مطالبات حقوقية بفتح تحقيق دولي حول تعذيب المعتقلين حتى الموت في سوريا

تعرض عشرات آلاف السوريين لعمليات اعتقال منهجية لم تقتصر فقط على النشطاء والمنخرطين في الحراك الشعبي المناهض لنظام الأسد، بل طالت أعدادا هائلة لمجرد الشك أو لمجرد القرابة من...
مظاهرة في مدينة نوى بريف محافظة درعا تطالب بوقف اعتقال السيدات في المحافظة - آب 2017

تعرض عشرات آلاف السوريين لعمليات اعتقال منهجية لم تقتصر فقط على النشطاء والمنخرطين في الحراك الشعبي المناهض لنظام الأسد، بل طالت أعدادا هائلة لمجرد الشك أو لمجرد القرابة من ناشطين، وتنكر أجهزة المخابرات والأجهزة الأمنية السورية أنها من قامت بعمليات الاعتقال بما يصعب على الأهالي معرفة مجرد مكان احتجاز أبنائهم وذويهم، وبالتالي تتحول معظم حالات الاعتقال وبنسبة تفوق الـ85 % إلى حالات اختفاء قسري، وقد وقعت هذه الجرائم بشكل مقصود ومخطط له بشكل مركزي من قبل النظام السوري.

ويشير تقرير أصدرته الشبكة السورية لحقوق الإنسان مؤخرا إلى تعمد النظام السوري إخفاء مصير عشرات آلاف المعتقلين ليوقع أكبر قدر ممكن من الألم والإذلال لعائلاتهم بقصد عقابهم لخروج أبنائهم للمطالبة بتغيير نظام الحكم في سوريا، وقدم التقرير توزع حصيلة المختفين قسريا لدى أجهزة الأمن والمخابرات السورية بحسب السنوات الماضية منذ آذار/مارس 2011 مشيرا إلى أن عامي 2012 و2013 شهدا أكبر درجة من موجات الاعتقالات، وبالتالي الإخفاء القسري بهدف كسر وتحطيم الحراك الجماهيري وإصابته في مقتل.

وذكر التقرير أن النظام السوري تعامل بوحشية منقطعة النظير مع المجتمع السوري وأخضعه لإرهاب الخوف المميت، ولم يكن نظام الأسد يوما رحيما بالمجتمع السوري وحريصا على مشاعر أسر الضحايا، وأشار إلى أن هذه السياسة ممتدة منذ عهد الأسد الأب، الذي أخفى مصير قرابة 17 ألف مواطن سوري منذ أحداث مدينة حماة 1982.

وأضح التقرير أن الحال ذاته كان مع الأسد الابن، فلم يكشف النظام السوري عن مصير آلاف المختفين قسريا لديه عبر دوائره الرسمية، وحتى في حال الوفاة في مركز الاحتجاز فإن النظام السوري يكتم هذا الخبر لسنوات، ليبقي على معاناة الأهالي المستمرة، وكي تستفيد شبكات مافيوية لديه من مبالغ مالية طائلة تحصل عليها من قبل الأهالي لمجرد الحصول على معلومة غالبا ما تكون غير صحيحة.

في أيار/مايو 2018 بدأ النظام السوري بالكشف عن مصير عدد كبير من المختفين قسريا، عبر التلاعب ببياناتهم في السجل المدني وتسجليهم على أنهم متوفون، وطرح تقرير الشبكة السورية تساؤلات عن الدافع الحقيقي للنظام ليكشف عن مصير قرابة 836 شخصا في هذا التوقيت.

يقول فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان: “لا يمكن الجزم بماذا يخطط له النظام السوري، لكنني أعتقد أن هناك فرضيتان، الأولى أن الروس هم من طلبوا من النظام فعل ذلك بهدف إنهاء الملف الذي يعرقل لملمة الكارثة السورية، والثانية أن النظام السوري يريد أن يظهر أنه قد انتصر ميدانيا والآن ينهي ملف المعتقلين كي يعود الأهالي والمجتمع راضخين مرة أخرى ويقبلوا أن يكون هذا خيارهم الوحيد، وهنا، وبصفتنا مدافعون عن حقوق الإنسان لابد أن نسأل عن جدوى وجود مجلس الأمن الدولي والمفوضية السامية لحقوق الإنسان والقانون الدولي”.

وقد استند التقرير على عمليات مقاطعة أجراها فريق الشبكة السورية لحقوق الإنسان بين قاعدة بياناتها، التي تضم قرابة 82 ألف مختف قسريا مع الأسماء التي وردتها ممن كشف النظام السوري عنهم مؤخرا، وأظهرت عمليات المقاطعة أن 77 % من الحالات التي كشف النظام السوري عنها مؤخرا مسجلة في قاعدة بيانات المختفين قسريا لدى الشبكة السورية لحقوق الإنسان، و23 % هي حالات جديدة لم توثق قبل ذلك، وتم تكرار عملية المقاطعة ذاتها مع قاعدة البيانات التي تضم الضحايا الذين قتلوا في سجون النظام السوري بسبب التعذيب، الذين بلغت حصيلتهم قرابة 14 ألف منذ آذار/مارس 2011 حتى آب/أغسطس 2018، وتبين أن 28 شخصا فقط كانوا مسجلين مسبقا لدى بيانات الشبكة السورية على أنهم قضوا بسبب التعذيب، وبالتالي فإن 97 % من حالات الوفيات الجديدة كانوا في عداد المختفين قسرا.

كما تضمن التقرير أربع روايات لذوي ضحايا، وقد أكدت معظم العائلات التي تم التواصل معها أن أبناءها كانوا يتمتعون بصحة جيدة لدى اعتقالهم، كما أكدوا أنهم لم يعرفوا عنهم أي معلومات بُعيد اعتقالهم من قبل قوات تابعة للنظام السوري.

ووثق التقرير 836 حالة كشف النظام السوري عن مصيرهم بأنهم قد ماتوا جميعا، ونوّه بأن النظام لم يذكر سبب الوفاة كما لم يقم بتسليم جثث المعتقلين المتوفين إلى ذويهم، ولم يعلن عن الوفاة وقت حدوثها، وكان قد أنكر سابقا وجود مختفين قسريا في مراكز الاحتجاز التابعة له، وكان من بين الحالات التي وثقها التقرير تسع حالات كانوا أطفالا لدى اعتقالهم وسيدة واحدة.

وبحسب التقرير فإن جميع هؤلاء قد قضوا بسبب التعذيب، ويستثنى من التعذيب حالات الوفاة بسبب أحكام الإعدام الصادرة عن محكمة الميدان العسكرية التي بلغت 37 حالة، أي ما نسبته 5 % من مجموع الحالات التي وثقتها الشبكة.

وأورد التقرير توزع حصيلة الحالات الموثقة بحسب المحافظات السورية وبلغ عدد الحالات المسجلة في محافظة ريف دمشق 193 حالة، فيما كانت 146 حالة في محافظة حمص، و141 في محافظة الحسكة، و117 في محافظة حماة، و92 في محافظة دمشق، في حين وثق التقرير 78 حالة في محافظة درعا، و29 في محافظة إدلب، و23 في محافظة اللاذقية، و8 في محافظة حلب، و6 في محافظة دير الزور، و3 في محافظة السويداء.

وأكد التقرير أنه في ظل عدم تسليم النظام السوري جثث المتوفيين من المعتقلين لديه فإن جريمة الاختفاء القسري لا تزال متواصلة، وطالما لم يتم العثور على الشخص حيا أو ميتا، فإنه ووفقا للقانون الدولي يعتبر جميع هؤلاء في عداد المختفين قسريا والمتهم الرئيس بهم هو النظام السوري.

كما قام التقرير بعرض تحليل بيانات حالات الوفيات الجديدة التي كشف النظام السوري عن مصيرها وخلص إلى أن معظم من أعلن النظام وفاتهم كانوا قد اعتقلوا في عامي 2011 و2012، وأن معظمهم كانوا مختفين قسريا في سجن صيدنايا العسكري والفرع 215، والفرع 227، كما أظهر عمليات التحليل أن 41 حالة وفاة يوجد فيها بين المختفين قسريا صلات قربى كالأخوة والأبوة والعمومة. كما تضمنت الـ 836 حالة، ما لا يقل عن 22 ناشطا في الحراك الشعبي، عشرة طلاب جامعيين، ومهندسان، وثلاثة رياضيين، وأربعة معلمين، وثلاثة رجال دين.

ولفت التقرير أن النظام السوري لم يف بأي من التزاماته في أي من المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها، بشكل خاص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، كما أنه أخل بعدة مواد في الدستور السوري نفسه، عبر توقيف مئات آلاف المواطنين دون مذكرة اعتقال لسنوات طويلة، ودون توجيه أي تهم، وحظر عليهم توكيل محام كما حظر الزيارات العائلية، مشيرا إلى أن النظام السوري استهدف باستراتيجية الإخفاء القسري كل من له علاقة بالحراك الشعبي المناهض لنظام الأسد، وأظهر تحليل البيانات انتشار هذه الظاهرة في المناطق التي تتميز بذلك، وهذا يدل على سياسة ونهج متسق ومدروس، بما في ذلك الكشف الذي حصل مؤخرا عن مصير المئات من المختفين قسريا، فقد تم على نحو مخطط بشكل دقيق، وإن تناغم عمل مؤسسات الدولة بما يخدم المشاركة في الفعل الإجرامي أمر واضح الدلالة من خلال اعتقال أشخاص داعمين للحراك الشعبي ثم إخفائهم قسريا، ثم إصدار شهادات وفاة لا تحمل معلومات عن سبب الوفاة ولا مكانها.

وأشار التقرير إلى أن الاختفاء القسري محظور بموجب القانون الدولي الإنساني العرفي وأيضا هو جريمة بموجب القانون الجنائي الدولي. وطالبت الشبكة السورية مجلس الأمن الدولي بعقد اجتماع طارئ لمناقشة هذا الشأن الخطير الذي يهدد مصير قرابة 82 ألف شخص مازالوا معتقلين لدى النظام السوري، ويرهب المجتمع السوري بأكمله وإيجاد طرق وآليات لمنع النظام من التلاعب بالأحياء والأموات، كما أكدت على أهمية أن يتخذ مجلس الأمن خطوات لإيقاف عمليات التعذيب والموت بسبب التعذيب داخل مراكز الاحتجاز التابعة للنظام السوري، وإنقاذ من تبقى من المعتقلين في أسرع وقت، وشددت على ضرورة اللجوء إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لحماية المعتقلين من الموت داخل مراكز الاحتجاز.

كما حثت الشبكة السورية المفوضية السامية لحقوق الإنسان على إصدار بيان إدانة وتوضيح لهذا الخرق الفاضح لأبسط معايير الكرامة الإنسانية، وعلى إعداد تقرير موسع حول هذه الظاهرة البربرية وإدانتها، وطالبت أيضا كلا من لجنة التحقيق الدولية المستقلة والآلية الدولية المحايدة المستقلة على البدء بالتحقيق في هذا الموضوع الخطير، مشيرة إلى استعدادها للتزويد بجميع التفاصيل والمعلومات الإضافية.

وطالبت الشبكة نظام الأسد بالتوقف عن إرهاب المجتمع السوري عبر عمليات الإخفاء القسري والتعذيب والموت تحت التعذيب والتلاعب بالسجلات المدنية وتحمل التبعات القانونية والمادية كافة وتعويض الضحايا وذويهم.

أقسام
أخبار

أخبار متعلقة