ليس من المصادفة أن تأتي صور عقاب الجيش الروسي لعناصر من الجيش العربي السوري جراء عمليات التعفيش التي ارتكبوها وسط تصفيق السوريين بالتزامن مع ربط الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عودة اللاجئين السوريين بدفع أوروبا أموالا لإعادة إعمار سوريا خلال لقائه المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل في سوتشي، لاسيما وأن الحدثين يحملان ما بين سطورهما رسائل اجتماعية وسياسية واضحة في ظل انتشارهما الواسع.
من هنا يمكن القول بأن روسيا اليوم أنهت مهمتها العسكرية في سوريا من خلال السيطرة على ما يسمى بسوريا المفيدة، ودخلت في طور توجيه الرسائل ليس للمجتمع الدولي فحسب وإنما للشعب السوري بحد ذاته من خلال سلسلة الإجراءات التي تتخذها القوات الروسية هناك والتي أرادت من خلال الظهور كضامن لأمن وسلامة السوريين المتواجدين في المناطق التي دخلتها قوات النظام مؤخرا لاسيما في حمص وحماة وحلب والغوطة الشرقية.
عمليا، من خلال هذا الدور، تسعى موسكو لفتح صفحة جديدة مع الشعب السوري يجعلها بديلا أكثر قبولا من المليشيات الإيرانية التي تحمل موقف المعادي للسوريين عموما، بالإضافة لدفع الشعب للفصل بين الجيش الروسي وأهدافه من جهة وقوات النظام والمليشيات الايرانية من جهة أخرى، في ما يبدو أنه دعاية تسعى من خلالها روسيا لمسح صور المجازر التي ارتكبها طيرانها بحق السوريين خلال الأعوام الماضية.
على الجانب السياسي، الواضح أكثر أن روسيا تريد القول بأن لا كلمة في سوريا فوق كلمتها، وأن الحل وكامل الملفات السورية تحتاج لموافقة موسكو ومباركتها حتى تمر وتتحول إلى أمر واقع، بما في ذلك ملف اللاجئين، ما يعني أن سوريا باتت فعليا تحت الوصاية الروسية المباشرة بغض النظر عن شكل وتفاصيل النظام الحاكم في دمشق، وأن ما يحدد مصير سوريا بات يأتي من حميميم وليس من قصر المهاجرين أو عمائم طهران.
رغم قساوة هذا المشهد بالنسبة للسوريين الذين قدموا دماءهم وأموالهم خلال الثورة بحثا عن الحرية، إلا أن الهزيمة والقسوة الأكبر ستكون من نصيب إيران التي يبدو أنها لم تعد تمتلك أي شيء فعليا في سوريا بما في ذلك مصير مليشياتها ومواقع انتشارها، وهو ما كشفته تطورات الجبهة الجنوبية في درعا، التي أظهرت تماما حجم التضارب بين طهران وموسكو، والتي عكست مدى سطوة الأخيرة في الملف السوري عموما.
باختصار، فإن بعض ملامح المستقبل السوري بدأت بالظهور فعليا، خاصة بما يتعلق بالوجود الإيراني الذي يبدو أنه لم يتبق له سوى بعض اللمسات الشكلية الأخيرة حتى ينتهي تماما كحلقة أخيرة في المأساة السورية، ما يعني أن اليوم الذي ستعلن فيه نهاية الحرب وإقرار الحل النهائي أيًّا كان شكله، سيكون الليلة التي سيبكي فيها الخامنئي ونظامه.
حسام يوسف
29 مايو، 2018 2290 مشاهدات
أقسام
مقالات