تستضيف دول الجوار السوري (تركيا والأردن ولبنان) 5,2 مليون لاجئ سوري، الأمر الذي باتت السلطات في هذه الدول تعتبره “عبئا”، مع إتمام الحرب السورية عامها الثامن، من دون أي بوادر لنهاية عبر حل سياسي قريب، وبالتالي لا حلول “كريمة” لهذه الأزمة في المدى المنظور.
ووثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقرير نشرته مؤخرا اختفاء ما لايقل عن 638 لاجئا عادوا إلى سوريا بصورة قسرية،
وقالت إن نظام الأسد “لايزال يشكل تهديدا عنيفا بريريا، وأن على اللاجئين السوريين عدم العودة مطلقا إلى سوريا”.
وتسبّبت الحرب السورية بتشريد ملايين المواطنين، وتستقبل تركيا العدد الأكبر منهم ويقدر بنحو 3,6 ملايين مواطن، فيما تستضيف لبنان، وفق السلطات، 1,5 مليون سوري، بينما تفيد الأمم المتحدة عن وجود نحو مليون مسجلين لديها، وتقول السلطات الأردنية إن هناك نحو 1,3 مليون سوري على أراضيها، بينما تفيد سجلات الأمم المتحدة بوجود أكثر من 661 ألفا.
وفيما تحذر منظمات دولية وباحثون مواكبون لملف اللجوء من تداعيات التضييق على السوريين خصوصا في لبنان وتركيا، لا تشهد الأردن حملات منظمة، لكن الخطاب السياسي لا يختلف عما هو عليه في البلدين الآخرين لناحية تحميل اللاجئين مسؤولية الجمود الاقتصادي وتراجع فرص العمل.
ويقول مدير الأبحاث في معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية في بيروت ناصر ياسين المشرف على أبحاث تتعلق باللاجئين السوريين في المنطقة لوكالة فرانس برس، “في غياب حلول واضحة المعالم لعودة اللاجئين السوريين بأعداد كبيرة الى سوريا، تزداد الحملات ضدهم لخلق ضغوط عليهم أكثر وأكثر حتى يعودوا أدراجهم”، ومرد هذه الحملات في جزء منها إلى أنّ “الأزمة طالت، إذ مرّ على اللجوء السوري ثماني سنوات، وباتت البلدان المجاورة لسوريا تعاني من إنهاك”.
وقالت منظمات حقوقية سورية ودولية إن السلطات التركية رحّلت مئات اللاجئين السوريين مؤخرا في إطار حملة بدأتها ضد الهجرة غير الشرعية في اسطنبول.
حيث شددت يلديز أونين من حملة “كلنا لاجئون” في تركيا لوكالة فرانس برس على أن “إرسال السوريين إلى بلد لا يزال في حالة حرب.. يضع هؤلاء أمام خطر مميت”. وتقول إن “البيئة العدائية تجاه السوريين التي ساءت مؤخرا في ظل توافق الأحزاب السياسية والإعلام على أن السوريين هم أساس المشاكل” في البلاد، من شأنه أن “يفتح الطريق أمام إجراءات مُعدة لجعل حياة المهاجرين أكثر صعوبة”.
وأفادت دراسة نشرتها جامعة قادر هاس في اسطنبول الشهر الماضي الماضي أن نسبة الأتراك المستائين من وجود السوريين ارتفعت من 54,5 بالمئة إلى 67,7 بالمئة عام 2019.
ويرجّح مراقبون أن تكون الإجراءات التركية مرتبطة بمساهمة وجود اللاجئين في خسارة حزب “العدالة والتنمية” الحاكم في الانتخابات البلدية الأخيرة، ما جعله تحت ضغوط سياسية داخلية يسعى لتجاوزها.
وتنفي الحكومة التركية قيامها بعمليات ترحيل. وتقول إن اسطنبول التي تؤوي 547 ألف سوري مسجلين لم تعد تستوعب عددا أكبر، مؤكدة أن عودة نحو 338 ألفا منذ بدء الحرب تمت “طوعا”.
أما في لبنان، ينظم الأمن العام الذي لا يخفي تعاونه مع المخابرات وأجهزة الأمن السورية رحلات عودة جماعية للاجئين السوريين، يصفها بالـ”طوعية”، تمّت بموجبها إعادة أكثر من 325 ألف لاجئ إلى سوريا، وفق بياناته. لكن منظمات إنسانية ترجّح أن عدد العائدين أقل بكثير، وتتحدث عن توثيق حالات ترحيل “قسرية”، الأمر الذي تنفيه السلطات بالمطلق رغم الأدلة الموثقة لقيامها بالترحيل القسري وخصوصا للنشطاء والعسكريين المنشقين عن الجيش العربي السوري.
ففي منطقة عكار شمالا، أقدمت قوة من الجيش اللبناني قبل فترة على هدم جدران إسمنتية لأكثر من 350 خيمة خلال مداهمة تجمعات عشوائية للاجئين، وأوقف عشرات الأشخاص لعدم حيازتهم أوراق إقامة قانونية، وفق ما وثقت منظمات حقوقية وإنسانية.
قبل ذلك، أرغمت السلطات اللبناية اللاجئين في بلدة عرسال منذ مطلع حزيران/يونيو على هدم أكثر من 3600 غرفة إسمنتية بنوها لتحلّ مكان الخيم. في الوقت ذاته، تلاحق وزارة العمل منذ أسابيع العمالة الأجنبية غير القانونية، في حملة تقول إن هدفها حماية اليد العاملة المحلية، لكن ناشطين يدرجونها في خانة الضغوط على السوريين لطردهم.
ويتزامن ذلك كلّه مع خطاب سياسي يحمّل اللاجئين المسؤولية عن المشكلات الاقتصادية في لبنان. حيث يقول ياسين “من السهل توجيه أصابع الاتهام إليهم واستخدامهم ككبش محرقة” إن في تأزم الوضع الاقتصادي أو ارتفاع معدلات البطالة والتدهور البيئي وغيرها، “لكن هذه كلها مبالغات هائلة”.
أما في الأردن، لا يزال السوريون بمنأى نسبيا عن حملات الضغط الذي تصفه منظمة هيومن رايتس ووتش بأنه “غير شرعي”. إلا أن عمّان وعلى لسان المتحدث باسم وزارة التخطيط والتعاون الدولي، عصام المجالي، تعتبر أن أزمة اللجوء تسبّبت “بالعديد من الأعباء والتحديات” وأدت إلى “زيادة الضغط على أمن المملكة وتماسكها الاجتماعي”.
وتقدر السلطات الأردنية كلفة الأزمة السورية حتى نهاية العام 2018، بـ12 مليار دولار. ومنذ افتتاح معبر نصيب مع سوريا صيف العام الماضي، عاد نحو 25 ألف لاجئ مسجلين، وفق المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في الأردن.
وتجمع منظمات دولية وحقوقية على أن البيئة في سوريا غير مهيئة لاستقبال الهاربين العائدين، في ظل تقارير عن اعتقالات وسوق للتجنيد الإلزامي، عدا عن الوضع الاقتصادي المتدهور ودمار البنى التحتية. حيث يقول ياسين “لا تزال شروط العودة غير حاضرة” مع الخشية من “الاضطهاد والهواجس الأمنية”. ويضاف إلى ذلك تحدي إعادة الإعمار، إذ إن “أكثر من نصف اللاجئين السوريين في المنطقة يقولون إن منازلهم مدمرة أو غير قابلة للسكن”.