فيما يقوم الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بزيارة رسمية تستغرق ثلاثة أيام يلتقي خلالها مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، من المرجح أن تركز مناقشاتهما على المسائل الخلافية بين الطرفين فيما يتعلق بسوريا والمشاركة الإيرانية في الصراع الدائر على الأراضي السورية.
ولم يستبعد خبراء مركز دراسات رفيق الحريري للشرق الأوسط أن يكون هناك لزيارة ماكرون لواشنطن ومباحثاته مع ترامب تأثير ما لبلورة قرارات استراتيجية هامة للطرفين تجاه الملف السوري خلال المرحلة المقبلة.
فقد اعتبر فريد هوف، كبير الزملاء غير المقيمين في مركز رفيق الحريري للشرق الأوسط، أن زيارة الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون لواشنطن تقدم للولايات المتحدة، التي هي أقدم حليف لها، الفرصة للاتفاق حول محمل القضايا المتعلقة بسوريا. مشيرا إلى أن مشاركة فرنسا في الهجمة الجوية الأخيرة على المرافق الكيميائية التابعة لنظام الأسد تبشر بالخير لإنجاز اتفاق بين البلدين، فيما رغبة الرئيس ترامب المعلنة بسحب القوات الأمريكية في أقرب وقت من الجزء الشرقي من سوريا لا تفعل ذلك.
ولفت هوف إلى أن أي رئيس أو مسؤول في العالم حاليا لا يرغب بالتورط في سيناريو عنيف لتغيير نظام الأسد، ولكن كلا الرئيسين، إيمانويل وترامب، قد اتخذا موقفا بتجنيب المدنيين السوريين الذين يتعين حمايتهم، وحتى في وقت لاحق وبأثر رجعي، المخاطر الشديدة بالتعرض للقتل الجماعي على أيدي قوات النظام السوري بالهجوم عليهم باستخدام مواد كيميائية محرمة دوليا، حيث قُتل عدد من النساء والرجال والأطفال بهذا السلاح القاتل.
كما أشار هوف إلى ارتياح الزعيمين إلى تشاركهما وجهة النظر بضرورة العمل على ضمان استقرار المناطق المأهولة بالسكان والمحررة من تنظيم داعش شرقي نهر الفرات. وفيما يبدو ترامب راغبا في إعلان “النصر” على التنظيم من حيث تحييد القدرة العسكرية لداعش وبالتالي الانسحاب الكامل للقوات الأمريكية من المنطقة، تبدو وجهة نظر ماكرون متفقة مع وجهة نظر المستشارين العسكريين لترامب من أن “النصر” يتطلب وضع الشروط التي تمنع المناطق المحررة من الخضوع مجددا للمتطرفين، سواء أكانوا سنّة كداعش والقاعدة أو شيعة كقوات الحرس الثوري الإيراني أو المليشيات التابعة لإيران والممولة منها.
كما لا يريد ترامب أن تكون مسؤولية تأمين منطقة شرق سوريا وإعادة إعمارة حصرية على عاتق الولايات المتحدة الأمريكية بعد نهاية الحرب، وهذه نقطة قد تكون موضع اتفاق بين الطرفين الأمريكي والفرنسي، وإذا كان ماكرون يرغب في الحصول على الاهتمام الإيجابي من ترامب فإنه سيقدم وحدة من الجنود الفرنسيين و/أو وحدة من رجال الدرك للخدمة في شرق سوريا إلى جانب المستشارين الأمريكيين بالإضافة إلى وحدات تساهم بها الدول العربية.
وسوف تكون القيادة الأمريكية و”الجدية في المشاركة” أمران حيويان لأي تحالف احترافي وعملي للقوى العسكرية على الأرض. وإذا ما كان ماكرون يرغب في إقناع ترامب بفعل الشيء الصحيح، فإن فرصه في القيام بذلك ستتحسن بشكل مضاعف إذا ما أحضر إلى الطاولة شيئا أكثر أهمية من النصيحة الصريحة والصديقة، وسيكون محتاجا لإظهار “الجدية في المشاركة” الفرنسية. خصوصا وأن باريس كانت مسرحا لعمليات داعشية دموية، وتبدو مصلحة فرنسا بالمشاركة في خلق الاستقرار في المناطق التي تحررت من المجموعة الإرهابية معقولة، بل تبدو إلزامية في الواقع، بحسب هوف.
أما فيصل عيتاني، الزميل في مركز رفيق الحريري، فقال إنه “يوجد نوع من الكيمياء بين هذين الرئيسين. في العادة لا أهتم كثيرا بهذا الأمر لأن العلاقات الشخصية مع زعيم أجنبي لا تحدد أشياء مهمة كالسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط. لكن في هذه الحالة، سأولي المزيد من الاهتمام لأن الرئيس ترامب يبدو أنه يقدّر العلاقات الشخصية ويثق بها أكثر من الآخرين، كما نرى في الطريقة التي يعمل بها هذا البيت الأبيض”.
وإذا تم أخذ هذا الجانب بعين الاعتبار، بحسب عيتاني، فإن ماكرون قد ينجح في إقناع ترامب باتخاذ مواقف قوية كتلك التي تتخذها فرنسا من نظام الأسد منذ أن استخدام النظام الأسلحة الكيميائية في آب/أغسطس 2013، وسيضغط ماكرون على ترامب (مع نجاح غير واضح) للالتزام بوجود عسكري أمريكي طويل الأمد في سوريا ما بعد داعش، على الأقل لمنع إيران من ملء الفراغ في حالة انسحاب القوات الأمريكية، مع ملاحظة أن الإدارة الأمريكية ستستمر في الجدل حول مدة البقاء في سوريا، وبأي شكل، ولأي غرض.
وأضاف عيتاني، نحن نعرف أن إدارة ترامب تركز بدقة على “عودة” النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط ولا تخفي مخاوفها من هذا الأمر وترفضه قطعيا، كما شخصيات مهمة في هذه الإدارة مثل مايك بومبيو وجون بولتون عدائيون تجاه إيران. ولأن العراق ضاعت من أيدي الأمريكان بهيمنة الإيرانيين عليها بالفعل، إلا أن سوريا لا تزال في طور التنازع عليها ولم يفت وقت إنقاذها من براثن السيطرة الإيرانية. وغالبا ما يُبرز المؤيدون الأمريكيون للانتشار الأمريكي الممتد في سوريا أن الانسحاب سيتخلى ببساطة عن تلك الأراضي لإيران، ومن المؤكد أن الرئيس ماكرون مدرك لأبعاد هذه المناقشة، ولمركزية المسألة الإيرانية، وليس مستغربا أن يحاول التأكيد على هذا الأمر. ولكن في نهاية المطاف، لدى ترامب ميوله الانعزالية الخاصة التي قد لا تترك مجالا لوجود أمريكي غير محدد في سوريا، حتى لو كان ذلك يعني أن إيران ستحصل على المزيد من الأراضي.
من جهته، رجّح آرون شتاين، الزميل بمركز رفيق الحريري للشرق الأوسط احتمالية مناقشة الضربة الصاروخية الأمريكية الأخيرة في سوريا، فقط كمقدمة لأجندة موسعة قد ترغب باريس في معالجتها وهي النوايا الأمريكية تجاه سوريا.
وأشار شتاين إلى أن فرنسا لديها قوات منتشرة في سوريا إلى جانب قوات الولايات المتحدة، وقد ظهرت كداعم هام لقوات سوريا الديمقراطية. وعبّر شتاين عن اعتقاده أن الموقف الفرنسي مهتم جديا بارتفاع التهديد الذي يمثله تنظيم داعش، باعتباره المحرك الرئيسي للسياسة الدولية تجاه سوريا. وبالتالي يُتوقع أن يتفق ماكرون مع ترامب حول مستقبل الوجود الأمريكي في سوريا وأهميته الاستراتيجية، وإكساب سياسة إدارة ترامب في سوريا ومستقبل الوجود العسكري الأمريكي في سوريا المزيد من الوضوح.
الفرنسيون هم الحليف رقم واحد للولايات المتحدة، يقول شتاين، ومن الواضح أنه من المهم لماكرون أن ينقل أفكاره عن سوريا وأن يشرح تفكيره في المسألة لترامب، وعلى أقل تقدير، هذا أمر مهم لإدارة التحالف بين البلدين، كما سيساعد الدولتين على الحصول على نفس البرنامج المتعلق بقتال داعش، وكذلك حول الخطوات التالية لإنهاء النزاع، وما إذا كان هناك مجال لتعاون فرنسي أمريكي أعمق في المصالح المشتركة في سوريا.








