شهدت مدينتا رأس العين وعين العرب في محافظتي الحسكة وحلب تطورات ميدانية غير مسبوقة، حيث انسحب مقاتلو قوات سوريا الديموقراطية بشكل كامل من المدينتين المحاصرتين من قوات الجيش التركي والجيش الوطني السوري بموجب اتفاق أمريكي تركي لوقف إطلاق النار.
ونص الاتفاق توصل إليه نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس في أنقرة يوم الخميس الفائت مع الرئيس رجب طيب أردوغان على “تعليق” كل العمليات العسكرية في شمال شرق سوريا خلال 120 ساعة يفترض أن تنتهي يوم غد الثلاثاء، على أن ينسحب المقاتلون الكرد من “منطقة عازلة” بعمق 32 كيلومترا، لم يتم تحديد طولها.
ومن المفترض، وفق الاتفاق، أن تتوقف العملية العسكرية التركية التي بدأت في التاسع من تشرين الأول/أكتوبر، “نهائيا ما إن يتم إنجاز هذا الانسحاب”.
وكانت أكثر من خمسين سيارة بينها سيارات إسعاف قد غادرت مدينة رأس العين يوم أمس الأحد منطلقة من مستشفى في المدينة يشكل خط تماس بين القوات التركية وحلفائها من جهة وبين قوات سوريا الديموقراطية من جهة ثانية.
وقد ضمت القافلة شاحنات صغيرة من طراز بيك آب، أقلّت عشرات المقاتلين بلباس عسكري معظمهم جرحى ومصابين وعبرت قرب نقاط لمقاتلي الجيش الوطني السوري الذين أطلقوا هتافات احتفالا بالانسحاب، وقد شوهدت ألسنة النيران تتصاعد من المستشفى بعد وقت قصير من انطلاق القافلة منه.
من جهته، قال المتحدث باسم قوات سوريا الديموقراطية، كينو كبريئل، في بيان له “في إطار اتفاق الوقف المؤقت للعمليات العسكرية مع الجانب التركي وبوساطة أمريكية، تمّ اليوم إخلاء مدينة رأس العين من مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية بشكل كامل. لم يعد لدينا أي مقاتلين داخل المدينة”.
سبق أن قال قائد قوات سوريا الديموقراطية مظلوم عبدي إنه بمجرد انسحاب قواته من رأس العين، سينتهي الانسحاب من منطقة تمتد بين رأس العين وتل أبيض بعمق 30 كيلومترا وبطول حوالى 120 كيلومترا.
ولطالما كرّر مسؤولون أتراك بينهم الرئيس رجب طيب إردوغان أنهم يريدون أن تنسحب الفصائل الكردية من المنطقة الحدودية بطول 440 كيلومترا. وقال مظلوم عن ذلك “لم نقبل بها ولم يُؤخذ رأينا بشأنها”.
وفي أول تعليق تركي رسمي، قال أردوغان إن بلاده “تتابع عن كثب” انسحاب المقاتلين الكرد “من المنطقة الآمنة وفق المهلة المحددة في الاتفاق التركي الأمريكي”. كما أوضحت وزارة الدفاع التركية أنه ما من معوقات تعترض تنفيذ الاتفاق، لافتة الى أن عملية الانسحاب تتم بالتنسيق مع الولايات المتحدة.
هذا فيما تبادل الطرفان الاتهامات بخرق اتفاق وقف إطلاق النار، حيث أعلنت وزارة الدفاع التركية يوم أمس الأحد مقتل جندي تركي وإصابة آخر بجروح في هجوم بأسلحة خفيفة ومضادة للدبابات نفّذه “إرهابيون أثناء مهمة استطلاع ومراقبة” في منطقة تل أبيض الواقعة على بعد أكثر من مئة كيلومتر غرب رأس العين.
كما وثق المرصد السوري لحقوق الإنسان إقدام مجموعة من الجيش الوطني السوري على إعدام ثلاثة أشخاص كانوا متوارين في حي الصناعة داخل رأس العين، يشتبه أنهم كانوا يخططون لتنفيذ تفجيرات في المدينة.
وفي تغريدة على تويتر، نقل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن وزير الدفاع مارك إسبر أن “وقف اطلاق النار صامد”، لافتا إلى أن “الكرد يعيدون انتشارهم في مناطق جديدة”.
وردت الإدارة الذاتية الكردية في بيان على “تصريح ترامب الأخير بأنه تم إسكان الكرد في مناطق جديدة”، معتبرة أنه “يفتح المجال أمام التطهير العرقي الذي يهدف الأتراك له”.
هذا فيما انسحبت قوات أمريكية من قاعدة لها على أطراف المنطقة العازلة التي تعمل أنقرة على إنشائها، حيث شوهدت أكثر من سبعين مدرعة وسيارة عسكرية ترفع العلم الأمريكي وتعبر مدينة تل تمر، بينما كانت مروحيات برفقتها تحلق في الأجواء، حيث قوبلت القافلة برشقات من الحجارة من الأهالي الغاضبين بسبب الانسحاب الأمريكي.
وقد أخلت القافلة مطار صرين، القاعدة الأكبر للقوات الأمريكية في شمال سوريا، وهي القاعدة الرابعة التي تنسحب منها خلال نحو أسبوعين، فيما لا يزال الأمريكيون يحتفظون بقواعد في محافظتي دير الزور والحسكة، بالإضافة إلى قاعدة التنف جنوبا.