شتاء جنيف

يدرك أي مراقب للحالة السورية، وأي مطًلع على بنية الدولة، وتكوين وبنية المعارضة أن مفاوضات جنيف لن تحمل حلاً إلا بإرادة دولية غير موجودة، ولكن كان لابد للائتلاف الوطني...
أحمد الجربا رئيس الائتلاف السوري رئيس وفد المعارضة في مؤتمر جنيف

يدرك أي مراقب للحالة السورية، وأي مطًلع على بنية الدولة، وتكوين وبنية المعارضة أن مفاوضات جنيف لن تحمل حلاً إلا بإرادة دولية غير موجودة، ولكن كان لابد للائتلاف الوطني السوري باعتباره ممثلاً لقوى الثورة والمعارضة من الانخراط بالعملية السياسية التي أسس لها القرار الأممي 2118، المستند إلى وثيقة جنيف 1 الصادرة في 30 حزيران/يونيو 2012 ، وإظهارالجديّة، وتشكيل وفد مفاوض حقيقي.
وقال السيد أحمد الجربا رئيس الائتلاف يومها جملة ما زال صداها حاضراً في ذهني وتختصر رؤية المعارضة حينها “إننا نوافق بشكل كامل على مقررات جنيف 1 الذي اتفقتم عليه جميعاً، ونريد أن نتأكد إن كان لدينا شريك سوري في هذه القاعة، مستعد أن يتحول من وفد بشار إلى وفد سوري وطني مثلنا”.
استند قرار قيادة المعارضة آنذاك بالمشاركة في تلك العملية السياسية لعدة أسباب:
1- الضغط اليومي على صاحب القرار في المعارضة نتيجة الأعداد الكبيرة للشهداء من المدنيين والعسكريين السوريين، والخراب الكبير، وخروج الأزمة عن السيطرة من قبل كل الأطراف السورية وبالتالي تهديد وجود سوريا.
2- نصيحة الدول الداعمة للمعارضة بضرورة استثمار اللحظة والبدء بعملية سياسية بناءة، والتهديد المبطن بأن عدم المشاركة يعني رفع الدعم السياسي والعسكري والإغاثي عنها.
3- استشعار قيادة المعارضة لخطر تنامي المجموعات الإسلامية المرتبطة بتنظيم القاعدة واستثمارها بحالة اليأس والألم التي يعاني منها الشعب السوري حينها ومازال.
4- إدراك حقيقة أنه في الوقت الذي تعمل فيه البندقية لا بد بالتوازي من عمل سياسي لتحصيل النتائج ضمن منظومة ثورية متكاملة.
وفي ذات الوقت كان النظام مضطراً أيضاً للانخراط بتلك العملية للأسباب التالية:
1- إدراكه أن محاولاته بعدم تدويل الملف السوري باءت بالفشل.
2- خشيته من قيام دول ما يسمى أصدقاء الشعب السوري بالتوجه الى الأمم المتحدة وتجميد عضوية سوريا في المنظمة الدولية، على غرار ما حصل في الجامعة العربية.
3- الخوف من أن تقوم الولايات المتحدة وحلفاؤها بتشكيل تحالف دولي لإسقاط النظام شبيه بالحالة العراقية 2003 .
4- الاستجابة لنصائح روسيا الاتحادية وحلفاء آخرين.
وبالنتيجة لم تحقق أي جولة من جولات جنيف أي تقدم يذكر لا قبل صدور القرار 2254 ولا بعده وكانت كل الجولات تواجه عقبات تفسير القرارات وفهم العملية السياسية، ومصير الأسد وشرعية تمثيل المعارضة وغيرها. وتحول جنيف إلى منصة إعلامية لتعميق جراح الشعب السوري، وجرّه أكثر نحو اليأس.
ويمكن تلخيص أربعة عوامل لعدم تحقيق أي نتائج من مفاوضات جنيف:
أولاً: جاء بيان جنيف كتوافق بين دول ما سمي “مجموعة العمل من أجل سوريا” والتي تضم دولا تدعم الحراك الشعبي وانتقال السلطة، ودول تدعم نظام الحكم، وحمل البيان شرطاً تعجيزياً وهو وجوب أن تتشكل هيئة الحكم الانتقالي على أساس الموافقة المتبادلة، وقد نكثت هذه الدول بما تعهدت به، بممارسة ضغوط منسقة ومطردة على الأطراف حسب الاقتضاء . وعلى العكس تماماً تبنت دول مجموعة العمل قراءات وتأويلات للبيان، وبالتالي لن يقبل النظام بهيئة حكم انتقالي تخرجه من السلطة، ولن تقبل المعارضة بتسوية تبقي على بنيته ومنظومته الأمنية.
ثانياً: قرر النظام الرضوخ والمشاركة في هذه العملية السياسية، وكان قد بيت النية لإفشالها عبر استفزاز المعارضة ودفعها للانسحاب، والتصعيد العسكري ضد المناطق المحررة قبيل وخلال كل جولة. واختلاق الذرائع مؤملاً نفسه بكسب الوقت ريثما يتمكن من الحسم العسكري.
ثالثاً: لم تمتلك المعارضة هرمية إدارية صلبة وكانت بنية اتخاذ القرار والالتزام به هشّة، في ظل انقسام في الصف الثوري، وبالتالي واجهت حملات إضعافها من قبل حلفاء النظام، وكذلك من النظام نفسه والتنظيمات الإرهابية بمختلف ألوانها، وكثير من جهات المعارضة التي تعمل على مبدأ (أنا وبعدي الطوفان).
وبنظرة إلى الظروف والمناخات المحلية والدولية التي كانت سائدة عند اعتماد بيان جنيف، وما آلت إليه الأوضاع اليوم يكون شتاء جنيف صار واقعاً .
اليوم وبعد استعادة النظام وداعميه أغلب المناطق التي خسرها في الحرب ضد الشعب السوري، وتثبيت مناطق النفوذ ما بين الدول الثلاث المشاركة في أستانة، والوجود العسكري الأمريكي الأوروبي في شمال وشرق سوريا، والحملة السياسية والعسكرية ضد إيران، نجد أنفسنا أمام حقيقة هي أنه لن يكون بمقدور النظام بعد اليوم رفع معنويات مؤيديه بأي نجاحات عسكرية، وستسقط أوهام ارتباط الحل العسكري بالمساحات، هذا الوهم الذي عاشه النظام ومعارضوه على حد سواء، وبات عاجزاً عن الفعل العسكري لأنه لن يتمكن من توجيه قواته نحو المناطق التي تتواجد فيها الجيوش الأجنبية، ولا إلى الجنوب، وسيجد نفسه أمام سيناريوهين:
السيناريو الأول: استمرار الوضع الراهن لفترة طويلة، وعندها سيواجه النظام أخطاراً أمنية داخلية وهذا ما سيظهر ضعف قبضته في السيطرة على مراكز قوى وفساد وآيديولوجيات ومليشيات نمت في مناطق نفوذه في الوقت الذي كان منشغلاً بحربه ضد الثورة السورية. هذا بالإضافة إلى الأزمة الاقتصادية وإعادة الإعمار، وبالتالي عليه مواجهة الاحتقان الشعبي والحراك السياسي الذي ستفرزه المرحلة المقبلة في الداخل والخارج، وسيكون الصوت الشعبي والسياسي مسموعاً أكثر بعد اختفاء صوت البنادق، وسيكون مضطراً للتعامل مع تبعات الوجود الإيراني في سوريا.
السيناريو الثاني: في ظل انحسار وشبه تلاشي ذريعة الإرهاب التي باتت من الماضي وابتعاد قوات المعارضة عن العاصمة دمشق تتجه الأنظار نحو تحقيق توافق أمريكي روسي تؤيده الدول الإقليمية الفاعلة وترعاه الأمم المتحدة عبر بوابة دعم إنشاء لجنة دستورية ربما تملك حق التشريع، ويبدأ التأسيس للانتقال السياسي الحقيقي والهادئ الذي سيؤسس له التوافق الدولي التدريجي بعد تعذر الاتفاق الشامل نتيجة عدم ثقة الأطراف الدولية الفاعلة ببعضها.
ويجري حديث في بعض الأروقة عن تسوية تقوم على تخلي روسيا عن الأسد وإيران والمساهمة في تأمين سبل عودة اللاجئين مقابل إعادة الإعمار وإقصاء المعارضة التي تعتبرها روسيا غير بناءة، وهذا ما سيظهر عند تسمية أعضاء اللجنة الدستورية، وطبيعة وشكل قرار تشكيلها.
بكل الأحوال لطالما قلنا أن الحوار بين السوريين هو الحل بعيدا عن إرادات الدول التي تسودها المصالح، وأنه يجب التمسك ببيان جنيف، ولكني شخصيا لا أرى أملا حاليا في جنيف فالأمطار الكثيفة ثم القحط المدقع بين الشد والجذب بين الدول الكبرى أفسد شتاءه وهو ما يدفع دائما ثمنه السوريون.
أحمد شبيب
عضو المكتب السياسي في تيار الغد السوري

أقسام
مقالات

أخبار متعلقة

  • بيان تعزية بالمفكر الإسلامي السوري جودت سعيد

    تيار الغد السوري المكتب الإعلامي 31/01/ 2022 بيان تعزية بالمفكر الإسلامي الراحل جودت سعيد ينعى تيار الغد السوري المفكر الإسلامي السوري جودت سعيد الذي توفي يوم الأحد الموافق 30/01/2011...
  • مخاض عسير

    ما تشهده الثورة السورية من مخاض عسير وخاصة الاختلاف الداخلي الذي يصل أحيانا إلى مرحلة الاقتتال، يؤكد أننا لم نستطع الانتقال بالثورة إلى مرحلة الأمان بعد مرور قرابة عشر...
  • لماذا سيستمر تيار الغد السوري؟

    يراهن البعض على انتهاء دور المعارضة السورية وعن فرط عقدها، ويرددون أنها ستزول في ظل هذه الفوضى. ومن هنا سيكون نقاشنا ولن نتحدث طويلا عما قدمه تيار الغد السوري...
  • مستقبلنا في سوريا حرة وموحدة

    لا يعني نقص أعداد المهاجرين إلى أوروبا أن الأمور بخير في المنطقة. تكون الأمور بخير بالنسبة للاتحاد الأوروبي والعالم باستقرار الشرق الاوسط واستقرار سوريا وإعادة إنتاج الحل السياسي. إن...