بعد عشرة أيام على اجتماع مستشاري الأمن القومي الروسي نيكولاي باتروشيف، والأمريكي جون بولتون، والإسرائيلي مائير بن شبات في إسرائيل؛ منعت القوات الروسية فصائل تابعة وحليفة لإيران من إعادة الانتشار والتمركز في عدد من المناطق في محافظة دير الزور، بما في ذلك نقطة حدودية مع العراق، الأمر الذي أدى إلى استنفار قوات الجانبين.
هذا ما أكده مسؤول أمني عراقي لموقع BBC حيث أشار إلى التباين الإيراني الروسي بدأ بأخذ شكل جديد مختلف عن الصورة النمطية لتقاطع المصالح بين الطرفين الذين توليا مهمة الدفاع عن بقاء النظام السوري، هذا التقاطع المصالح الذي تحول إلى تضاد وتعارض في مختلف القطاعات الاقتصادية والسياسية والعسكرية.
وأشار المصدر إلى ارتفاع منسوب التوتر بين قوات البلدين في منطقة شرقي سوريا إلى حد الاستنفار العسكري، وهو ما كاد يتدحرج إلى اشتباك بينهما، التوتر الذي مردّه قيام القوات الروسية بمنع فصائل حليفة لإيران بالتمركز في عدد من المناطق بما في ذلك نقطة حدودية مع العراق.
وأكد مصدر في غرفة عمليات “حلفاء سوريا” التي تضم الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني وفصائل عراقية أن الاحتقان بين الجانبين مازال موجودا رغم عدم وجود أي تحركات على الأرض.
ويأتي سبب الخلافات الروسية الإيرانية في سوريا عبر البوابة الإسرائيلية، فروسيا بحسب المسؤولين الإيرانيين لم تكن يوما إلى جانب إيران فيما يتعلق بإسرائيل. هذه التصريحات قالها حسين جابري أنصاري، النائب السابق لوزير الخارجية الإيراني في آذار/مارس الماضي، حيث أكد أن هناك اختلافا في وجهات النظر بين طهران وموسكو فيما يخص إسرائيل، مؤكدا في الوقت ذاته وجود مصالح مشتركة مع روسيا في سوريا.
وأضاف أنصاري “إسرائيل أدركت الآن تبعات الربط بين إيران وسوريا ولبنان، وتسعى إلى تحميل خططها للاعبين الآخرين في سوريا ومن جملتهم روسيا. الكيان الإسرائيلي يستغل العلاقات التاريخية بينه وبين روسيا لتحقيق أهدافه”.
روسيا بدورها لم تنف أنها تعارض الأجندة الإيرانية تجاه إسرائيل من الأراضي السورية، وهو ما دفع نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريباكوف للقول إن إيران ليست حليفة لموسكو وأن بلاده لا تستخف بأي طريقة بأهمية التدابير التي من شأنها ضمان أمن قوي لإسرائيل، وهي من أهم أولويات روسيا، لكن حصر الصراع بين الطرفين بالملف الإسرائيلي قد لا يشرح المشهد بأكمله.
قد يصح وصف التنافس الإيراني الروسي في سوريا بأنه صراع داخل الجبهة الواحدة، إذ إن كلا البلدين حتى اللحظة لم ينجح برغم كل التناقضات التي تحيط بهما في إيجاد شريك آخر ومناسب بذات الأهداف يمكنه استبدال الآخر به.
هو ائتلاف أكثر منه تحالف، فرضت الظروف والخصوم المشتركين عليه أن يتطور إلى تعاون استراتيجي بالإكراه، لكنه أمر واقع لا يمكن لكلا الطرفين التخلي عنه، على الأقل حتى تغيّر أسبابه.
كل ما سلف يعزز تضاد المصالح الذي ينعكس صراع نفوذ على الساحة السورية الداخلية، فيتجلى تسابقا على التأثير داخل النظام، من رأسه إلى القواعد الشعبية وحرب التأثير عليها من خلال وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي.
التزاحم يتجلى على مستوى التعيينات داخل الجيش والقوى الأمنية، وفي التسابق على قطع الطرقات أمام الطرف المقابل لتثبيت النفوذ داخل مؤسسات الدولة بشكل خاص، بل وحتى إلى قيام إيران بما يشبه تهريب الأسد إليها بعيدا عن أي تسريب مسبق في زيارة رسمية كي تنجح بالتقاط صور له مع القادة الإيرانيين في طهران دون أن يؤدي تدخل روسي إلى إفشالها.
ويقول مصدر سوري مطلع لـ”بي بي سي” إن رأس جبل جليد الخلاف يتمحور حاليا حول نقطتين: الأولى، مشروع سكة الحديد الواصل بين إيران وسوريا عبر العراق، والذي يمر في محافظة دير الزور حيث حصل الإستنفار الأخير، والثانية، استلام إيران لمرفأ اللاذقية الذي سيكون المحطة الأخيرة في مسار السكة الحديدية.
وكان مدير شركة خطوط سكك الحديد الإيرانية سعيد رسولي قد أكد قبل أيام فقط وخلال لقاء مع نظيريه السوري نجيب الفارس والعراقي جواد كاظم أن خط السكك الحديدية سينطلق من ميناء الإمام الخميني في إيران مرورا بشلمجة على الحدود العراقية ومدينة البصرة العراقية ليصل إلى ميناء اللاذقية.
الوجود الإيراني على البحر المتوسط مصدر قلق بالنسبة لروسيا التي تريد أن تكون صاحبة القوة الرئيسية على الساحل الشرقي للمتوسط وهو ما يضمنه لها مرفأ طرطوس الذي استأجرته لمدة 49 عاما قابلة للتجديد.
ورغم أن إيران حصلت على حق التشغيل التجاري حصراً لمرفأ اللاذقية أواخر العام 2018 إلا أن مجرد وجود إيران هناك يشكل قلقا لروسيا التي تملك قاعدة عسكرية قريبة من المرفأ في حميميم وهو ما قد يعرّض قواتها للخطر في حال حدوث أي توتر كبير بين إيران وإسرائيل أو بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، وإلى جانب هذا يقول المصدر السوري إن روسيا تفضّل أن يكون مرفأ اللاذقية مع الصين بدلا من إيران.
نقطة ثالثة قد تكون أيضا جزءا من مسببات التوتر مرتبطة بالحضور العسكري العضوي الإيراني من خلال فصائل سورية دربتها طهران وهي تعوّل أن تكرر بها تجربة حزب الله في لبنان والحشد الشعبي في العراق.
وبحسب المعلومات فإن عدد هذه القوات يزيد عن 15 ألفا وجرى تدريبها لتندمج لاحقا في القوات المسلحة السورية، وهذا ما يدق بالنسبة لروسيا ناقوس الخطر لأنه سيعني أن بقاء إيران في سوريا سيكون بلا سقف زمني حتى ولو سحبت طهران ضباطها وحزب الله وكل الفصائل العراقية والباكستانية والأفغانية التي جاءت بها إلى البلاد في أوقات سابقة.