درعا تحت الوصاية الروسية المباشرة، واقع بات لا مفر من تصديقه بعد أن ارتفعت أعلام النظام على المباني الرئيسيةِ في المدينة، وجالت عرباته العسكرية شوارعها، ما يعني أي حديث عن تطور إعجازي يوقف المد العسكري للنظام في المنطقة الجنوبية أمرا من الخيال، وأن الوقت حان لطرح سؤال أكثر عمقا، ماذا بعد؟؟!.
الحقيقة التي قد يرفض البعض تصديقها، أن البلاد اليوم تدخل مرحلة جديدة، وبعيدة كليا عن ما كان يتطلع له السوريون قبل ثمان سنوات، فهي باتت فعليا تحت الوصاية الروسية المباشرة، التي يبدو أنها سيتجه نحو ترسيخ نفوذها وتدعيمه داخل بنية النظام ذاته، بعيدا عن الصراعات مع المعارضة المسلحة، لاسيما وأن السيطرة على درعا طوت تماما صفحة الثورة المسلحة، والنظام بات آمنا في العاصمة بنسبة مئة في المئة.
أمام هذا الواقع يمكن القول بأن البوصلة الروسية ستتجه حاليا نحو الداخل، بمعنى أدق نحو تصفية القوة الإيرانية داخل العمق السوري وفي بنية النظام الأمنية، وهذا ينبع من أمرين، أولهما ضرورة التزام روسيا بتعهداتها للولايات المتحدة وإسرائيل بالحد من النفوذ الإيراني والتي بناءا عليها بسطت سيطرتها على البلاد، وثانيهما غياب العدو المشترك الذي كان يجمع الدولتين على الأرض السورية والمتمثل “بالثورة المسلحة”، ما يفتح المجال أمام عودة العداء التاريخي بين النظامين “الإسلامي الإيراني” و”الشيوعي الروسي”، لاسيما وأن الذاكرة الروسية ستستعيد دور النظام الإيراني في دعم الإسلاميين إبان الحرب السوفييتية الأفغانية، ما يدفع روسيا للتفكير بإمكانية أن تتحول تلك المليشيات لنصل سيغرز في خاصرتها في وقت ما.
أما المؤشر الإضافي على إمكانية اندلاع صراع الحلفاء في معسكر النظام، وميل البوصلة الروسية نحو المليشيات الإيرانية يأتي من إدلب التي تعتبر آخر المناطق السورية التي تسيطر عليها فصائل معارضة مسلحة، فالمدينة التي تخضع لحسابات دولية، وتحديدا تركية، يبدو أنها ستكون خارج الحسابات الروسية على الأغلب، خاصة وأن مستقبلها قد يرسم بموجب تفاهمات دولية وإقليمية، وأن أي عملية عسكرية فيها ستكون غالبا ضمن إطار حلف دولي وليس بقرار روسي، ما يعني أن روسيا لم تعد بحاجة الوجود الإيراني البري في سوريا، خصوصا وأن جميع المصالحات التي تمت بينها وبين المعارضة تمت بضمانات دولية.
تبقى النقطة المحورية في هذا السياق هي تضارب ماهية المصالح الروسية الإيرانية في سوريا، ففي الوقت الذي تميل المصلحة الروسية إلى التهدئة وفرض الاستقرار، تطلب مصلحة إيران الحفاظ على حالة التوتر بما يمكنها من الاحتفاظ بمليشياتها، لاسيما وأنها فشلت تماما في إنشاء قواعد عسكرية ثابتة في سوريا على شاكلة قاعدة حميميم الروسية، وهو ما كان يعتبر هدف إيران الأول من التدخل المبكر في سوريا.
باختصار، فإن معظم المعطيات تشير إلى أن السياسة الروسية وبوصلتها قد تتجه نحو حلفاء الأمس، لتتركز على إخراج القوات الإيرانية من سوريا، ما يعطي احتمالية أن يشهد الملف السوري تحركا سياسيا جديد في أورقة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي بهذا الخصوص، الأمر الذي يفتح المجال أمام أن نشهد خلال الأسابيع القادمة قرارا ما تحت البند السابع يجبر طهران على سحب المليشيات، تمهيدا لبدء مرحلة التنفيذ التصورات السياسية التي يبدو أن الدول العظمى قد توصلت لها خلال الأشهر الماضية حول صورة الحل النهائي، دون استبعاد شن المخابرات الروسية حرب تصفية ضد قادة النظام المحسوبين على طهران.
حسام يوسف