لفت تقرير أعده مركز أبحاث بريطاني متخصص في شؤون مكافحة الإرهاب إلى أن الضربات الجوية ضد المناطق التي تسيطر عليها فصائل المعارضة في سوريا ازدادت بنسبة 150 في المئة منذ التدخل الروسي في أيلول/سبتمبر 2015، ما أتاح لقوات النظام السوري السيطرة على نصف أراضي البلاد، مشيرا إلى أن 14 في المئة فقط منها استهدف تنظيم داعش.
وقال التقرير الذي جاء بعنوان استخدام الغارات الجوية في الصراع السوري ارتفع بنسبة 150 في المئة بعد التدخل الروسي وأعدّه مركز جين للإرهاب والتمرد (JTIC) التابع لمزود معلومات الأعمال العالمية IHS Markit، “ازداد استخدام الضربات الجوية من قبل القوات السورية والروسية في النزاع الدائر في سوريا بنسبة 149.8 في المائة منذ تدخل روسيا في أيلول/سبتمبر 2015، مما ساعد الحكومة السورية على مضاعفة الأراضي التي تقع تحت سيطرتها ثلاث مرات.
ولفت ماثيو هينمان، رئيس المركز، إلى أن المشهد المتغير للصراع في سوريا نتيجة للتدخل الروسي لصالح الحكومة السورية أتاح المكان والزمان لتركيز القوات في المناطق الاستراتيجية الرئيسية واستخدام القوة الساحقة لإعادة السيطرة على الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة، وأشار إلى أن البيانات التي سجلها المركز تؤكد الدور الرئيسي الذي لعبته الضربات الجوية في هذه الإستراتيجية، مع عدم قدرة قوات المعارضة إلى حد كبير على الدفاع ضد التهديد الذي تشكله القوة الجوية، فضلا عن كثافتها وتكرارها ضد نفس المواقع المستهدفة.
شهدت نهاية آذار/مارس 2018، بعد سنتين ونصف منذ إطلاق التدخل العسكري الروسي في سوريا تضاعف رقعة السيطرة الإقليمية على الأراضي السورية ثلاث مرات تقريبا لصالح قوات النظام. ووفقا للبيانات التي سجلتها مركز جين، فقد ازداد استخدام الغارات الجوية بشكل كبير منذ التدخل الروسي، حيث بلغت 6833 غارة جوية سورية/روسية في هذه الفترة، بزيادة بنسبة 149.8٪ عن 2735 غارة التي تم تسجيلها خلال السنتين والنصف السابقتين (نيسان/أبريل 2013 إلى أيلول/سبتمبر 2015). وفي الوقت نفسه، انخفض عدد الوفيات الناجمة عن هذه الغارات بنسبة 9.3 في المائة، أي من 6899 حالة وفاة موثقة في فترة ما قبل التدخل إلى 6254 حالة في فترة ما بعد التدخل. واستهدفت الغارات الجوية السورية/الروسية مواقع تابعة لتنظيم داعش 960 مرة بعد تدخل روسيا، وهو ما يمثل 14 في المئة فقط من جميع هذه الضربات الجوية في هذه الفترة.
ووفقا لمجلة رصد النزاعات، التي تعدّها IHS Markit، كانت قوات النظام تسيطر على 15.9 % فقط (29.450 كيلومتر مربع) من الأراضي السورية في منتصف أيلول 2015، وفي نهاية آذار 2018، تضاعفت هذه النسبة تقريبا لتصل إلى 47.4 بالمائة (87.995 كيلومتر مربع).
غارات أكثر ووفيات أقل
منذ أوائل عام 2013 فصاعدا، كان أحد المكونات الرئيسية لما يقوم به النظام السوري تحت شعار “مكافحة الإرهاب” استخدام الضربات الجوية، التي استخدمت ضد أهداف لمقاتلي المعارضة وبطريقة عشوائية ضد الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة، بحسب هينمان. وكلا التكتيكين أدى في كثير من الأحيان إلى إصابات بين المدنيين، ومن المحتمل أن يكون أسلوبا عقابيا للانتقام من المدنيين الذين يعتبرون داعمين للمعارضة وحاضنة شعبية لها.
وفي فترة ما قبل التدخل الروسي، شكلت الغارات الجوية السورية أكثر من النصف (50.6 في المائة) من جميع العمليات العقابية والانتقامية تحت مسمى “مكافحة الإرهاب” في تلك الفترة وأسفرت عن 72.1 في المائة من جميع الوفيات المدنية الناجمة عن المجازر التي ارتكبتها القوات النظامية السورية والمليشيات الأجنبية الداعمة لها.
ومع أن عدد الضربات في فترة ما بعد التدخل الروسي يمثل زيادة كبيرة في المدى الحقيقي الإحصائي، فإن الضربات الجوية السورية/الروسية تناقصت في هذه الفترة إلى 39.5 في المائة من جميع عمليات “مكافحة الإرهاب” التي تتم على الأرض السورية، في حين أدت إلى زيادة 75.0 في المائة من مجمل وفيات المدنيين الناجمة عن عمليات “مكافحة الإرهاب”.
ومع ذلك، من الناحية الكلية، انخفض عدد الوفيات الناجمة عن الضربات الجوية بشكل طفيف بنسبة 9.3 في المائة من 6899 في فترة ما قبل التدخل الروسي إلى 6254 في فترة ما بعد التدخل.
معظم الغارات السورية/الروسية في فترة ما بعد التدخل لم تستهدف تنظيم داعش
زعمت روسيا أن تدخلها في سوريا يستهدف تنظيم داعش وغيرها من الجماعات الإسلامية المتشددة، ولكن في فترة ما بعد التدخل، استهدفت الغارات الجوية السورية/الروسية تنظيم داعش 960 مرة، وهو ما يمثل 14 في المئة فقط من جميع هذه الضربات الجوية ضمن الإطار الزمني للتدخل الروسي، بحسب هينمان. ومع أن هذه النسبة صغيرة نسبيا بالنسبة لمجمل ما شنه الطيران السوري والروسي ضد المناطق الخارجة عن سيطرة النظام في سوريا، فإن هذه النسبة تمثل زيادة في المدى الحقيقي من 201 غارات جوية فقط ضد تنظيم داعش في فترة ما قبل التدخل، وزيادة من 7.3 في المئة من جميع الضربات الجوية في نفس الفترة.
وقد استهدفت الغالبية العظمى من الغارات الجوية السورية/الروسية في فترة ما بعد التدخل الروسي، جماعات معارضة أخرى غير تنظيم داعش، وهذا ما يؤكده التورع الجغرافي للغارات الجوية في هذه الفترة.
حيث تم إجراء ما يقرب من ثلثي (66.2%) جميع الضربات الجوية في فترة ما بعد التدخل الروسي في محافظات حلب وإدلب ودمشق وريف دمشق، وتركزت هذه الضربات بشكل خاص في المناطق التي لا يوجد فيها أي نشاط لتنظيم داعش، ولاحظ التقرير درجة كبيرة من الاستمرارية لنفس نهج قوات النظام خلال فترة ما قبل التدخل باستهداف مواقع المعارضة وإهمال لمواقع سيطرة التنظيم، حيث كانت تلك المحافظات الثلاث مرة أخرى مسرحا لمعظم الهجمات الجوية وتمثل مجتمعة 64.1 في المئة من جميع الضربات في ذلك الإطار الزمني.
سهلت الضربات الجوية التكتيكية سيطرة قوات النظام على مساحة واسعة كانت تسيطر عليها المعارضة
لم يكن التدخل الروسي فعالا في ضمان استمرار بقاء حكومة الأسد فحسب، بل أيضا عكس زخم الصراع بشكل حاسم لصالح القوات الحكومية ضد مجموعة واسعة من قوى المعارضة في البلاد.
ووفقا لمرصد IHS Markit؛ كان النظام يسيطر على 15.9% فقط (29.450 كيلومترا مربعا) من الأراضي في سوريا في منتصف أيلول/سبتمبر 2015، وعلى النقيض من ذلك، وفي نهاية شهر آذار/مارس 2018، تضاعفت هذه النسبة تقريبا إلى 47.4 بالمائة (87.995 كيلومتر مربع) من مساحة البلاد، بالإضافة إلى الاستيلاء على مساحات شاسعة من وسط سوريا، شملت هذه الزيادة الإقليمية الكبرى تأمين المراكز الحضرية الحيوية والمواقع الاستراتيجية الرئيسية للنظام والتي لم تسلم لاحقا من القصف الأمريكي والإسرائيلي.
وعلى وجه الخصوص، بسط نظام الأسد سيطرته الكاملة على مدينة حلب، وأبعد تهديد تنظيم داعش عن حماة وحمص، كما سيطر على كامل مدينة دير الزور والحدود مع لبنان، وخفف بشكل كبير من الخطر المحدق به في العاصمة دمشق، وحشر فعليا نسبة كبيرة من فصائل المعارضة المعتدلة والمتشددة في محافظة إدلب.
- مركز جين للإرهاب والتمرد (JTIC)
هو مركز دراسات يستخدم بيانات مفتوحة المصدر لبناء قاعدة بيانات عالمية للهجمات التي تشنها كل الجماعات المسلحة غير الحكومية، بالإضافة إلى عمليات مكافحة الإرهاب والتصريحات الأساسية من قبل الجهات الحكومية وغير الحكومية، وتمكن قاعدة البيانات التي يتيحها المركز المستخدمين من البحث حسب الموقع والهدف والمجموعة (النشطة والنائمة) والتكتيكات وأعداد الضحايا من أجل الحصول بسرعة على معلومات و/أو بيانات قابلة للتنفيذ، كما تضم قاعدة بيانات المركز أكثر من 250.000 حدث منذ عام 2009 وتتعقب أكثر من 1000 جماعة مسلحة منفصلة غير تابعة للدولة في جميع أنحاء العالم.
- IHS Markit
شركة رائدة عالميا في مجال المعلومات والتحليلات والحلول الهامة للصناعات والأسواق الرئيسية التي تقود الاقتصاديات في جميع أنحاء العالم، وتقدم معلومات الجيل القادم والتحليلات والحلول للعملاء في الأعمال التجارية والمالية والحكومية، وسبل تحسين الكفاءة التشغيلية، كما تقدم رؤى متعمقة تساعد على اتخاذ قرارات مستنيرة وموثوقة، ولدىIHS Markit أكثر من 50000 عميل من رجال الأعمال والحكومات، بما في ذلك 80 في المائة من أهم 500 شركة عالمية ومؤسسة مالية رائدة حول العالم.