نعم آن أوان الرحيل عن سوريا، ربما هي الخلاصة التي أراد الأمين العام لحزب الله التمهيد لها خلال خطابه الأخير، رغم كل النبرة العالية المتعالية المعتادة منه، وهو ما جعل من إطلالته هذه إطلالة استثنائية عن سابقاتها التي اعتدنا عليها طيلة ما يزيد عن سبع سنوات، كونه تطرق للمرة الأولى لموضوع خروج ميليشياته من سوريا.
أهم ما في هذا الانقلاب اللافت في فحوى خطاب نصر الله إشارته ضمنيا إلى أن سوريا والمنطقة عموما باتت أمام منعطفٍ جديدٍ؛ عنوانه الأبرز الحد من النفوذ الإيراني وحصر مناطق انتشار نفوذه، وأن تسوية دولية ما في سوريا قد دخلت حيز التنفيذ، وأن إيران ومن معها من الميليشيات ستكون كبش الفداء لإقرارها، ليكون المقابل سيطرة روسيا على الجنوب السوري. ما يزيد من التكهنات حول رغبة نصر الله في التمهيد لخروج ميليشياته من سوريا يكمن في أن تصريحاته تأتي بعد أيام قليلة فقط من تصريحات نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف حول ضرورة خروج الميليشيات الأجنبية من سوريا، خاصة وأن تناول نصر الله لمسألة الخروج من سوريا يأتي بعدما كانت كافة خطاباته السابقة طول سنوات تتناول أهمية دور الحزب في سوريا وبقاءه هناك، مرددا عبارته الشهيرة: “إذا عنا ألف عنصر في سوريا رح يصيروا ألفين، وإذا كانوا ألفين رح يصيروا أربعة آلاف”.
أما النقطة الأهم الواردة في الخطاب تمثلت في ما ألمح إليه نصر الله من توافر شروط الانسحاب الذي ربطه بالإنتصار على ما أسماها الحرب الكونية، فحديثه عن “ضرورة إعتراف الصهاينة بهزيمتهم في سوريا وأن الجيش السوري اليوم بات يسيطر على معظم مساحة سوريا”، يشير إلى أن كلامات “سماحته” كتبت ضمن سيناريو وغرض معينين.
إذا في الغد القريب سيظهر من جديد “سماحة سيد الضاحية الجنوبية” معلنا انتهاء مهمة عناصره شاكرا إياهم على بطولاتهم في دحر الإرهاب والتكفيريين، مهنئا بشار الأسد وإيران بالانتصار التاريخي، في الوقت الذي ستعم فيه مسيرات مناصريه الضاحية الجنوبية مهللين له ولانتصاراته مجددين الولاء له مرددين عبارة “لبيك نصر الله”، الذي لن يفوت الفرصة للعودة بالحديث عن القدس وطريقها، وأن البوصلة عادت إليها من جديد، لاسيما وأنها اللغة التي سيحاول ومن خلفه إيران من خلالها إعادة طرح نفسيهما مجددا في الشارع العربي.
نعم فعلا سنكون أمام مشهد تراجيدي تاريخي درامي في ضاحية “إيران” الجنوبية، شبيه تماما بمسيرات “الدبكة” التي عمت شوارع دمشق احتفالا بالنصر على الضربة الأمريكية التي دمرت ما تبقى من مناطق حيوية وعسكرية للنظام، ما يضع المتابع أمام تساؤل جوهري حول مفهوم هذه الأنظمة ومن معها عن النصر والهزيمة، وأي أيديولوجيا يزرعوها في عقول من دبك ورقص بقناعة الانتصار، كيف لا نتسائل وحزب الله ومحوره يحتفلون منذ ما يزيد عن عقد كامل بانتصار دمر لبنان وبنيتها التحتية، ونظام يحتفل منذ 50 عاما بانتصار وصلت فيه القوات الإسرائيلية إلى أبواب عاصمته؟!.
بعيدا عن مكابرة نصر الله، ما أعرفه أنا وغيري من متابعي الشأن السوري هو أن النصر الوحيد الذي كانت تسعى إليه إيران هو الاحتفاظ بقواعد وميليشيات على الأرض السورية بما يحولها لمستعمرة إيرانية، وهو ما صرح به علنيا عدد من رجال الدين الإيرانيين قبل سنوات، عندما تحدثوا عن ضرورة اعتبار سوريا كمحافظة إيرانية، ما يعني ان أي شيء سوى ذلك مهما كان هو هزيمة للمشروع الايراني في المنطقة ككل، حتى وإن بقي بشار الأسد في السلطة لمئة عقدٍ قادمة، خاصة بوجود قاعدة حميميم الروسية التي باتت صاحبة وصاية مباشرة على النظام.
أما الحماقة الأكبر التي تضمنها خطاب نصر الله تكمن في احتمالية لجوء الحزب إلى افتعال مناوشات مع إسرائيل على الحدود اللبنانية لتبرير سحب قواته من سوريا، هذه الخطوة التي تعني أن لبنان سيكون على موعد مع مجازفة شبيهة بسيناريو حرب تموز 2006، خاصة في ظل الضعضعة التي أصابة صفوف الحزب بعد مقتل الكثير من قياداته خلال دعمهم للأسد، التي ربما تثير شهية الجيش الإسرائيلي لضرب المدن اللبنانية بقسوة. رغم خطورة هذه الخطوة إلا أنها تبقى وادرة جدا ضمن أجندات الحزب، لاسيما وأن إيران سترى فيها وسيلة للثأر من الهزيمة وضرب نفوذها، بغض النظر عن الثمن الذي سيدفعه لبنان واللبنانيين جراء ذلك، خاصة وأن ايران ستحارب بعناصر حزب الله وعلى أرض اللبنانية وليس عناصرها.
باختصار ما أريد قوله هنا، إن سوريا اليوم تشهد عمليا آخر مشاهد الهزيمة الإيرانية المتمثلة بقطع أذرعها هناك، وربما المنطقة ككل، وأن ما تشهده سوريا اليوم هو تهيئة الظروف لفرض تسوية دولية كان من الصعب فرضها في ظل الأوضاع العسكرية السابقة، أكثر من كونه إعادة لانتاج النظام وترسيخ السيطرة الإيرانية.
حسام يوسف
13 يونيو، 2018 4460 مشاهدات
أقسام
مقالات