يسلط الباحث الألماني ساشا روبرت في دراسة حديثة نشرتها مجلة “المراجعة الدولية” الضوء على علاقة النظام السوري بالشعبوية اليمينية في أوروبا وفي ألمانيا بوجه خاص لما للطرفين من توجهات موحدة إزاء التقارب مع روسيا والتباعد عن أمريكا فضلا عن الرؤى العنصرية المعادية للمسلمين باعتبارهم “مفرخة” للإرهاب، الإرهاب الذي “حاربه الأسد نيابة عن الشعبويين في أوروبا والعالم”.
ويقدم الأسد هدية مجانية لهذا التيار الذي بات له صوت وحضور على الساحة السياسية الأوروبية بإعلانه النصر وإعادة الأمن والأمان لسوريا، وأنه أصبح واجبا على أوروبا وبالذات ألمانيا إعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم لكن بشرط المساهمة “السخية” بإعادة إعمار البلد التي دمرها “الإرهابيون” ليتمكن هؤلاء اللاجئون من إيجاد مأوى يليق بكرامتهم وإنسانيتهم، وفيما يرفض رموز هذا التيار تصديق التقارير الإعلامية والحقوقية الحكومية والمستقلة عن الأوضاع في سوريا يصرون على زيارة دمشق “شخصيا” للوقوف على أوضاع البلاد الأمنية والاقتصادية والاجتماعية ليقابلهم علي حيدر وأحمد حسون ويسمعونهم ما يطرب نفوسهم بأن الأسد كسر شوكة المؤامرة الدولية التي نفذتها الليبرالية الأوروبية والأمريكية والتركية بالتعاون مع السلفية الوهابية التكفيرية العربية ضد سوريا!.
وبحسب الباحث في جامعة لودفيغ ماكسيميليانس (LMU) بميونيخ، فإن نظام الأسد أثبت قدرته على الصمود في مواجهة ثورة الشعب السوري من خلال تنظيم بازار سياسي مستعينا بأصدقائه ومواليه معلنا بحماس انتصارا باهظا ليس على السوريين فقط دفع ثمنه وإنما على المجتمع الدولي فعل ذلك أيضا. كما أن هناك نقاش متزايد في أوروبا حول إمكانية إعادة تأهيل النظام السوري، حيث اقترحت إيطاليا، التي يحكمها حاليا تحالف شعبوي بين حركة النجوم الخمس برئاسة لويجى دى مايو وحزب ليغا نورد الذي يقود حملة لدعم اليميني المتطرف ماتيو سالفيني لرئاسة الوزراء، إعادة فتح سفارتها في دمشق. كما انضمت كل من المجر وبولندا، اللتان تحكمهما أيضا أحزاب شعبوية يمينية بشغف إلى هذا المأمل.
والجميع ترتبطه أرضية مشتركة تتمثل بكراهية المهاجرين واللاجئين، والجميع يعزف على وتر حل أزمة اللاجئين، الأزمة التي يتم التعامل معها بشكل متزايد على أنها قضية سياسة ذات أولوية من قبل الأحزاب الشعبوية، كونها مثار اهتمام لقطاع كبير من ناخبيهم في المجتمعات الأوروبية. وعلى الرغم من محاولات هذه الأحزاب تقديم نفسها كمنتج للعمليات الديمقراطية ونتيجة طبيعية لها، إلا أن حكومتا المجر وبولندا الشعبويتين تشكلان تهديدا رئيسيا للتوجه الليبرالي العام للاتحاد الأوروبي، وتقفان عقبة رئيسية أمام صياغة سياسة مشتركة على مستوى الاتحاد للتعامل بشكل كاف مع هذه الأزمة الإنسانية.
وفيما لا يزال الإجماع قائما إلى حد كبير داخل الحكومة الألمانية على معارضة التعاون مع نظام الأسد، فإن المعارضة اليمينية متمثلة بحزب “البديل” قد أبدت اهتماما كبيرا بالتعاون النشط معه، مستندة على أسس المعارضة التي تمثلها للحزب الديمقراطي المسيحي الحاكم في كل ما يعتمد من سياسات سواء بتأييد روسيا ورفض التعامل مع أمريكا، أو الاعتراف بحق روسيا بضم شبه جزيرة القرم وغيرها من القضايا الخارجية.
ومنذ تأسسه، وضع حزب البديل نفسه في مواجهة تكامل أعمق لمنطقة اليورو، واستفاد من أخطاء نتجت عن سياسة أنغيلا ميركل تجاه اللاجئين، بالإضافة إلى الموقف الودي تجاه روسيا. كما يشتهر الحزب أيضا بتشجيعه للأنظمة الاستبدادية المرتبطة به، وعلى سبيل المثال، اعترض النائب رينيه سبرينغر علنا على الدعم السياسي المتواصل الذي تقدمه الحكومة الألمانية للمتظاهرين الشباب في إيران قائلا: “نظام حكم مستقر أفضل من سوريا ثانية بمئة ألف قتيل وملايين اللاجئين”. وتستند النية السياسية الدقيقة لهذا البيان إلى التعاطف النشط مع أيديولوجية الجمهورية الإسلامية المعادية للإسلام السني والعرب، كما تستند على المصلحة الذاتية الخالصة في ضمان وجود أنظمة حكم مستقرة في البلاد الإسلامية والعربية تمنع هروب مواطنيها إلى ألمانيا وتعمل كخفر سواحل وحرس حدود يحمي شواطئ وحدود أوروبا.
ولم يكتف حزب البديل بانتقاد مشاركة الجيش الألماني في الحملة الدولية على تنظيم داعش كونها تنتهك “السيادة السورية”، بل أصبح يقدم مواقف إيجابية أكثر تجاه نظام الأسد مرددا عبارات أن الحرب انتهت، وأن الأسد انتصر على الإرهاب، وأن سوريا بلد آمن ويجب إعادة اللاجئين إليها دون اعتبار للعملية السياسية الدولية التي ترعاها الأمم المتحدة، وأن على ألمانيا إعادة فتح سفارتها في دمشق، وإعادة العلاقات الدبلوماسية مع نظام الأسد للتوسط في تقديم الضمانات الأمنية لهؤلاء اللاجئين قبل عودتهم إلى بلدهم.
وفود دبلوماسية إلى دمشق
نظرا لأن وسائل الإعلام الألمانية غير جديرة بالثقة، بنظر حزب البديل، والحكومة الفيدرالية تعتمد على تقارير من مصادر محلية “متحيّزة” مثل الخوذ البيضاء أو المرصد السوري لحقوق الإنسان لتقييم الوضع الأمني في سوريا؛ فقد قرر الحزب في 5 مارس/آذار 2018 إرسال وفد دبلوماسي لسوريا لفهم الوضع الأمني بشكل أفضل، وقدم الإعلام اليميني المتطرف تقارير وافيا عن الرحلة، حيث التقى الوفد بالمفتي بدر الدين حسون، الذي هدد يوما بمحاربة أوروبا بمفجرين انتحاريين إذا ما هاجمت الدول الأوروبية الأراضي السورية، والذي ردد خلال الزيارة بإلحاح على مسمع زائريه ضرورة إعادة تقييم وضع بشار الأسد كـ”رئيس شرعي للجمهورية العربية السورية”.
ووفقا لرئيس الوفد، كريستيان بلكس، فقد تم إخراج تهديد حسون المثير للجدل عن سياقه، وزعم أن حسون قد اعتذر لوفد الحزب عن سوء الفهم هذا، الأمر الذي قبله الوفد بصدر رحب. كما زار وفد الحزب مجموعة من رجال الدين الآخرين في سوريا، وكلهم تحدثوا لصالح عودة اللاجئين السوريين من أوروبا، وأن هناك خطرا ديموغرافيًا يهدد الأقلية المسيحية في سوريا إن لم يعد هؤلاء اللاجئون، كما اشتملت الزيارة على لقاء الهلال الأحمر العربي السوري ووزير المصالحة علي حيدر، رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي، الذي يطالب بأمة سورية موحدة، وينظر إليه باعتباره ورقة التين التي يستتر خلفها النظام ويداري بها سوأة نظام الحزب الواحد الحاكم.
وهنا يقول ساشا روبرت إنه بصرف النظر عن حقيقة أن الوفد التقى بممثلين دينيين، تم اختيارهم من قبل النظام ليتم تسويقهم كمجتمع مدني، يمكن للمرء أن يرى مدى عدم مبالاة حزب البديل بالأسباب الجذرية للأزمة السورية. إن عرض تنوع الجماعات الدينية في سوريا هو التكتيك المعتاد للنظام لتقديم نفسه كراعٍ وحامٍ للأغلبية والأقليات، وبالتالي يمكنه الحصول على إعادة الشرعية الدبلوماسية.
كانت النتيجة التي توصل إليها الوفد الألماني الزائر واضحة: سوريا آمنة، لذا يمكن أن تبدأ عملية إعادة منظمة للاجئين في ألمانيا، وتم تقديم هذا الادعاء على الرغم من الأدلة التي توضح عدد العائدين في سوريا الذين يتعرضون للاعتقالات والقمع، حيث أشارت تقارير السياسة الخارجية اللمانية مؤخرا إلى قضية اللاجئين العائدين من ألمانيا، والذين ما زال مصيرهم بعد احتجازهم على أيدي قوات الأمن السورية مجهولا.
الادعاء الشائع الآخر الذي يروّج له حزب البديل، بحسب دراسة روبيرت، هو أن الأسد يصنف نفسه كبطل ضد الإرهاب الإسلامي، مما يجعله شريكا محتملا للمجتمع الدولي، حيث أصر بلكس خلال مقابلة مع إذاعة “غرب ألمانيا” في كولونيا على أن “جماعة جيش الإسلام الإرهابية في الغوطة الشرقية، المحاصرة آنذاك، قامت بهجمات منتظمة على المؤسسات المسيحية في مدينة دمشق، ونفذت عمليات إعدام لأفراد ذوي قناعات مختلفة، ومنعت المدنيين من المرور عبر الممرات الإنسانية التي رتبها النظام السوري بالتعاون مع روسيا”. إن مجرد الإشارة إلى البعد الطائفي للنزاع تشكل مشكلة أخرى، حيث إن بلكس يداري رد الفعل الوحشي للدولة السورية تجاه المجموعات المتمردة دون التشكيك في الأصول الاجتماعية للعنف، والتي ليست أكثر من إنكار للتعددية المسببة للنزاع السوري. لقد أصبح تبني هذا السرد أحادي الجانب للنظام واضحا بشكل خاص بعد الهجوم الذي شنته قوات النظام بغاز الكلور السام ضد المواطنين في مدينة دوما في نيسان/أبريل 2018، حيث تساءل البرلماني، تورينغن بيورن هوك، مؤسس فصيل اليمين المتطرف “دير فلوجل” علنا عبر صفحته في الفيسبوك عن سبب يدفع النظام السوري لاستخدام الأسلحة الكيميائية، مدعيا أنه ليس لديه أسباب للقيام بذلك، كما أدان داخل البرلمان “البوندستاغ” الجيش الأمريكي لتوجيه ضربة صاروخية محدودة ضد قاعدة الشعيرات الجوية ومركز البحوث في برزة.
ومن المثير للاهتمام ملاحظة مشاركة بعض الأفراد في إدارة الشؤون الخارجية الألمانية في الترويج لنظريات المؤامرة التي تنشرها وسائل الإعلام الروسية، مثل سبوتنيك وروسيا اليوم، ويكررون نفس المزاعم الروسية عن اتهام فصائل المعارضة بالتحضير لاستخدام الأسلحة الكيميائية بالتعاون مع أمريكا وفرنسا وبلجيكا لإثارة التدخل الغربي ضد نظام الأسد. هذا الأسلوب من عدم وضوح العلاقات بين الجاني والضحية هو تكتيك شائع للنظام السوري، وقد توج تطوير هذه الاستراتيجية الإعلامية بإعلان أحد أعضاء البرلمان تضامنه مع “الرئيس السوري الشرعي” بعد هجوم بغاز السارين نفذه الطيران السوري في خان شيخون.
لا يمكن العثور على وجهات نظر متباينة حقيقية تجاه الحكومة السورية وفظائعها في خطاب الشعبويين الألمان، حيث يشعر بول آرمين هامبل، المتحدث الرسمي باسم لجنة السياسة الخارجية لحزب البديل في البوندستاغ، بأنه مضطر لإعادة تحديد تعاطف حزبه مع النظام السوري وتمثيل الدعوة لإجراء محادثات دبلوماسية معه كسياسة واقعية لصالح الدولة الألمانية. وبصرف النظر عن الإشارة إلى أن الأسد ليس ديمقراطيا لا تشوبه شائبة، وبالتالي لن يتفق مع الفهم الألماني للديمقراطية؛ يرفض الحزب الانخراط في أي نقد عميق في هذه المسألة. ومع ذلك، فإن المغازلة النشطة للنظام السوري من قبل الشعبويين اليمينيين الألمان، يمكن أخيرا الإقرار بأنها وظيفية والمقصود بها العمل على إعادة اللاجئين السوريين الذين يُعتبرون من وجهة نظرهم “طفيليات اجتماعية” على الدولة الألمانية.
تعليق آخر صدر عن وفد حزب البديل بعد زيارته لمدينة حمص بصحبة مجموعة من مليشيا الدفاع الوطني وجلوسه في إحدى المقاهي وشرب القهوة “على حسابه”، فيما اللاجئون السوريون من حمص يشربون القهوة “على حساب دافعي الضرائب الألمان في برلين”.
ويوفر هذا التعليق الأحادي الاتجاه الذي أطلقه حزب البديل إلى بيان مدى جاذبية النظام الاجتماعي الألماني “المزعومة” كسبب لفرار ملايين السوريين من سوريا، وتتجاهل حقيقة أن ملايين السوريين فروا ليس فقط من الحرب، ولكن أيضا من قمع الدولة الذي تمارسه الأجهزة الأمنية التابعة للأسد. ولا يمكن لعاقل أن يتصور أن يقوم الملايين برحلة طويلة شاقة عبر البحر المتوسط أو دول البلقان، مخاطرين بحيواتهم في بلد أجنبي ومعرضين أنفسهم لأسوأ أنواع التمييز الاجتماعي لمجرد الحصول على قهوة “مجانية”. وكما قال الفيلسوف تيودور ويسنغروند أدورنو: “عدم التسامح علامة على شخصية استبدادية”.
قضية كيفورك ألماسيان
وكما عبر حزب البديل عن قربه من النظام السوري سابقا من خلال تبني روايته لأغراض سياسية خاصة به، عيّن الحزب مؤخرا اللاجئ المؤيد للأسد، كيفورك ألماسيان، مديرًا لقسم وسائل التواصل الاجتماعي للنائب ماركوس فروهنماير. وألماسيان العضو في مركز للدراسات موالٍ لروسيا، هو المركز الألماني للدراسات الأوروبية الآسيوية، يعرّف نفسه بأنه مسيحي أرمني من حلب، درس في جامعة القلمون الخاصة التي يملكها سليم دعبول نجل مدير مكتب حافظ الأسد، وقد لفت الصحافي لارس فيند الانتباه سابقا إلى دوره المثير للجدل بصفته آلة دعائية للأسد في ألمانيا. وأسباب ألماسيان التي دفعته للفرار من سوريا غير معروفة بوضوح، حيث يصف نفسه في إحدى المقابلات بأنه ضحية لعنف المتمردين، لكنه في حالة أخرى يستشهد بأسباب اقتصادية. لكن الحقيقة الواضحة هي أن ألماسيان دخل ألمانيا عبر سويسرا ومن ثم انتقل إلى ألمانيا، وينطبق عليه ما يسمى بنظام “الدولة الثالثة”، وهو ما يخالف لائحة دبلن لتنظيم أوضاع اللاجئين في الاتحاد الأوروبي. وعلى الرغم من تأكيد الحزب على أن العديد من اللاجئين غير الشرعيين قد وصلوا عبر بلدان ثالثة، وبالتالي لا يحق لهم البقاء في ألمانيا، إلا أن فروهنماير لا يرى مشكلة في قضية ألماسيان، ويقول إنه يتطلع إلى نظرة بديلة حول الأحداث في سوريا من منظور داخلي ويود المساعدة في إعداد ألماسيان لوظيفة مستقبلية محتملة في البرلمان السوري، متجاهلا عدم مشروعية بقائه مهاجرا أو لاجئا في ألمانيا.
ويشير روبرت في دراسته إلى ما يصف ألماسيان نفسه به أنه من المؤيدين المخلصين للنظام السوري، ويلتزم صراحة بتبييض فظائع النظام والمليشيات المرتبطة به. وفي إحدى الحالات، زعم أن تقرير منظمة العفو الدولية عن الإبادة الجماعية للمعتقلين السياسيين في صيدنايا “دعاية رخيصة ومنحازة”. وفي مقابلة عام 2016 مع صحيفة Sezession اليمينية المتطرفة، أعطى ألماسيان بعض الأفكار الهامة حول معرفته بالصراع السوري، وذكر أنه كان يجب محاصرة مدينة حلب لأن النظام السوري أراد “إنقاذ حياة البشر”، وادعى أيضا أنه لم تحدث أبدا ثورة ديمقراطية في سوريا، ولكن سيطرت عليها منذ البداية قوى دينية متطرفة، كما أكد أن جزءا كبيرا من المسلمين السنة من حلب كانوا متشككين في الثورة “المريبة”. هذا التكرار لما يسرده النظام السوري حول أسباب الصراع والجهات الفاعلة فيه يصبح مهما بشكل خاص لتحديد كيف يكمل البناء الخطابي للاجئ السوري ألماسيان في بناء هوية اللاجئ المقبول من قبل الشعبويين اليمينيين الألمان.
وفي نفس هذا المنحى، يمكن التعرف على خصائص الخطاب الشعبوي كما وضحته الأستاذة في جامعة WWUكارين بريستر، وإحدى هذه الخصائص هي تقسيم العالم إلى “نحن” في مقابل “هم”، حيث يتراوح التمايز في التوجه السياسي فقط بين التمييز بين حزب البعث العربي الاشتراكي والحزب السوري القومي الاجتماعي.
وخلال مقابلته مع Sezession وصف ألماسيان دوره في الصراع السوري بأنه دور المحارب الدعائي الذي يبرز الحقيقة الغائبة عن التقارير الخاطئة حول هذه الحرب، ليعود إلى مسألة اللاجئين السوريين في ألمانيا واتهامهم بالإرهاب ودعم الإرهاب، لافتا إلى أن معارضة الأسد مساوية لدعم الإرهاب، لأنه لا توجد مجموعة مقاتلة تقاتل النظام ليست جماعة إرهابية، لذلك فإن التحذير من الإرهاب والتهديدات الإرهابية تعمل كأساس لدعوته.
في كتابه عن البناء الاستكشافي للحرب على الإرهاب، أشار ريتشارد جاكسون إلى النقاط التي يتقاسمها المشاركون في الخطاب المروّج للحرب على الإرهاب وهي الإيحاء بوجود واقع يشير إلى وجود تهديد، وأن الإشارة إلى الكفاح ضد الإرهاب تعمل أيضا على إضفاء الطابع الأخلاقي على هذا الخطاب، وهو أمر حاسم بالنسبة للرواية الشعبوية. في هذا السياق، يتم توجيه الوعي الذي تم تشويشه اجتماعيا في الغرب للمشاركة في مكافحة جميع أشكال الإرهاب، تمامًا كما تفعل الحكومة الفيدرالية في مشاركتها المتواضعة في مكافحة تنظيم داعش. ويصف ألماسيان زملاءه في مخيم اللاجئين بأنهم متوحشون وعدوانيون ويتعاطفون مع الجماعات المسلحة مثل داعش وجيش الإسلام والقاعدة، كما يصف سلوكهم كشخصية لا يمكن دمجها في مجتمع غربي، بينما يصف نفسه بأنه متعلم جيدا ومتحضّر، ويمثل هذا التباين حجر الزاوية للتقسيم الشعبوي والتمييزي للاجئين من سوريا.
ومن المثير للاهتمام في هذا السياق بيان ألماسيان الذي أكد فيه على الانتماء السني لزملائه في الغرفة وكذلك أصلهم المحلي، وهم من حمص والرقة وإدلب ودرعا، كخصائص بارزة لوصفهم. وليس من قبيل المصادفة أن تلك الأماكن فقط كانت مدرجة فيها الاحتجاجات الأكثر شعبية وزخما ضد النظام، لكنه يعكس أيضًا التمييز الإقليمي والطائفي العميق، وهو نتاج نظام حكم طائفي للنظام السوري. في كتابها الأخير “حكم العنف: الذاتية، الذاكرة والحكومة في سوريا”، تقدم أستاذة العلوم السياسية سلوى إسماعيل نظرة شاملة عن التمييز الإقليمي والإثني والاجتماعي والاقتصادي والعنصرية في المجتمع السوري، حيث يعتبر تشغيل وفق الانتماء الطائفي والإقليمي “عنصرًا في مؤسسات الإكراه” للنظام السوري، فضلا عن التعبير السردي عن “أنماط المشاركة الشعبية”، التي تدمج بعض الفئات الاجتماعية في النظام بينما تترك الآخرين خارجه.
كما يتهم ألماسيان غالبية السوريين الذين فروا إلى ألمانيا بأنهم يشكلون تهديدات محتملة للمجتمع الألماني لأنهم مصابون بالفعل بدرجة ما من درجات التطرف الإسلامي، والتي تمكنهم حتى من تنفيذ هجمات إرهابية في ألمانيا، وقد تم الترحيب باقتراحه لحل لهذه المشكلة من قبل نظرائه الشعبويين اليمنيين في ألمانيا والمتمثل بفحص أكثر صرامة للقادمين، وإجراءات شرطية الأكثر صرامة ضد مواطنيه السوريين. ووفقا له، فإنه من الضروري اتخاذ إجراءات صارمة ضد العرب عموما، لأن “الحرص واجب” كما يقول المثل. وكأنه يعتبر الأسد “ليفياثان” سوريا الذي يبقي شياطينه “معارضيه” في حالة رعب، وفق نظرية توماس هوبز التي نادت في القرن السابع عشر إلى ضرورة أن تكون السلطة مطلقة لحماية نظام الدولة، التي تعرف بالنظرية الهوبزية Hobbesian المقاربة لنمط الميكيافيلية.
يقول روبرت: إنه لا يمكن تجنب تهديد الاستقطاب الاجتماعي وتجربة العنف في سوريا إذا تم استخدام نفس أساليب مملكة الخوف في ألمانيا أو في أي دولة في العالم، وقد يظن المرء أن دور ألماسيان باعتباره بطل الرواية في المنافسة السياسية التي يخوضها حزب البديل سوف يتم المبالغة في تقديره، ولكن ينبغي للمرء أن يتخيل طبيعة وظيفة “الغادر” التي منحها هذا الحزب لنموذج من نماذج التعبير السياسي لتحقيق مقاصدهم الخاصة. حيث يمكن أن يقدموا ألماسيان كشخص من الداخل يقدم حقائق خاصة حول الأسباب الجذرية لما يسمى بأزمة اللاجئين، ويتعرض كلاجئ “قانوني” لتلطيخ سمعته من قبل وسائل الإعلام الألمانية بسبب موقفه الداعم لبشار الأسد، ويمكن تقديمه على أنه سوري يخبر الجمهور الألماني بحقيقة الأكاذيب والمزاعم التي تخبرها الحكومة الألمانية للشعب الألماني عن الحرب السورية.
كما تؤدي شخصية ألماسيان، بحسب روبرت، أيضا دورا مزدوجا في خطاب الشعوبيين الألمان اليمينيين من ناحية هويته كمسيحي يجب على المجتمع الغربي حماية ثقافته، ومن ناحية أخرى هويته كسوري أدرى بشعاب بلاده من ميركل وغيرها، ويمكن إعطاء تصريحاته للناخبين العاديين باعتبارها “نظرة ثاقبة” في “واقع” سياسة أنغيلا ميركل المتمثلة في يمكننا أن نفعل ذلك “Wir schaffen das”. حقيقة لا يعيش فيها المتعصبون على حساب الألمان فحسب، بل يمكن أن تصبح أيضا تهديدا لرفاههم البدني. كل شيء يثبت ذلك من قبل سوري يتحدث ضد أقرانه ويتنبأ بالفوضى التي يمكن أن يتسببوا بها ويمهد الطريق لمتاعب لا يريدها أحد.
وعندما تبحث إدارة الشؤون الإنسانية عن خلايا ومخاطر إسلامية نائمة في المجتمع الألماني، يقدم ألماسيان الإجابات المناسبة، وفي الوقت الذي يساعد فيه الحزب البديل على إيجاد الحجج المفحمة لحملته الشاقة للحصول على المزيد من الأصوات، يدعم الشعبويون النظام السوري في استعادة شرعيته السياسية في أذهان الجمهور الألماني.
ويخلص روبرت إلى تعريف العلاقة بين حزب شعبوي في بلد أوروبي و”عضو عامل” في نظام قمعي على حساب أولئك الذين فروا من حرب استنزاف بأنها “علاقة تعاون استبدادي” لا يعلى عليه في قلب أوروبا.