جمبي ياسودا يواجه انتقادات حادة لتسببه بقلق بلاده حيال مصيره في سوريا

وجهت الوسائل الإعلامية اليابانية انتقادات حادة للصحفي المستقل جمبي ياسودا، الذي كان مختطفا لدى جبهة النصرة في سوريا لمدة ثلاث سنوات، بسبب تسببه بقلق حكومة بلاده حيال مصيره وسبل...
الصحفي المستقل جمبي ياسودا يتحدث في نادي الصحافة الوطني الياباني في طوكيو - 2 تشرين الثاني 2018

وجهت الوسائل الإعلامية اليابانية انتقادات حادة للصحفي المستقل جمبي ياسودا، الذي كان مختطفا لدى جبهة النصرة في سوريا لمدة ثلاث سنوات، بسبب تسببه بقلق حكومة بلاده حيال مصيره وسبل التواصل مع مختطفيه والإفراج عنه.

وفور وصوله إلى طوكيو أجرى ياسودا مؤتمرا صحفيا استمر ثلاث ساعات في نادي الصحافة الوطني الياباني في 2 تشرين الثاني/نوفمبر حول محنته كرهينة، ووصف بالتفصيل كيف تم اختطافه بعد دخوله سوريا في عام 2015 ثم احتجز لأكثر من ثلاث سنوات. كما ناقش الوضع في الشرق الأوسط ولماذا كان من المهم لليابانيين أن يعرفوا ما يحدث في المنطقة وفي سوريا تحديدا.

ومع ذلك، بدا العديد من الناس مهتمين فقط بشيء واحد، وهو ما إذا كان ياسودا سيعتذر للحكومة وللجمهور عن وضع نفسه في طريق الأذى. وكما كان متوقعا، واستنادا إلى حوادث الرهائن السابقة التي تورط فيها مواطنون وصحفيون يابانيون؛ عندما أُطلق سراح ياسودا الشهر الماضي، قوبل الخبر بنقد “مسؤوليته الشخصية”.

ولا تشجع الحكومة اليابانية الأفراد أو الجماعات، بما في ذلك أولئك الذين يشاركون في أنشطة جمع الأخبار، من العمل في مناطق النزاع الخطرة، ورسالتها في ذلك هي أن أي شخص يذهب إلى هذا المكان الخطر يكون مسؤولا عن أي شيء يحدث له.

بطبعيعة الحال، يتوقع المواطنون اليابانيون أن تبذل حكومتهم كل ما في وسعها لمساعدة اليابانيين الذين يواجهون مشاكل في الخارج، لكن ضحايا الاختطاف وما شابه ذلك عادة ما يواجهون استياء شديدا في اليابان عندما يتم إطلاق سراحهم لأنهم يُنظر إليهم على أنهم قد استهزأوا بتوجيهات رسمية لأسباب ذاتية ومصالح شخصية.

رجل كندي كان محتجزا في سوريا في الآونة الأخيرة أوضح لوكالة كيودو للأنباء أنه أيضا ووجه بإدانة شديدة بعد إطلاق سراحه من قبل أشخاص قالوا إنه “يستحق” ما عاناه، لكن الفرق الرئيسي بين هذا الرجل وياسودا هو أنه ليس صحفيا، وقد تلقى ياسودا الإدانة والتنديد ليس فقط من الجمهور الياباني، بل من بعض وسائل الإعلام اليابانية وزملائه في المهنة.

وخلال برنامج “فيكينغ” ذي المتابة الجماهيرية، علّق الضيوف على المؤتمر الصحفي حيث تم بثه مباشرة، ولم يبد أحد في الاستوديو اهتماما كبيرا بشرح ياسودا للوضع في سوريا. لم يهتموا إلا بالاعتذار الذي قدمه ياسودا عما تسبب به لبلاده ومواطنيه.

وقال حاكم محافظة ميازاكي السابق هيديو هيجاشيكوبارو وهو ممثل كوميدي: “شعرت بالارتياح أنه اعتذر في النهاية وشكر الناس”. وأضاف “لو لم يفعل، لكانت قد وقفت وخرجت”. وبما أن هيجاشيكوبارو لم يكن حاضرا في المؤتمر الصحفي، فإنه من الصعب أن نقول ما الذي يمكن أن يحققه “الخروج”!.

كما لم يُعجب الكوميدي تيريوكي تسوتشيدا بمؤتمر ياسودا، وقال إنه لم يكن مهتما بالاستماع إلى القصص عن سنوات قضاها ياسودا في الأسر. وأضاف “أريد أن أسمع عن قضية وحل في أقرب وقت ممكن”.

في المقابل، كان المحامي والمشرّع وعضو البرلمان السابق كاتسوهيتو يوكوكومي أكثر تفهما، وأشاد بشروحات ياسودا “المفصلة والمنطقية”، لكنه كان منزعجا من أن ياسودا لم يتحدث عن شعوره حيال كونه رهينة أو ما فكر به عندما سمع أن الحكومة قد وجدت نفسها متورطة في قضيته. كان يريد من ياسودا أن يتحدث أكثر عن “ندمه”.

واستمر هذا النوع من التعليقات في برنامج أخرى حيث المعلومات المجاور، حيث علق مقدم برنامج “Chokugeki Live Goody” شينوبو ساقاغامي بأن ياسودا قد “تحدث عن وضعه” لثلاث ساعات بدلا من الاعتذار عما تسببه من قلق للجمهور ويتحمل مسؤوليته شخصيا. في حين أبدى يوكو أندو، وهو صحفي محترف، خيبة أمله في أن ياسودا لم يتحدث عن مسئوليته الشخصية “على أهلها دلت براقش”، مقرا بضرورة أن يتعترف بالمسؤولية عما تسبب به لنفسه.

على الرغم من أن معظم الصحفيين اليابانيين، كأفراد، لم يستاءون كثيرا من ياسودا، فإن الشركات الإعلامية انحازت للموقف الحكومي وتقيدت به. وفي مقال نشرته صحيفة ليترا كتب أوسامو أوكي المراسل السابق لوكالة كيودو إنه منذ فترة حرب فيتنام قبل نحو خمسين عاما، لم ترسل وكالات الأنباء المحلية أي مراسلين إلى مناطق النزاع الخطرة، معتمدة بدلا من ذلك على الصحفيين المستقلين، وأي مواد إخبارية منشورة تتم كتابتها من خلال المراسلين البعيدين عن أي قتال عبر مصادر خارجية.

حتى عندما وقعت كارثة فوكوشيما النووية في آذار/مارس 2011، طلبت الشركات الإعلامية من مراسليها إخلاء المنطقة، وهو ما يعني أن جميع الأخبار جاءت من خلال بيانات السلطات الرسمية. ويقول أوكي إن هذه الشركات لا ترغب في دفع تعويضات إذا حدث أي شيء لموظفيها، واستخدام المترجمين المستقلين أرخص وأوفر كلفة، لأنه إذا حدث شيء، فلن يكونوا مسؤولين عن دفع تعويضات.

ما يثير القلق حول هذا الموقف الذي تبنته المؤسسات الإعلامية والصحافية اليابانية هو أنه يتعارض مع روح الصحافة، فياسودا أراد أن ينقل إلى الجمهور الياباني، بلغته الخاصة، وبكلمات منطقية يفهمونها، لماذا خلقت الحرب التي شنها نظام الأسد وحلفاؤه على الشعب السوري ملايين اللاجئين. ويقول تورو تاماكاوا، المعلق المنتظم في برنامج “Shinichi Hatori Morning Show” الذي يعرضه تلفزيون أساهي، إن الصحفيين “يحمون الديمقراطية” من خلال تسليط الضوء على القضايا الراهنة، وفي هذا الصدد ينبغي الترحيب بياسودا في الوطن “كبطل” وليس معاملته كمخطئ.

وشرح المراسل المخضرم تارو كيمورا هذه الفكرة في مقالة له في صحيفة طوكيو شيمبون، فذكر أنه في عام 1973، عندما كان يعمل في راديو NHK الناطق بـ35 لغة منها العربية، قام بتغطية آثار الحظر النفطي على اليابان، حيث أصيب المستهلكون حينها بالذعر وبدأوا يخزنون ورق التواليت، وأدرك كيمورا أن الوضع في الشرق الأوسط كان يؤثر على حياة اليابانيين العاديين، لكن لم يكن هناك أحد ليقدم تقارير حول ما كان يجري وأسبابه من هناك، وعرض كيمورا على NHK إرساله إلى بيروت، حيث كانت الحرب الأهلية في لبنان قد احتدمت في ذلك الوقت، وكانت خلفية تلك الحرب عميقة ومعقدة ولا يمكن فهمها إلا من قبل شخص ما متواجد على الأرض هناك.

“كان ياسودا يفعل نفس الشيء”، كما كتب كيمورا، وبينما يمكن لوكالات الأخبار الأجنبية أن تنقل ما يحدث، فإنها “لن تفعل ذلك مع أخذها اهتمامات الشعب الياباني بعين الاعتبار، كما سيفعل صحفيون مثل ياسودا. أما بالنسبة للمخاطر، فهذا جزء أساسي من العمل الصحفي. لقد قبل ياسودا المخاطر تماما، حتى وإن كان قد أخطأ في الحكم عليها وتقديرها والاحتياط لها”.

وتبدو فكرة كيمورا صحيحة، لكنه يتحدث من وجهة نظر صحفي متخصص يتم استثمار عمله في تلبية الحاجة إلى المعرفة، ولكنه يغفل عما إذا كان الجمهور الياباني أو شركات وسائل الإعلام بشكل عام يشتركون في نفس الرغبة إلى المعرفة عما يدور على بعد آلاف الأميال في منطقة لم تتوقف فيها يوما النزاعات، حتى وإن كانت هذه النزاعات قد تنعكس على المواطن الياباني بطريقة أو بأخرى، لكنها في حالة الأزمة السورية كانت ذيل اهتمامات الشارع الياباني وحكومته.

وكان الصحفي الياباني جمبي ياسودا البالغ من العمر 44 عاما قد أطلق صراحه يوم الثلاثاء 23 تشرين الأول/أكتوبر الفائت بعد ثلاثة أعوام من الاحتجاز لدى جبهة النصرة في سوريا، بعيد دخوله بوقت قصير لتغطية الأحداث التي كانت على أشدها عقب التدخل العسكري الروسي.

حيث تأكد دبلوماسيون يابانيون سافروا إلى مدينة أنطاكيا التركية من هوية ياسودا، وقال وزير الخارجية الياباني تارو كونو خلال مؤتمر صحفي “تأكدنا من سلامة جومبي ياسودا الذي كان محتجزا في سوريا منذ عام 2015″، وأضاف “يبدو أنه بصحة جيدة. نحن مسرورون جدا لأنه بأمان”.

وحول كيفية الإفراج عنه، قال رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي إنه اتصل بالرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، ليشكرهما على جهودهما في قضية الصحفي ياسودا الذي تم تحريره دون دفع أي فدية.

أقسام
من الانترنت

أخبار متعلقة