سلطت وكالة فرانس برس الضوء على خدمة يقدمها ناشطون سوريون وأمريكيون للمواطنين السوريين في المناطق المحررة تحذرهم من غارات محتملة عبر رصد حركة الطيران الحربي سواء التابع للنظام أو التابع لروسيا ما يمنحهم فرصة ثمينة للفرار من هذه الغارات القاتلة والتي تركز في مجملها على قصف أهداف مدنية أو خدمية.
فقبل عامين أطلق شابان أمريكيان وآخر سوري نظاما أطلقوا عليه مرصد سوريا هدفه تنبيه السوريين من أي طائرة حربية تتجه نحوهم، ما يتيح لهم الفرار من أي مكان قد يكون وجهة لها.
وتساعد هذه الدقائق الإضافية الحاسمة التي يمنحها نظام الإنذار في إنقاذ أرواح المدنيين عند شن النظام هجومه المتوقع على محافظة إدلب، آخر المناطق المحررة في سوريا التي تركز قوات النظام والقوات الروسية ضرباتها عليها رغم خضوعها لتفاهمات خفض التصعيد المبرمة بين روسيا وتركيا وإيران بحجة تواجد لعناصر هيئة تحرير الشام “جبهة النصرة” المصنفة إرهابية.
ويعتمد نظام الإنذار على مراقبين على الأرض وأجهزة إستشعار لرصد انطلاق الطائرات الحربية السورية والروسية التي تقصف المناطق المحررة في سوريا، وما أن يتم رصد طائرة ما، حتى يطلق النظام صفارات إنذار في المنطقة المعنية كما يرسل رسائل تحذيرية عبر تطبيقات مختلفة على الهواتف الخلوية.
يقول خالد الإدلبي (23 عاما) إنه سمع بخدمة “مرصد سوريا” من أحد أصدقائه، وقد نجحت فعلا في إنقاذه من القصف في بلدة معر شورين في ريف إدلب الجنوبي. وكان خالد منهمكا بالعمل في منزله حين وصلته رسالة عبر الهاتف جعلته يقفز من مكانه مسرعا للإبتعاد عن المنطقة، وما هي إلا دقائق حتى استهدفت غارة جوية بيت جيرانه في محافظة إدلب.
في العاشر من حزيران/يونيو 2017، وبعد غارة على المنطقة عاد خالد إلى منزله لتجهيز بعض الأغراض والفرار بها، وأثناء انهماكه بالعمل وصلته رسالة على هاتفه لتحذيره.
ويقول الناشط الإعلامي لوكالة فرانس برس “كان للخدمة فضل كبير علي أثناء تواجدي في المنزل وصلني تنبيه على تطبيق “تلغرام” يفيد بأن الطيران الحربي أقلع من جديد تجاه المنطقة ذاتها”.
ويضيف “غادرت فورا، وبعدما قطعت مسافة كيلومتر واحد تقريبا استهدفت غارة منزل جيراننا”. وأصيب جراء الغارة ثلاثة أطفال، وفق إدلبي الذي توقع أن 15 شخصا قد يكونوا لاذوا بالفرار بعد تلقيهم التحذير من خدمة “مرصد سوريا”.
وأطلقت خدمة “مرصد سوريا” في آب/أغسطس العام 2016 بالشراكة مع منظمة الدفاع المدني السوري “الخوذ البيضاء” لتتحول لاحقا إلى خدمة لا بد منها عند الكثير من السوريين في المناطق المحررة.
ويعتبر الناشط محمود الحسنة “مرصد ريف إدلب الجنوبي”، الذي قتل أواخر أيار/مايو الماضي على أيدي أحد مسلحي جبهة النصرة في مدينة كفرنبل، من أوائل المراصد في سوريا وله خبرة قوية في تتبع حركة الطيران وتحذير المدنيين وكان له دور كبير في إثبات ضلوع طيران النظام في مجزرة الكيميائي التي وقعت في خان شيخون من خلال رصد اتصالات الطائرة التي نفذت الجريمة مع قاعدتها في مطار الشعيرات.
ويعتز مهندسو الخدمة بها خصوصا بعد نجاحها خلال حملة القصف العنيف التي تعرضت لها الغوطة الشرقية قرب دمشق العام الحالي قبل أن تتمكن قوات النظام بدعم روسي من استعادة السيطرة عليها في نيسان/أبريل الماضي.
وقال جون ياغر، أحد مؤسسي شركة أنظمة “هالا” التي طورت النظام المستخدم في “مرصد سوريا”، لوكالة فرانس برس “شهدنا ارتفاعا كبيرا في استخدامها مع تزايد حملة القصف” في الغوطة الشرقية.
وأسفر القصف الجوي في الغوطة الشرقية عن مقتل 1700 مدني، وفق حصيلة للمرصد السوري لحقوق الإنسان.
وياغر دبلوماسي أمريكي سابق ومبرمج الكتروني يصب جام اهتمامه في البحث عن وسائل تحمي المدنيين في سوريا، ومن هنا وضع نظام “مرصد سوريا” بالتعاون مع رجل الأعمال دايف ليفين ومبرمج سوري لم يُكشف عن هويته.
ويتطلب النظام الممول حاليا، وفق ياغر، من بريطانيا وكندا وهولندا والدنمارك تدخلا من أشخاص على الأرض لمراقبة حركة الطيران من جهة ووضع أجهزة الاستشعار من جهة ثانية. ولذلك لم تشمل الخدمة مناطق سيطرة تنظيم داعش والتي تستهدفها غارات التحالف الدولي بقيادة واشنطن وأسفرت أيضا عن مقتل آلاف المدنيين.
وتقدر شركة أنظمة “هالا” أن “مرصد سوريا” متوفر لحوالى مليوني شخص في سوريا، غالبيتهم في محافظة إدلب، آخر أبرز معاقل الفصائل المقاتلة وهيئة تحرير الشام. وبرغم عدم توفر إحصائيات دقيقة، يقول ياغر إن تحليل البيانات أظهر أن “مرصد سوريا” خفض قتلى الغارات بنسبة 27 في المئة.
ويمنح التحذير للمدنيين، الذين يعتمدون على خدمة “مرصد سوريا” إن كان عبر صفارات الإنذار أو وسائل التواصل الاجتماعي او محطات الراديو، معدل حوالى ثماني دقائق للفرار، وفق ياغر.
ولــ”مرصد سوريا” حسابات على وسائل التواصل الاجتماعي، فعلى موقع تويتر ينشر تغريدات متتالية عن حركة الطيران، على الشكل التالي “4:08: مطار حميميم – الآن طائرة حربية روسية تحلق باتجاه جنوب شرق”.
ولمنظمة الدفاع المدني السوري “الخوذ البيضاء” دور في تطوير هذه الخدمة خصوصا أنها تمنح طواقمها بعض الوقت للتجهيز قبل التدخل في منطقة معينة.
ويقول إبراهيم أبو ليث، منسق الإنذار المبكر في الشمال السوري في المنظمة، “يحاول التقنيون التابعون للدفاع المدني السوري تطوير هذه الخدمة بحيث تصل للمدنيين حتى من دون إنترنت”.
وتقوم المنظمة أيضا بحملات توعية للترويج لنظام “مرصد سوريا”، وقد أجرت مؤخرا أكثر من 190 جلسة توعية في غالبية المناطق المحررة في شمال سوريا، وفق أبو ليث.
ومنذ اندلاع الثورة السورية قتلت قوات النظام بدعم إيراني وروسي أكثر من نصف مليون مواطن سوري مدني بينهم ما يقارب مائة ألف مدني في القصف الجوي الروسي والسوري.
ولفت ياغر إلى أنه لم يرصد أي محاولة لتعطيل “مرصد سوريا” خصوصا من قبل قوات النظام، بل يوضح “لا يقولون إنهم يدعمونه لكن أعتقد أن عليهم أن يقوموا بذلك، فلا أحد يهدف إلى قتل أكبر عدد ممكن من المدنيين”.
ويضيف “إذا أرادت الطائرات الحربية الروسية أو السورية استهدافك، فإن الخدمة لا تستطيع القيام بالكثير. كل ما نريده هو تفادي سقوط القتلى بأكبر قدر ممكن”.