نفذت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا فجر اليوم السبت عملية قصف صاروخي محدودة طالت بعض المواقع العسكرية لقوات النظام السوري في دمشق وحمص، ردا على الهجوم الكيميائي الذي نفذته قوات النظام ضد المدنيين المحاصرين في مدينة دوما بالغوطة الشرقية.
ووجهت الدول الثلاث 110 ضربات لمواقع عسكرية ومطارات وما يشتبه في كونه مخازن ومقرات لأسلحة كيميائية لازالت في حوزة قوات النظام في ما وصفته الولايات المتحدة بأنه “ضربة لمرة واحدة فقط”.
وقالت مصادر ميدانية إن المواقع التي تم استهدافها من قبل البواريج الامريكية هي مبنى البحوث العلمية في برزة ومبنى البحوث العلمية في جمرايا والحرس الجمهوري لواء 105 وقاعدة الدفاع الجوي بجبل قاسيون واللواء 41 قوات خاصة ومواقع عسكرية قرب الرحيبة في القلمون الشرقي ومواقع في منطقة الكسوة بريف دمشق ومطار المزة العسكري ومطار الضمير العسكري ومطار خلخلة بالسويداء.
وأعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في خطاب توجه به إلى الأمة من البيت الأبيض أنه “تجرى عملية عسكرية مشتركة مع فرنسا وبريطانيا، ونحن نشكر البلدين على مشاركتهما في هذه العملية”.
وقال ترامب إنه أمر بتوجيه “ضربات دقيقة” ضد مواقع عسكرية لقوات النظام السوري، ردا على الهجوم الذي تعرض له المدنيون في مدينة دوما بالغوطة الشرقية بالغازات السامة المحرمة دوليا والذي أدى إلى سقوط ما لا يقل عن 60 قتيلا في السابع من نيسان/أبريل الجاري.
وأضاف ترامب في كلمة تلفزيونية من البيت الأبيض: “أمرت منذ فترة وجيزة القوات المسلحة الأمريكية بتوجيه ضربات دقيقة إلى أهداف مرتبطة بقدرات الدكتاتور السوري بشار الأسد في مجال الأسلحة الكيميائية”.
وبعد أكثر من ساعة على خطاب ترامب، أعلن قائد الأركان الأمريكي الجنرال، جوزيف دانفورد، انتهاء الضربات التي نفذتها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا ضد برنامج الأسلحة الكيميائية السوري.
وقال الجنرال الذي كان موجودا في البنتاغون إلى جانب وزير الدفاع الأمريكي، جيمس ماتيس، إنه ليس هناك في الوقت الحالي خطط لشن عملية عسكرية أخرى.
وفي وقت كان الرئيس الأمريكي يلقي كلمته، تردد دوي انفجارات متتالية في العاصمة السورية دمشق، بحسب ما أفادت وكالات الأنباء العالمية التي لديها مراسلين في دمشق.
وقالت وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون” إن الضربات جاءت في أعقاب أدلة حاسمة على أن بشار الأسد مسؤول عن هجوم بالأسلحة الكيميائية استخدم فيه غاز الكلور على الأقل.
وقال وزير الدفاع الأمريكي، جيمس ماتيس، ورئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال، جوزيف دانفورد، إنه تم استهداف ثلاث منشآت رئيسة للأسلحة الكيميائية بصواريخ أطلقت من البحر ومن طائرات، ما أدى إلى إطلاق وسائل الدفاع الجوي السورية.
وقال ماتيس ودانفورد إن الضربة تهدف إلى إضعاف القدرات الكيميائية التي يمتلكها نظام الأسد ويستهدف بها الشعب السوري من دون قتل مدنيين أو عشرات الآلاف من المقاتلين الأجانب في سوريا الذين يقاتلون إلى جانب قوات نظام الأسد.
وقال دانفورد للصحافيين: “حددنا على وجه الدقة تلك الأهداف للتخفيف من خطر الاشتباك مع القوات الروسية”. وأضاف أن الجيش الأمريكي أبلغ روسيا بالمجال الجوي الذي سيستخدم في الضربة، لكنه لم يخطرها بموعد الضربة مسبقا.
وأكد ماتيس أن الولايات المتحدة لم تشن الهجمات إلا بعد توافر أدلة قاطعة إلى استخدام غاز الكلور في الهجوم الذي وقع في السابع من نيسان/أبريل في دوما بالغوطة الشرقية.
وذكر ماتيس أن الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وجهت “رسالة واضحة إلى بشار الأسد من خلال ضربات استهدفت ليلة اليوم السبت برنامج الاسلحة الكيميائية السوري”. وأضاف أنه “من الواضح ان نظام الأسد لم يتلق الرسالة العام الماضي”، في إشارة الى الضربة الأمريكية التي نفذت في نيسان/أبريل 2017 على قاعدة الشعيرات العسكرية في وسط سوريا، ردا على هجوم كيميائي نفذته قوات النظام على المدنيين من سكان مدينة خان شيخون بريف إدلب الجنوبي.
وتتكرر الاتهامات باستخدام قوات النظام السوري لغاز الكلور ضد المدنيين في المناطق الخارجة عن سيطرة نظام الأسد الأمر الذي أثار علامات استفهام حول ما إذا كانت واشنطن قد خففت من شروطها لشن عمل عسكري في سوريا بقرارها تنفيذ ضربة في أعقاب هجوم بغاز الكلور.
وفي العام الماضي شنت الولايات المتجدة هجوما على مواققع عسكرية سورية، بعد أن تأكدت من استخدام غاز السارين الأشد فتكا. وقالت بعض وسائل الإعلام الأمريكية أن واشنطن واثقة من أن الأسد استخدم السارين في السابع من نيسان/أبريل.
غير أن ما تيس أشار إلى أن الأدلة إلى استخدام السارين غير قاطعة حتى الآن. وقال: “نحن واثقون جدا أن غاز الكلور استخدم. ولا نستبعد الآن استخدام غاز السارين”.
وقالت وزارة الدفاع إن أحد الأهداف مركز للابحاث العلمية في منطقة دمشق الكبرى وصفته بأنه مركز سوري لبحوث الأسلحة الكيميائية والبيولوجية وتطويرها وانتاجها واختبارها. وكان الهدف الثاني منشأة تخزين للأسلحة الكيميائية غربي مدينة حمص. وأوضح دانفورد: “نحن نقدر أن هذا هو الموقع الأساس للسارين السوري ومعدات الانتاج الأساسية”.
أما الهدف الثالث الواقع أيضا قرب حمص فشمل منشأة تخزين لمعدات الأسلحة الكيميائية ومركز قيادة.
ومن جهته قال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن القصف استهدف “مراكز البحوث العلمية وقواعد عسكرية عدة ومقار للحرس الجمهوري والفرقة الرابعة في دمشق ومحيطها”، ومركز أبحاث عسكرية ومستودعات قرب مدينة حمص.
وأشار الإعلام التابع للنظام السوري إلى أن “الدفاعات الجوية السورية تصدت للعدوان الأمريكي البريطاني الفرنسي على سوريا”.
ووعد ترامب بأن تأخذ العملية “الوقت الذي يلزم”، منددا بالهجمات الكيميائية “الوحشية” التي شنها النظام السوري. ووجه تحذيرا لإيران وروسيا على خلفية صلاتهما بنظام الأسد، داعيا موسكو إلى الكف عن “السير في طريق مظلم”. وقال الرئيس الأمريكي إن روسيا “خانت وعودها” في ما يتعلق بأسلحة سوريا الكيميائية.
وفي لندن، قالت رئيسة الحكومة البريطانية تيريزا ماي في بيان رسمي إنه “لا بديل عن استخدام القوة لمنع نظام الأسد من استخدام الأسلحة الكيميائية”، محملة الأسد المسؤولية عن الهجوم الكيميائي في دوما. وأضافت: “بحثنا عن كل الوسائل الديبلوماسية، لكن جهودنا تم إحباطها باستمرار”.
وبناء على ذلك، قالت ماي إنها أعطت الإذن للقوات المسلحة البريطانية بشنّ “ضربات مركّزة ومنسقة” ضد القدرات العسكرية الكيميائية للنظام السوري من أجل “تجنّب” استخدامها مرة أخرى لاحقا.
واتهمت رئيسة الوزراء البريطانية النظام السوري بأنه لجأ إلى استخدام الأسلحة الكيميائية ضد “شعبه بأبشع وأفظع طريقة”، موضحة أنه تم اتخاذ القرار بالتدخل العسكري من أجل “حماية الأبرياء في سوريا”.
من جهته أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن الضربات الفرنسية “تقتصر على قدرات النظام السوري في إنتاج واستخدام الأسلحة الكيميائية”. وأضاف في بيان: “لا يمكننا أن نتحمل التساهل في استخدام الأسلحة الكيميائية”.
وقتل أكثر من 40 شخصا وأصيب 500 آخرون في مدينة دوما قبل أسبوع جراء قصف، قال مسعفون وأطباء إنه تم باستخدام سلاح كيميائي واتهموا قوات النظام بالوقوف خلفه، الأمر الذي نفته موسكو وطهران. وصعّد ترامب منذ ذلك الحين تهديداته ضد النظام وحلفائه.
وأكّدت الولايات المتحدة الجمعة أنّ لديها “دليلا دامغا” إلى استخدام النظام السوري أسلحة كيميائية ضد السكان. وتأتي العملية العسكرية الغربية في وقت يفترض أن تبدأ بعثة من منظمة حظر الأسلحة الكيميائية وصلت إلى دمشق أمس الجمعة عملها اليوم السبت للتحقيق في التقارير عن الهجوم الكيميائي في دوما.