نشرت منظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة الحقوقية تقريرا حول قيام الأجهزة الأمنية والمحلية التابعة للنظام في محافظتي حماة وإدلب بإبلاغ مئات الأسر في المحافظتين، منذ مطلع العام الجاري وحتى الشهر الحالي، بوفاة أبنائها المعتقلين في السجون والمعتقلات، دون تسليم للجثث أو تزويدهم بمكان الدفن والتشديد عليهم بعدم إقامة أي مظاهر للعزاء تحت طائلة الاعتقال.
وبحسب التقرير فقد عاودت دوائر السجل المدني التابعة للنظام إبلاغ ما يقارب السبعمائة عائلة بوفاة أبنائها المحتجزين داخل مراكز الاعتقال التابعة له، وذلك خلال الفترة الممتدة ما بين بدايات شهر كانون الأول/ديسمبر 2018، وحتى أواخر شهر شباط/فبراير 2019، حيث صدمت عشرات العائلات في محافظتي حماة وإدلب بإعلان الوفاة بعد سنوات من الانتظار، وروى العديد من شهود العيان وأهالي الضحايا أن دائرة السجل المدني في محافظة حماة كانت قد قامت بتسليمهم وثائق بوفاة ذويهم دونما تسليم للجثث أو تزويدهم بمكان الدفن، وبحسب العديد من المعلومات والوثائق التي نشرتها المنظمة فقد سُجلت وفاة العديد من أولئك المحتجزين عقب فترة ليست طويلة من احتجازهم، لكن لم يتم الإبلاغ بوفاتهم إلا في مطلع العام 2019.
وبحسب المعلومات التي نشرها تقرير منظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، وهي منظمة تأسست عام 2015 ومقرها الحالي تركيا، فإن قرابة 700 وثيقة وفاة لمحتجزين كانت قد وردت إلى دائرة السجل المدني في مدينة حماة وريفها، وذلك منذ بداية العام 2019، وحتى تاريخ إعداد هذا التقرير في شهر أيار/مايو 2019.
كما ذكر التقرير أن دائرة الأحوال المدنية في مدينة حماة كانت قد شهدت في أواخر العام 2018 ازدحاما غير مسبوق لذوي محتجزين تمّ إخطارهم بوفاتهم، وأن معظم المراجعين للدائرة كانوا من السيدات، بسبب خشية الرجال من الاعتقال عند ذهابهم للسؤال والاستفسار عن ذويهم المحتجزين، وقد تم الإخطار بوفاة ما لا يقل عن 60 شخصا محتجزا من قبل دوائر الأحوال المدنية في عموم محافظة حماة، وذلك خلال شهر كانون الأول/ديسمبر 2018 وحده.
وقد بدأت دوائر السجلات المدنية في أكثر من محافظة سورية، وعلى رأسها دمشق وريفها وحماه وحلب والحسكة، منذ شهر أيار/مايو 2018 تصلها قوائم بأسماء معتقلين ومحتجزين توفوا داخل سجون الأجهزة الأمنية السورية، لتعلم بعض العائلات فيما بعد نبأ وفاة أحد أفرادها عند استخراج بيان قيد مدني (إخراج قيد) للسجين أو المفقود، أو بيان عائلي للعائلة من السجلات المدنية، وقد وثقت منظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة بالتعاون مع شبكة صوت العاصمة، والوحدة السورية للصحافة الاستقصائية (سراج)، من خلال هذا التقرير عددا من الحالات لمحتجزين توفوا داخل سجون الأجهزة الأمنية السورية التابعة للنظام.
وكانت لجنة التحقيق الدولية المستقلة والمعنية بالجمهورية العربية السورية، قد أصدرت بتاريخ 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2018، ورقة في أعقاب ورود معلومات حول وفاة عدد من المحتجزين والمفقودين داخل السجون السورية، مستخلصة إلى أن تحديث سجل هؤلاء المختفين يعني اعتراف المسؤولين الحكوميين، بمن فيهم كبار أعضاء فيلق الشرطة العسكرية في الجمهورية العربية السورية بأن لديهم معلومات عن مصير المتوفين، بما في ذلك تاريخ الوفاة المفترض. ولهذا الغرض، تُقر الدولة ضمنيا أيضا بمعرفتها بالمكان الذي كان الشخص موجودا فيه عند وفاته، وكذلك قيامها بدور ما في الوفاة في حالات الإعدام بموجب أمر محكمة أو حالات الإعدام خارج نطاق القضاء.
وفي أوائل العام الجاري 2019، وثقت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة حصول عدد جديد من العائلات في مدينة حماة على شهادات تُثبت وفاة ذويهم المحتجزين والمعتقلين، على الرغم من أن هذه الوثائق كانت تتواجد في دائرة السجل المدني منذ أعوام سابقة، بحسب المعلومات التي أدلت بها عائلات الضحايا وأقاربهم.
ونشر تقرير منظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة بعض الشهادات أدلى بها ذوو المعتقلين الذين أبلغوا بوفاة معتقليهم في سجون ومعتقلات الأجهزة الأمنية والمخابراتية التابعة للنظام، ومدى معاناتهم في الحصول على معلومات تفيد بمكان الاعتقال، ومدى ما تكبدوه من عناء وتكاليف باهظة من أجل ذلك، ثم لتكون الفاجعة هي خاتمة المطاف بتسلم وثيقة وفاة دون أي تفاصيل عن مصير الجثة أو مكان الدفن.
وبحسب التقرير أفادت بعض عائلات الضحايا بأن الموظفين بدائرة السجل المدني بمدينة حماة أخبرهم بورود قرابة 700 شهادة وفاة لمحتجزين من المدينة وريفها، لكن وبناء على تعليمات إدارية فإن الدائرة تقوم بين فترة وأخرى بإخطار عدد من ذوي المحتجزين بوفاتهم كي لا تُحدث ضجة بين المواطنين، وذلك بناء على تعليمات وصلت للدائرة دون الإفصاح عن الجهة التي أصدرت هذه التعليمات.
كما لفت التقرير، بناءا على شهادات من معتقلين سابقين، أن معظم الضحايا الذين تم إبلاغ ذويهم بوفاتهم وتسلموا إخطارات وفاة قضوا تحت التعذيب الوحشي في العديد من الأفرع الأمنية والمخابراتية ومراكز الاعتقال المعروفة والسرية أو نتيجة الإهمال الطبي وانعدام الظروف الصحية والعلاجية، وذكروا عددا من الأمثلة عن أشخاص تم إبلاغ ذويهم بوفاتهم وكانوا معهم في مراكز الاعتقال.