إعادة إعمار سوريا.. “ماروتا سيتي” نموذجا

على قدم وساق، تتواصل أعمال رفع الأنقاض وإزالة بقايا المباني ونقل الرمال والحجارة من وإلى الموقع المنتظر أن يكون الأكثر رفاهية في إحدى ضواحي مدينة دمشق الجنوبية قرب السفارة...
حي الإخلاص - مزة بساتين - دمشق - تموز 2015

على قدم وساق، تتواصل أعمال رفع الأنقاض وإزالة بقايا المباني ونقل الرمال والحجارة من وإلى الموقع المنتظر أن يكون الأكثر رفاهية في إحدى ضواحي مدينة دمشق الجنوبية قرب السفارة الإيرانية، حيث تتعاون العديد من الشركات الكبرى في مجال العقارات والمقاولات لبناء ضاحية “ماروتا سيتي” كنموذج يمكن الاحتذاء به في مشروع إعادة الإعمار المأمول في سوريا.

وقد تمت الموافقة قبل ستة أشهر على مباشرة أعمال الحفر لإنشاء بعض المقاسم السكنية في ضاحية “ماروتا سيتي” في المنطقة التنظيمية الأولى في المشروع 66 خلف حي المزة في بساتين الرازي المتخمة لمدينة داريا، بعد اعتماد التصاميم المقدمة من قبل الشركات التي حظيت بفرصة الاستثمار في المشروع من قبل محافظة دمشق كما نالت رضا أعضاء مجلس الشعب الذين يتأملون بحجز وحداتهم السكنية الفاخرة فيها صحبة العشرات من المسؤولين التنفيذيين والأمنيين الآخرين.

وبعد الهدوء الذي عم مناطق وضواحي جنوبي دمشق إثر تهجير أهلها وخروج تنظيم داعش منها إلى البادية السورية وخروج فصائل المعارضة إلى الشمال السوري العام الماضي، شرعت محافظة دمشق بتنفيذ كامل أعمال البنية التحتية أنفاق للخدمات بمختلف أنواعها، إضافة للعمل على مد الشبكات وتعبيد الشوارع في المنطقة.‏

كما باشرت مديرية المرسوم 66 في توجيه الإنذارات بإخلاء من تبقى من القاطنين في منطقة اللوان في كفرسوسة، والتي من المتوقع أن تنتهي نهاية العام الجاري ليتم البدء بتشييد أبنية السكن البديل بداية العام المقبل 2019.‏

كانت المنطقة حتى وقت قريب مستوطنة عشوائية تقطنها عشرات الآلاف من أسر الطبقة العاملة، كما شهدت خلال الخمس سنوات الأولى من اندلاع الثورة السورية مركزا حيويا للاحتجاجات والمظاهرات السلمية ثم منطقة محررة تابعة لفصائل الجيش السوري الحر ثم تسلل إليها تنظيم داعش. وعلى مدار العام الماضي وحتى اليوم تم إجلاء آلاف العائلات قسريا أو بقرارات إخلاء صادرة عن السلطات المحلية، وتم تدمير آلاف المنازل لإفساح الطريق أمام المشروع الذي تبلغ قيمته مئات الملايين من الدولارات والذي يعد القائمون به أنه سيكون المركز التجاري الجديد للعاصمة.

وينظر إلى ضاحية ماروتا سيتي، التي يُعرف بأنها أكبر مشروع استثماري في سوريا حاليا، على أنها تضع مخططا لكيفية قيام الحكومة بعملية إعادة الإعمار الطموحة للمناطق التي دمرها قصف قوات النظام وحلفائه على رؤوس أهلها كما دمرتها المعارك العنيفة والحشية التي اندلعت بين فصائل المعارضة وقوات النظام على مدى أكثر من سبع سنوات.

وتلجأ حكومة النظام إلى سن قوانين الملكية الجديدة المثيرة للجدل بغية الاستيلاء على الأراضي في المناطق الحيوية لإنشاء مجمعات سكنية وضواحي عمرانية بالشراكة بين شركات القطاع العام والقطاع الخاص التي يملكها رجال أعمال مقربون من السلطة تحت غطاء إعادة تخطيط الأحياء الفقيرة والمناطق المدمرة وجذب المستثمرين المحليين والأجانب للانضمام إلى مشروع إعادة الإعمار باهظ التكلفة.

ويؤكد مراقبون أن نظام الأسد يستخدم مثل هذه المشاريع لتعزيز سلطته وإعادة تشكيل التركيبة السكانية في سوريا من خلال محو التجمعات السكانية المعارضة وأغلبها من المسلمين واستبدالها بتجمعات من الطوائف الموالية والمجنسين الجدد من عناصر مليشيات المرتزقة الممولة من إيران وأغلبها عراقية ولبنانية.

ويقع مشروع ماروتا في قلب تشابكات وتجاذبات السياسة وإعادة الإعمار، بعد السيطرة على المدن والحواضر الرئيسية في البلاد من قبل قوات النظام وحلفائه الروس والإيرانيين، حيث يعلن النظام وحلفاؤه أن الوقت حان للتركيز على إعادة البناء، فيما ترفض المعارضة والدول العربية والغربية المتدخلة في سوريا المشاركة أو دعم هذا المشروع قبل تحقيق تقدم حقيقي في التسوية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة.

ويبدو مخطط بناء ضاحية ماروتا الفخمة متناقضا وتنافرا مع ما تزال تعاني منه الضواحي المجاورة حيث ملايين الأطنان من الركام تسد الأفق من كل الاتجاهات بحيث أنه لن يكون لهذا المشروع من جدوى دون الأخذ بعين الاعتبار المناطق القريبة ومنحها جانبا من التخطيط والتنظيم وحصة من مشاريع إعادة الإعمار إن كان يراد لماروتا أن تحقق ما يأمله منها المستثمرون فيها.

ومع أن المشروع تمت الموافقة عليه في عام 2012 بقانون تشريعي يعرف بالمرسوم رقم 66، والذي سمح للحكومة بإعادة تطوير مساكن الأحياء الفقيرة والمناطق السكنية العشوائية وغير المرخصة في العاصمة وضواحيها، إلا أنه ما كان ليبدأ العمل فيه قبل تهجير آلاف الأسر التي تقطن المنطقة حيث إنه لا يوجد لدى الحكومة سكن بديل يمكن أن توفره لمن تريدهم أن يغادروا ويرحلون عن المكان، وهو ما تم خلال السنوات الفائتة مع تطبيق سياسة التهجير القسري وإجبار المواطنين على النزوح تحت تهديد الموت تحت الأنقاض جراء الغارات والقصف الصاروخي والمدفعي بحجة قمع الثورة ومحاربة الإرهاب.

ومع أن شركة المساهمة “شام القاضبة” المملوكة للدولة هي من تدير المشروع، إلا أنه يتم عبر عقد تتشارك فيه شركات محلية ودولية مملوكة لرجال أعمال سوريين معروفين بعلاقات وثيقة مع النظام كرامي مخلوف وسامر فوز، رغم المخاطر الكبيرة التي تحف استثمارات “شام القابضة” كونها تحت العقوبات الأمريكية والأوروبية وكل من يدور في فلكها من شركات وشراكات معرَّض أيضا لنفس العقوبات، حيث بلغت الشخصيات الطبيعية والاعتبارية السورية الواقعة تحت العقوبات الدولية أكثر من الفي شخصية.

نصوح النابلسي، الرئيس التنفيذي لشركة شام القابضة التي تتولى إدارة أعمال البناء والاستثمار في المنطقة قال خلال تصريحات له إلى وكالة أسوشييتد برس “أتوقع أن يتحول المركز التجاري للعاصمة دمشق هنا”.

وأضاف، في حديثه من مقر الشركة الأنيق المتاخم لموقع المبنى، إن شركته أنفقت حتى الآن ما يعادل 70 مليون دولار على أعمال البنية التحتية لتطوير 2.14 مليون متر مربع، ومن المتوقع أن تبدأ أعمال البناء قبل نهاية العام الجاري، لافتا إلى أن المشروع سيوفر 12000 وحدة سكنية لما يقدر بـ 60000 مواطن.

وبحسب النابلسي، وهو أيضا مدير الشؤون المالية في محافظة دمشق، فإن مشروع “ماروتا سيتي” ما هو إلا بداية، وأن مشروعا مماثلا آخر في جنوب العاصمة أيضا وعلى مساحة أكبر بأربع مرات يسمى “مدينة باسيليا” هو محل تجهيز وإعداد حاليا، مؤكدا أن “خطط تطوير هذه المناطق كانت موجودة قبل اندلاع الأحداث في عام 2011”.

وتبنى هذه المشاريع على أراضي مقام عليها آلاف المنازل والمباني السكنية المملوكة لآلاف الأسر السورية التي بات معظمها حاليا إما لاجئة أو نازحة، ويستغل النظام القانون رقم عشرة الذي وسع النطاق الجغرافي للمرسوم رقم 66، للاستيلاء على هذه الأراضي رغما عن أصحابها وسكانها ومنحها للشركات التي ستعيد بناء المنطقة وتبيعها وتجني منها أرباحا طائلة فضلا عن تغيير ديمغرافيتها.

ومع أن روسيا أعلنت في وقت سابق أن حكومة النظام ألغت القانون بعد غضب دولي وتنديد أممي وحقوقي واحتجاج ملايين السوريين اللاجئين والنازحين الذين فقد العديد منهم صكوك الملكية أو لم يتمكنوا من العودة لإثباتها خوفا من بطش قوات النظام وأجهزته الأمنية، إلا أن الواقع يقول أن النظام مستمر في مشاريعه بناء على هذا القانون، كما لم يصدر عنه بيان رسمي بإلغائه أو سحبه، وكل ما صدر حتى الآن هو تمديد المهلة الممنوحة للمواطنين لتأكيد ملكيتهم من شهر إلى عام.

وتجرى حاليا دراسات حول أربع مناطق على الأقل في دمشق وما حولها لإعادة تطويرها بموجب القانون 10، هي برزة وجوبر وداريا والقابون، بحسب تحقيقات منظمة “هيومن رايتس ووتش” حيث تتواصل عمليات هدم وتجريف كبيرة بالفعل في هذه المناطق وربما ينضم إليها مناطق أخرى في المستقبل.

وقالت الباحثة السورية في منظمة هيومن رايتس ووتش، سارة كيالي، لوكالة أسوشييتد برس، إن انعدام الشفافية حول قوانين الملكية لا يؤدي إلا إلى تفاقم المزيد من الشكوك حول هذه المشاريع في المناطق التي كانت معقلا للمعارضة وفصائلها المسلحة، لافتة إلى أن “قوانين الحكومة للتخطيط الحضري غالبا ما تستخدم لمصادرة ممتلكات السكان، وتركهم دون أي سكن بديل فضلا عن عدم تعويضهم، وبالتالي وقوع انتهاك على حقوق الملكية الخاصة بهم.

وأضافت كيالي أن هناك قلقا من أن تستخدم القوانين كشكل من أشكال “العقاب الجماعي” ضد معارضي النظام ونزع ملكيات المواكنين الفقراء، ما سؤدي حتما إلى “تفاقم الاختلال الاجتماعي الاقتصادي الذي كان في الواقع أحد أسباب الانتفاضة” السورية ربيع عام 2011.

ويرفض النابلسي الاتهامات الموجهة للنظام بتطبيق سياسات التغيير الديمغرافي وطرد مجموعات سكانية كاملة والاستيلاء على أراضيها ومساكنها مجادلا بأن الجميع تم تعويضهم بأكثر مما يستحقون (في إشارة إلى مليارات الليرات التي تم الإعلان عن صرفها للمتضررين دون وجود دليل ملموس على ذلك)، وأن الحكومة من حقها إزالة هذه المستوطنات الفقيرة واستبدالها بأخرى غنية ضمن سياسة تطوير المجتمع، ومنع استغلال الفقراء مجددا وتحريضهم ضد الدولة كما حدث خلال الأزمة السورية.

وقال إنه لا حرج في تطوير المجتمع، و”خطأ الحكومة كان أنها تأخرت أو لم تقم بتطوير هذه المناطق وسمحت بتحويلها إلى ضواح سكنية غير قانونية، وهو دفعنا ثمنا باهظا مقابله”.

أقسام
من الانترنت

أخبار متعلقة