من المنطقي جدا أن تشهد الفترة الحالية حملة دولية ضد النفوذ الإيراني في سوريا، خاصة في ظل وصول شخصيات محافظة معادية لإيران إلى مفاصل اتخاذ القرار في واشنطن، وهو ما يعني أن معركة المجتمع الدولي متمثلا بالولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي باتت اليوم تتمحور بشكل جدي حول إخراج المليشيات الإيرانية من سوريا خلال الفترة المقبلة.
بحسب ما تشير إليه التطورات الأخيرة على الساحة الدولية والإقليمية، يمكن القول بأن مخططا أمريكيا رسم لإنهاء التواجد الإيراني في سوريا، لاسيما بعد الضربات الجوية الإسرائيلية لمواقع عسكرية إيرانية في سوريا، وعودة الجدل حول الاتفاق النووي الإيراني، ليس في أمريكا وحسب وإنما في أوروبا أيضا التي عبرت عن موقفها السلبي من الاتفاق من خلال تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
عمليا، ما يجب أن ندركه كسوريين أن مسألة خروج الميليشيات الإيرانية أكثر تعقيدا وتشابكا مما تبدو عليه، لاسيما فيما يتعلق بإقناع روسيا وقبولها بهذه الخطوة، خاصة إذا قررت الولايات المتحدة أن تخرج إيران بموجب قرار أممي تحت البند السابع الذي يتيح لها استخدام القوة الدولية لتشديد الحصار الاقتصادي على طهران واستخدام القوة العسكرية ضد مواقعها إذا رفضت الرضوخ للمطلب الدولي.
بناءا على ذلك يمكن تفسير حالة التمدد العسكري الروسي في سوريا خلال العام الماضي تحديدا وسيطرتها على الكثير من مناطق المعارضة وآخرها الغوطة الشرقية، وإمكانية ربط تلك التطورات بمسألة تمكين الروس من التخلي عن القوات البرية الإيرانية العاملة في سوريا، وكخطوة أولى على طريق إجبار إيران على الانسحاب من سوريا بشكل كامل أو على الأقل عسكريا.
واقعيا لم يكن من المنطقي أن تقبل موسكو بالتنازل عن القوة البشرية الإيرانية في سوريا دون تعديل خارطة الانتشار العسكري، وبقاء قوات المعارضة على مقربة كيلومترات من العاصمة دمشق، خاصة وأن روسيا منذ البداية كانت حذرة جدا من أي تورط بري في سوريا وإمكانية تكرار سيناريو أفغانستان والشيشان من جديد.
يبدو أن إدارة الرئيس ترامب كانت أكثر قدرة من إدارة سلفه باراك أوباما على قراءة الواقع وموازنة المصالح في سوريا، الأمر الذي أتاح لها خلق تفاهم مع الروس يمكن الأمريكيين من تحقيق هدفين؛ أولها تمهيد طريق عودة المسلحين الإيرانيين باتجاه طهران، إلى جانب التخلص من الفصائل الإسلامية التي باتت تشكل عبئا على كاهل الإدارة الأمريكية، لاسيما وأن معظم المناطق التي دخلتها روسيا هي مناطق سيطرة إسلامية.
أكثر ما يدعم الفرضية السابقة، هو ما نقلته مواقع ألمانية عن أحد القيادين في حزب المسيحي الديمقراطي الحاكم في ألمانيا، عن تقديم الإتحاد الأوروبي ضمانات وعطاءات لروسيا منها الاعتراف بمصالحها العسكرية في سوريا واعتبارها كقوة دولية مقابل موافقة الأخيرة على تعديل سياستها المتعلق بالقضية السورية حيال بقاء الأسد والميليشيات الإيرانية.
أمام هذا السيناريو، يمكن القول بأن الفترة القريبة ستشهد استكمالا لخطوات إخراج إيران من سوريا عبر امتيازات للروس تدفعهم للتخلي عن التحالف مع إيران، خاصة وأن الروس ينظرون إلى الإيرانيين كمنافس لهم على التراب السوري، أما طريقة الخروج فيعتقد أن تكون وفق قرار تحت البند السابع، أو على الأقل بضغط دولي تحت تهديدات نوجيه ضربات عسكرية تطال المواقع الإيرانية خارج الحدود.
باختصار، بعيدا عن ما يعرض على شاشات وسائل الإعلام فإن كافة التطورات والتحولات على الساحة الدولية والإقليمية خاصة فتح ملف إيران النووي واتفاقها حول برنامجها من جديد، يشير إلى أن الدور الإيراني قد انتهى في سوريا، وإلى وجود جدية دولية في طرد المسلحين المدعومين إيرانيا بغض النظر عن الطريقة سواء بقرار أممي أو ضغوط خارج أروقة الأمم المتحدة أو باستهداف عسكري مباشر لقواعد طهران في سوريا ولبنان.
حسام يوسف
26 أبريل، 2018 7643 مشاهدات
أقسام
مقالات