بعد أكثر من سبع سنوات من الحرب الدموية في سوريا، وعملية سلام معقدة ترعاها الأمم المتحدة لم تنجح أبدا في إنهاء العنف، فإن من سيتسلم مهام استيفان دي ميستورا، بصفته مبعوثا أمميا خاصا لسوريا، أمامه مهمة صعبة وربما مستحيلة.
بهذه المقدمة افتتح آرون لوند، الصحافي المستقل والمحلل المتخصص في الشأن السوري والمساهم المنتظم في شبكة الأنباء الإنسانية إيرين، رؤيته للأحداث السياسية السورية فيما ينهي دي ميستورا مهامه وتستعد الأمم المتحدة لاختيار خليفة له من بين قائمة تضم العديد من الأسماء تراعي فيها الحساسية الدولية وتجاذبات واختلافات الأطراف المعنية بالحل السياسي في سوريا.
فبعد أربع سنوات من العمل، أعلن الدبلوماسي السويدي الإيطالي في 17 تشرين الأول/أكتوبر الجاري أنه سيتنحى عن مهامه لـ”أسباب شخصية بحتة” في أواخر تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، وبعد يوم واحد أعلن مستشاره للشؤون الإنسانية، جان إيغلاند، أنه سيغادر أيضا، رغم نجاح فريق العمل الإنساني برئاسة إيغلاند نسبيا أكثر من العمل السياسي الذي قاده دي ميستورا الذي لم يكن أكثر حظا من سلفيه، الدبلوماسي الجزائري الأخضر الإبراهيمي والأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان.
ويشير لوند إلى المرشحين المحتملين لخلافة دي ميستورا الذين يقال إن منهم ثلاثة أوروبيين من أوروبا الشرقية هم: الرئيس البوسني السابق هاريس سيلاجيتش، ومنسق الأمم المتحدة الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط البلغاري نيكولاي ملادينوف، والدبلوماسي السلوفاكي يان كوبيش رئيس بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق “يونامي”.
ومن المرشحين أيضا وزير الخارجية الجزائري السابق، رمضان لعمامرة، والذي لمح إلى احتمال اختياره دبلوماسي غربي صرح لصحيفة الشرق الأوسط: إن الأمين العام للأمم المتحدة “ينتظر الوقت المناسب لإعلان اسم دبلوماسي عربي” للاضطاع بمهمة المبعوث الأممي إلى سوريا. وقال البعض أيضا إن سفير النرويج في بكين، غير بيدرسن، على القائمة المختصرة، وبفضل الدعم الغربي وربما الصيني سيكون بيدرسن مرشحا قويا إذا حظي بقبول روسي، خصوصا مع استقالة مواطنه “إيغلاند” كمستشار للشؤون الإنسانية والذي كان يمكن أن يعرقل ترشيح بيدرسن، لأن ديدن الأمم المتحدة إدراج العديد من الجنسيات المختلفة في الفريق الواحد، لكن الاستقالة التي تبدو “مصادفة” تزيل هذه العقبة.
وستكون المهمة الرئيسية للمبعوث الأممي المقبل إحياء محادثات السلام المستمرة في جنيف منذ سنوات دون أن تنجز الكثير من المفاوضات الفعلية، وقد عقدت الجولة الأخيرة من المفاوضات غير المباشرة، والمعروفة باسم “جنيف 9″ في ربيع عام 2017 ولم تسفر عن أي نتيجة واضحة.
وكمبعوث للأمم المتحدة، كان عمل دي ميستورا يسترشد بدقة بالقرار 2254 لعام 2015، والذي يدعو إلى انتقال سياسي في سوريا، ويتطلب القرار إنشاء آلية لصياغة دستور جديد يسمح بإجراء انتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة، وهذا ما سعى إليه دي ميستورا، ولكن بحكم طبيعة العمل في الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي فإنه من الناحية العملية ثارت عقبات كبيرة أهمها ظهور الأسد بمظهر المنتصر بعد انسحاب فصائل المعارضة من العديد من المناطق بعد التدخل الروسي في أيلول/سبتمبر 2015 والدعم الروسي الدبلوماسي في مجلس الأمن فلم يعد لديه سبب لتقديم تنازلات وفق ما يقتضيه الحل السياسي الذي اتفق عليه الروس والأمريكان قبل ست سنوات في جنيف وصدر بموجبه القرار 2254.
يضاف إلى ذلك المسار الذي خاضته روسيا وتركيا وإيران في أستانة، و”جرّت” إليه النظام والمعارضة لتعقد مفاوضات حقيقية لوقف إطلاق النار خارج إطار الأمم المتحدة، وليتم تجنب قضية الانتقال السياسي كلية مع ذهاب هذا المسار بعيدا لصالح سيطرة النظام على بعض المناطق على حساب المعارضة.
وعلى أمل العثور على نفوذ جديد للدور الأممي، حاول دي ميستورا أن يضخ بعض الزخم في محادثات جنيف بناءا على ما رشح في أستانة وفي سوتشي عقب مؤتمر الحوار الوطني، من خلال العمل مع روسيا وتركيا وإيران لتشكيل لجنة من شأنها صياغة دستور سوري جديد، إلا أنها حتى الآن لم تر النور ولم يحقق دي ميستورا نجاحا كبيرا بخصوصها.
ومع حالة الجمود والعطالة وعدم إنجاز الكثير من المأمول من دي ميستورا إلا أنه حظي بشكر وتقدير الطرفين الرئيسيين في المسألة السورية وهما الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، حيث قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية هيذر نويرت إن دي ميستورا “عمل بلا كلل لإيجاد حل للأزمة السورية وأنقذ أرواح الكثيرين بالعمل على تخفيف حدة العنف الذي اجتاح البلاد، وخفف معاناة الكثيرين من خلال الضغط المستمر من أجل إيصال الخدمات الطبية الحيوية والمساعدات الإنسانية للسوريين المحتاجين دون عوائق”.
كما قالت نظيرتها الروسية ماريا زاخاروفا: “إننا نقدر بكل تأكيد مساهمته كمحترف وأخصائي ودبلوماسي في سوريا”، مشيرة إلى أنه “من المستحيل الحصول على موافقة الجميع في مثل هذه المسألة المعقدة”.
أما سوريًا، فيتفق المعارضون والمؤيدون والكرد على انتقاد دي ميستورا، ونقل لوند ثلاثة تصريحات عن الأطراف الثلاثة تشير إلى عدم رضائهم عن أدائه، حيث قال مصطفى سيجري، القيادي في الجيش السوري الحر، إنه “من المحزن أن السيد دي مستورا أراد إنهاء فترته بطعن جسد الشعب السوري مرة أخرى”، موجها له تهمة الانحياز لروسيا، مضيفا أن استقالة دي ميستورا “ترقى إلى حد كبير من التهرب من أداء الواجب، مما يمنح النظام السوري فرصة للتملص من أي التزامات تجاه عملية السلام”.
أما فارس الشهابي، عضو البرلمان السوري عن مدينة حلب فقال: “لا أستطيع إلا أن أتذكر كيف حاول دي ميستورا جاهدا عرقلة تحرير حلب من إرهابيي تنظيم القاعدة عن طريق إضفاء الشرعية على احتلالهم غير القانوني للمدينة من خلال منحهم ما أسماه الحكم الذاتي”، لافتا إلى أن الاقتراح الذي قدمه المبعوث الأممي خلال حصار شرق حلب كان من شأنه أن يترك المنطقة تحت سيطرة المعارضة إذا انسحب المقاتلون المتطرفون.
أما قوات سوريا الديمقراطية فأعربت أنها ليست مستاءة من دي ميستورا شخصيا بقدر استيائها من الأمم المتحدة التي أقصتها مراعاة لتركيا التي تعتبرها مجموعة “إرهابية” مرتبطة بحزب العمال الكردستاني التركي المصنف دوليا كمنظمة إرهابية، رغم كونها تتلقى دعما من الولايات المتحدة الأمريكية والتحالف الدولي لمحاربة الإرهاب المتمثل بتنظيم داعش، حيث صرحت الرئيسة التنفيذية لمجلس سوريا الديموقراطية إلهام أحمد بأنه “إذا كانت المفاوضات ستدخل مرحلة خطيرة، فسيكون من الضروري تغييرها وإدراجنا في العملية السياسية”. مشيرة إلى أنه “إذا لم يكن الأمر كذلك، فإن الأزمة سوف تستمر وستستمر الحرب لفترة أطول”.
في 24 من تشرين الأول الجاري، قام دي ميستورا برحلة أخيرة إلى دمشق، في أعقاب زيارة وفد روسي كان قد حاول، حسبما ورد، إقناع الأسد بالمشاركة بمزيد من المرونة مع اقتراح دي ميستورا لإنشاء لجنة دستورية، وأشار دي ميستورا إلى أن المناقشات مع مسؤولي النظام الذين التقاهم كانت “صريحة ومكثفة للغاية”، لكن وخلال المؤتمر الصحافي المشترك، صب وليد المعلم استنكاره على خطة الأمم المتحدة، وأعاد تعريفها على أنها “لجنة لمناقشة الدستور الحالي”، وأكد مجددا أن أي تعديلات ستكون “مسألة ذات سيادة” لا يمكن القبول بتدخل خارجي فيها.
وفي 26 من تشرين الأول، أخبر دي ميستورا مجلس الأمن أن الاتفاقات السابقة مع دمشق وموسكو بشأن اللجنة الدستورية “لم تعد تنطبق على ما يبدو”. ومع ذلك، قال إنه سيواصل التشاور مع روسيا ودول أخرى قبل تقديم تقريره النهائي في 19 تشرين الثاني، فيما سيكون على الأرجح آخر تحرك له كمبعوث للأمم المتحدة.
وعلى الإثر، اندلعت ردود الفعل المتباينة بين أعضاء مجلس الأمن على أسس مألوفة، حيث قالت الولايات المتحدة إن التأخير في تشكيل اللجنة “غير مقبول”، في حين رفض مندوب روسيا فكرة تحديد موعد نهائي.
يبدو الآن أن خطة اللجنة الدستورية “المتوقفة” ستلقى في حضن خليفة دي ميستورا، لكن السؤال الحقيقي الذي يطرحه لوند هو “مدى أهمية ذلك”، فحتى إذا سُمح في نهاية الأمر ببدء عملية صياغة الدستور، فلا يوجد سبب يدعو للاعتقاد بأن الأسد أو حلفاءه سيقبلون أي آلية دبلوماسية قد تؤدي إلى انتقال سياسي حقيقي، وهي نقطة أكدت عليها طريقة استقبال ووداع دي ميستورا في دمشق.
ويرى آرون لوند أن حكم سوريا ستتم تسويته في نهاية المطاف بقوة السلاح، مع ملاحظة تراجع التحدي العسكري للأسد الآن، وقد تستمر المساومات الدبلوماسية وستستمر روسيا في استخدام حق النقض في مجلس الأمن لمنع أي تطور في الأمم المتحدة غير مناسب لمصالحها في سوريا، وبالتالي فإن خليفة دي ميستورا لن ينجح فيما فشل فيه أسلافه مع كل هذا التباين بين خطة الحل التي تتبناها الأمم المتحدة والواقع السياسي والواقع على الأرض في سوريا، ما لم تتغير الظروف والأشخاص الفاعلة تغيرا لا تُرى أي إرهاصات له في الأفق المنظور.