رغم الزخم الإعلامي الكبير الذي نالته الضربة الثلاثية التي تعرضت لها المواقع العسكرية السورية والمرتبطة ببرنامج الأسلحة الكيميائية السوري الأسبوع الماضي؛ إلا أن الأهم كان في ردة الفعل الروسية الأخيرة التي قال فيها سيرغي لافروف إن “الضربة لم تتجاوز الخطوط الحمراء التي وضعتها موسكو في سوريا”.
أهمية تصريح لافروف تكمن في نقطتين، الأولى تتمثل في أن الاستهداف المباشر لقوة الأسد العسكرية لم تعد ضمن تلك الخطوط، حتى وإن طال مراكز استراتيجية كالحرس الجمهوري ومركز البحوث العلمية، وأن الاهتمام الروسي بات ينحصر في عدم تعرض القواعد العسكرية الروسية لهجوم أيًّا كان نوعه أو مصدره، وهو ما يمكن تسميته “خطوط روسيا الحمراء”.
أما النقطة الثانية التي تشير لها تصريحات لافروف، فكمنتْ في أن الضربة حققت أهداف الولايات المتحدة المتمثلة في جرّ الروس للتفاوض على الحل في سوريا وفق مرجعية جنيف والرؤية الأمريكية التي تستند في أهم بنودها إلى تشكيل هيئة حكم انتقالي بديلة لنظام الأسد وإخراج المليشيات الإيرانية من سوريا كأولويات.
خلافاً لما رآه البعض في الضربة الغربية التي تعرضت لها مواقع النظام العسكرية، فهي كانت ناجحة بامتياز، وتمكنت من إيصال الرسالة الأمريكية للروس، فالإدارة الأمريكية ومن خلال إشراك كل من فرنسا وبريطانيا على وجه الخصوص، وحشد الدعم الأوروبي العربي لها؛ أرادت القول للروس بأن السيطرة على الأرض لا تكفي لتسيطر موسكو على خيوط اللعبة في سوريا، وأي تزمّت روسي في مواجهة الرؤية الأمريكية يعني أن بوتين قد وضع نفسه أمام مواجهة عالمية قد تعمق من الجراح الاقتصادية الروسية وتزيد من مشكلاتها الداخلية والخارجية، لاسيما في ظل تنامي قوة التيار المعادي للنفوذ الروسي في الشرق الأوسط داخل أورقة الإدارة الأمريكية التي شهدت خلال سيطرة الجناح المحافظ “المؤمن بالحرب” على مفاصل الإدارة الأمنية والخارجية.
يبدو أن الرئيس بوتين ووزير خارجيته قد تلقفا الرسالة وكانا أكثر وعيا في التعامل معها، وأن الرد الروسي جاء منسجما مع ما تنتظره واشنطن، خاصة في ظل التلويح البريطاني الفرنسي الأمريكي بتكرار الضربات الجوية لمواقع النظام العسكرية خلال الفترة المستقبلية، ذلك التلويح الذي جاء في ظل النشاط الملحوظ لسلاح الجو الإسرائيلي في السماء السورية، والذي نفذ سلسلة غارات استهدفت مواقعا عسكرية وقواعد إيرانية في كل من حلب وحمص.
نعم يمكن القول وبثقة إن الضربة الثلاثية نجحت في قلب موازين القوة السياسية للنفوذ الدولي في سوريا، وما يمكن اعتقاده أن موسكو قريبا جدا ستركز في مفاوضاتها مع القوى الدولية الغربية على ضمان أمن وسلامة قواعدها ومصالحها بعيدا عن مستقبل الأسد الذي ستتركه لقرار واشنطن وحلفائها.
باختصار ما أريد قوله، يخطئ من كان ينتظر أن تقود الخطوة الأمريكية إلى ما يمكن تسميته “إسقاط النظام”، أو ومن كان يقيّمها عبر تأثيرها المباشر على القوة العسكرية لنظام الأسد، فصحيح أن الطبل كان في سوريا، إلا أن العرس كان في موسكو.
حسام يوسف

الرئيسان فلاديمير بوتين و دونالد ترامب و خريطة سوريا
21 أبريل، 2018
1665 مشاهدات
أقسام
مقالات