملية عسكرية ضد المدينة، ما لم يوافق الجيش على الخروج منها وقف الشروط المقترحة.
وقال مصدر معارض مطلع على المفاوضات في دوما لوكالة “فرانس برس” إن الروس خيّروا جيش الإسلام في آخر اجتماع عقد أول من أمس بين الاستسلام أو الهجوم، ومُنِح الجيش مهلة أيام قليلة للرد. وأوضح مصدر معارض آخر أن “الروس لا يريدون اتفاقا مختلفا في دوما عن الاتفاقات التي تم التوصل اليها في سائر مناطق الغوطة الشرقية”.
ونقلت وسائل إعلامية إيرانية ولبنانية موالية لنظام عن مصدر عسكري قوله إن “قوات الجيش العربي السوري تستعد لبدء عملية عسكرية ضخمة في دوما، ما لم يوافق إرهابيو جيش الإسلام على تسليم المدينة ومغادرتها”.
في المقابل، أكد الناطق العسكري باسم جيش الإسلام، حمزة بيرقدار، أن “قرارنا قدمناه وهو البقاء، وهذا القرار اتُخذ على مستوى المؤسسات والفعاليات والشخصيات الثورية في دوما”، مشيرا إلى اجتماع سيعقد اليوم بين الروس واللجنة المعنية بالمفاوضات. وأضاف أن “الروس لم يقدموا أي قرار في شأن ما قدمته اللجنة التفاوضية للنقاش”، متهما نظام الأسد وروسيا بالسعي إلى “فرض تغييرات في التركيبة السكانية بإجبار سكان دوما على الرحيل”.
وكانت روسيا قد توصلت إلى اتفاقين مع حركة أحرار الشام الإسلامية في مدينة حرستا، ثم فيلق الرحمن في جنوب الغوطة الشرقية وحي جوبر الدمشقي، تم بموجبهما إجلاء آلاف المقاتلين والمدنيين إلى إدلب.
وعلى خطى آلاف سبقوهم وآخرون سيلحقون بهم، تجمّع أمس مقاتلون معارضون ومدنيون في حافلات تقلهم من مدينة عربين في جنوب الغوطة إلى نقطة قريبة، لينتظروا فيها ساعات طويلة اكتمال القافلة قبل أن ينطلقوا إلى إدلب بحماية روسية.
ووصلت أمس قافلة من مئة حافلة تُقل 6749 شخصا، ربعهم من المقاتلين، إلى مناطق سيطرة الفصائل في قلعة المضيق في ريف حماة الشمالي، قبل نقلهم لاحقا إلى إدلب. وارتفع بذلك عدد الأشخاص الذين غادروا الغوطة الشرقية منذ الخميس إلى أكثر من 17 ألفا.
من جهته، قال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن قوات موالية لنظام الأسد تحتشد حول مدينة دوما في الغوطة الشرقية، فيما قالت الأمم المتحدة إنها قلقة للغاية على ما بين 70 ألف و78 ألف شخص يعتقد أنهم محاصرون بالداخل.
وبعد خمسة أسابيع على هجوم عنيف بدأته قوات النظام بمساعدة الآلاف من عناصر أكثر من 18 مليشيا محلية وأجنبية وقسمت خلاله الغوطة الشرقية إلى ثلاث جيوب منفصلة بينها دوما، توصلت روسيا تباعا مع حركة أحرار الشام وفيلق الرحمن إلى اتفاقين تم بموجبهما إجلاء آلاف المقاتلين والمدنيين، ونتج عن ذلك أيضا قتل ما يقارب الألفين من المدنيين والكوادر الطبية والإسعافية وتدمير المئات من المنازل والمرافق الحيوية.
ومنذ مطلع الأسبوع الجاري جرى إجلاء أكثر من 17 ألفا من المقاتلين والمدنيين من الغوطة الشرقية إلى إدلب، ولا تزال العملية مستمرة من البلدات الجنوبية، فيما أودع عشرات الآلاف من المدنيين الآخرين في مراكز إيواء مؤقتة في دمشق وريفها.
وأكد المرصد السوري لحقوق الإنسان أن قوات النظام تنتشر في محيط دوما “من أجل الضغط على مفاوضي جيش الإسلام”، مشيرا إلى أن “الأكثر تشددا في الفصيل المعارض يريدون القتال حتى النهاية”.
وكانت المفاوضات تتركز أساسا على تحويل دوما إلى منطقة “مصالحة” يبقى فيها جيش الإسلام وتعود إليها مؤسسات الدولة من دون دخول قوات عسكرية أو شبه عسكرية تابعة للنظام، ويتم الاكتفاء بنشر شرطة عسكرية روسية.