أصدرت محكمة أمريكية حكما يحمل الحكومة السورية المسؤولية القانونية عن مقتل الصحفية الأمريكية ماري كولفين عام 2012 أثناء تغطيتها الحملة الهمجية والجرائم التي ارتكبها الجيش العربي السوري وأجهزة الأمن والمخابرات السورية ضد المواطنين في مدينة حمص لصالح صحيفة “صنداي تايمز” البريطانية.
وقضى الحكم دفع الحكومة السورية تعويضات لصالح شقيقة ماري، كاثلين كولفين، وأطفالها الثلاثة والمؤسسة التي تعمل لديها، لا تقل عن 302.5 مليون دولار كونها المسؤولة عن جرائم الأجهزة العسكرية والأمنية التابعة لها، حيث قالت القاضية آيمي بيرمان جاكسون في حكمها إن “الحكومة السورية ضالعة في عملية قتل مواطنة أمريكية خارج إطار القانون”.
وكانت الدعوى المدنية التي أقامتها أسرة كولفين في عام 2016 أمام محكمة أمريكية اتحادية قد اتهمت مسؤولين سوريين عسكريين وأمنيين بإطلاق عدة صواريخ عن عمد على “استوديو مؤقت للبث” كان مقرا للإقامة والعمل لكولفين ولصحفيين سوريين وأجانب آخرين في مدينة حمص.
هذا فيما قال ديكسون أوزبورن، المدير التنفيذي لـ مركز العدالة والمحاسبة الذي أقام الدعوى نيابة عن أسرة كولفين، إن تلك الدعوى كانت الأولى التي سعت لتحميل حكومة بشار الأسد المسؤولية عن جرائم حرب، وبعد رفعها بدأت إجراءات قانونية مماثلة في دول أوروبية منها ألمانيا. وأضاف أن الحكم قد يمهد الطريق أمام المزيد من المحاسبة لجرائم الأسد والمؤسسات المؤتمرة بأمره.
وقالت القاضية جاكسون إن ”الهجوم على مركز إعلامي يضم صحفيين أجانب أدى لسقوط قتيلين وعدد من المصابين، هو عمل لا يتصوره عقل“، وحكمت بالتعويضات المطلوبة إضافة لتعويضات إضافية على أن يتم احتساب المبلغ الإجمالي في وقت لاحق.
وكانت مصادر مجهولة في نظام الأسد قد اعتبرت في تصريحات صحفية سابقة أن كولفين “تتحمل مسؤولية مقتلها لأن البلاد كانت في حالة حرب، وهي جاءت لسوريا بصورة غير قانونية، وعملت مع الإرهابيين”.
يشار إلى كولفين البالغة من العمر وقت مقتلها 56 عاما، قتلت عمدا في استهداف مباشر ومحدد مع المصور الفرنسي ريمي أوشليك في مدينة حمص المحاصرة عام 2012 أثناء تغطية هجوم بربري لقوات النظام السوري على المواطنين في المدينة.
وقبيل مقتلها، قالت ماري كولفين لأندرسون كوبر عبر قناة “سي إن إن” في بث مباشر من مركز إعلامي سري في مدينة حمص، إنها “أكاذيب كاملة يطلقها الإعلام السوري التابع لنظام الأسد، والمتمثلة في أنهم يطاردون الإرهابيين فقط.. الجيش العربي السوري يقصف ببساطة مدينة من المدنيين المحاصرين الجائعين”. وبعد فترة وجيزة أطلق الجيش السوري وابلا من قذائف المدفعية على موقع المركز الإعلامي، مما أسفر عن مقتلها مع المصور الفرنسي ريمي أوشليك.
بعد تحقيق دام خمسة أعوام، كشف مركز العدالة والمحاسبة للكشف عن الحقيقة CJA عن أدلة تثبت ما كان يُشتبه به منذ فترة طويلة: لقد تم اغتيال ماري عمدا بواسطة القوات العسكرية والاستخباراتية السورية. كان قتلها جزءا من مؤامرة أوسع نطاقا لتحييد الإعلام السوري والأجنبي من خلال العنف ليتمكن النظام السوري من قمع الاحتجاجات الشعبية ضده.
وفي 21 شباط/فبراير 2012 ، عندما كانت ماري كولفين تجري مقابلتها مع سي إن إن، كانت المخابرات السورية في طريقها إلى كشف موقعها عبر أجهزة متطورة استوردتها خصيصا أو جلبتها لها المخابرات الإيرانية وقصف الموقع وقتل كولفين وأوشليك.
وقال مركز CJA إن الأدلة التي حصل عليها تكشف أن نظام الأسد اعترض جهازها الإذاعي وتأكد موقعها من خلال مخبر سري مزروع في المنطقة، ثم تم إطلاق صاروخ مميت شديد الانفجار، أدى لقتل ماري كولفين وريمي أوشليك، وغصابة المصور البريطاني بول كونروي والمترجم السوري وائل العمر والصحفي الفرنسي إيديث بوفير بجروح بالغة.
وتعتبر القضية التي تم رفع دعواها في المحكمة الجزئية الأمريكية في مقاطعة كولومبيا، أول قضية تسعى إلى تحميل نظام الأسد المسؤولية عن جرائم الحرب في سوريا، وتم رفعها بموجب قانون الحصانات السيادية الأجنبية، وهو قانون أمريكي اتحادي يسمح للضحايا بمقاضاة الدول التي ترعى الإرهاب، مثل نظام بشار الأسد، ضد جرائم القتل خارج نطاق القضاء لمواطني الولايات المتحدة الأمريكية.
وفي 6 شباط 2017، تم تقديم شكوى رسمية إلى المحاكم السورية لكن لم يصدر عنها أي رد، وﻓﻲ 11 ﺗﻤﻮز/ﻳﻮﻟﻴﻮ 2017، أﺻﺪرت اﻟﻤﺤﻜﻤﺔ الأمريكية ﻗﺮارا يؤكد ﺘﺨﻠﻒ المحاكم السورية وﻔﺸﻠها ﻓﻲ إبراز رد مقنع يدافع عن المتهمين ﻓﻲ اﻟﻘﻀﻴﺔ.
وفي 22 آذار/مارس 2018، قدمت منظمة CJA ومكتب المحاماة “شيرمان وستيرلنغ” طلبا نيابة عن عملائها في جريمة اغتيال كولفين لكن لم يتم قبوله، وفي 9 نيسان/أبريل 2018 تم تقديم ثروة من الأدلة إلى المحكمة (بما في ذلك تصريحات من ضباط منشقين رفيعي المستوى في الجيش العربي السوري ووثائق حكومية سرية لم يسبق لها مثيل من التهريب خارج سوريا) دعما للقضية بما لا يترك أدنى شك في أن النظام السوري خطط ودبر بشكل منهجي ولاغتيال كولفين وزملاءها.








