واشنطن تبلور استراتيجية جديدة لعزل النظام السوري وعرقلة دعمه سياسيا واقتصاديا

كشفت صحيفة الشرق الأوسط خلال تقرير لها عن تبلور ملامح استراتيجية أمريكية تجاه النظام في سوريا، تتضمن سلسلة من الإجراءات العسكرية والسياسية والدبلوماسية والاقتصادية والتشريعية لـ”وضع النظام في صندوق...
الضابط المنشق سيزر خلال شهادة له في الكونغرس الأمريكي - أيلول 2014

كشفت صحيفة الشرق الأوسط خلال تقرير لها عن تبلور ملامح استراتيجية أمريكية تجاه النظام في سوريا، تتضمن سلسلة من الإجراءات العسكرية والسياسية والدبلوماسية والاقتصادية والتشريعية لـ”وضع النظام في صندوق العزلة لسنوات”، على أن يكون منتصف حزيران/يونيو المقبل موعداً فاصلاً في ذلك، جراء بدء تنفيذ “قانون قيصر” الذي يفرض عقوبات صارمة على أي جهة سورية أو غير سورية تساهم في عملية إعمار البلاد.

وقالت الصحيفة إنه خلال شهر حزيران المقبل ستجرى ثلاثة مواعيد تتكثف فيها حملة الضغوطات على النظام السوري: الأول بدء تنفيذ “قانون قيصر”، والثاني انعقاد مؤتمر المانحين في العاصمة البلجيكية بروكسل الذي سيجدد شروط المساهمة بإعادة الأعمار، والثالث صدام غربي روسي إزاء تمديد قرار تقديم المساعدات الإنسانية عبر الحدود السورية.

وفي المقابل، يكثف النظام، بدعم بري من طهران وجوي من موسكو، حملة لاستعادة طريقين رئيسيين بين حلب ودمشق وبين حلب واللاذقية، لفتح الشرايين الاقتصادية وتخفيف آثار العقوبات والعزلة الدولية، بالتزامن مع حملة دبلوماسية روسية لـ”تطبيع” أوروبي، وإعادة نظام الأسد إلى “العائلة العربية”، والإفادة من قرب موعد الانتخابات البرلمانية السورية في الأسابيع المقبلة، والرئاسية في عام 2021.

ومع اقتراب تقاطع المسارين الأمريكي والروسي، كثفت واشنطن تواصلها باتجاه عواصم أوروبية وإقليمية فاعلة لـ”ضبط إيقاع التحرك” بسبب تطورات سياسية وميدانية، هي: تقدم قوات النظام في ريفي إدلب وحلب، والتغيير في رأس المفوضية الأوروبية، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

وطرقت واشنطن أكثر من باب وعاصمة. ويكرر مسؤولون أمريكيون في تصريحات إعلامية ونقاشات دبلوماسية مع نظرائهم الأوروبيين أنهم لا يريدون “تغيير النظام السوري، بل تغيير السلوك”، وأن ذلك يعني لأمريكا “ألا يكون النظام في سوريا مزعزعة لاستقرار جوارها، أو داعمة للإرهاب، أو مهددة لحلفاء واشنطن في المنطقة”، إضافة إلى “التخلي عن السلاح الكيميائي، والتأكد من تفكيك الترسانة بموجب اتفاق أمريكي روسي تم في نهاية 2013، وتوفير العودة الطوعية الآمنة للاجئين السوريين إلى مناطقهم، وصولاً إلى محاسبة المسؤولين عن جرائم الحرب المرتكبة في سوريا خلال السنوات التسع الماضية”.

والمطلوب أمريكياً، بحسب الصحيفة، “حكومة سورية توفر هذه الشروط”، سواء كانت حكومة حالية أو مستقبلية، مع “إدراك أن الحكومة الحالية لا يمكن أن تقوم بذلك”، في ضوء “سلوك” السنوات الأخيرة لدى اختبار تنفيذ القرار 2118 الخاص بالسلاح الكيميائي، أو القرار 2254 الخاص بالحل السياسي. والخيبة، هنا، لا تقتصر على موقف النظام السوري فقط، بل موقف موسكو أيضاً، ذلك أن “التعاون الروسي الأمريكي لم يؤتِ ثماره سورياً في الإطار السياسي، باستثناء منع الصدام العسكري مع أمريكا، أو غض الطرف عن القصف الإسرائيلي”.

لهذه الأسباب وغيرها، تتجه الأمور تصاعدياً نحو تكثيف الضغوط على نظام الأسد. وباتت في السلة الأمريكية سلة اقتصادية وسياسية ودبلوماسية وعسكرية. وتشمل السلة الاقتصادية فرض تنفيذ “قانون قيصر” بدءاً من منتصف شهر حزيران المقبل، الذي يسهل فرض العقوبات في إطار زمني مستمر إلى خمس سنوات. وبالإمكان الحصول على بعض الاستثناءات الإنسانية أو الطبية، لكن العقوبات ستكون قاسية على أي جهة تساهم في إعمار سوريا، سواء كانت من سوريا أو عربية أو أجنبية. يضاف إلى ذلك دعم العقوبات الأوروبية، إذ ظهر هذا في مسارعة لندن وواشنطن في مباركة آخر قائمة أوروبية ضد عشرة أشخاص وكيانات.

وفي هذا السياق، يُنظر إلى مؤتمر المانحين في بروكسل في سياق تناغم موقف الدول الأوروبية الأعضاء من جهة، وبين بروكسل وواشنطن من جهة ثانية. وبعد تردد المفوضين الأوروبيين الجدد، تقرر عقد مؤتمر المانحين في أواخر حزيران للتمسك بشروط المساهمة في الأعمار التي تشمل تقدماً في عملية سياسية ذات صدقية، وتوفير ظروف عودة اللاجئين والمحاسبة.

كما ينظر أمريكياً إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية في لبنان بصفتها عاملاً إضافياً لتعزيز حملة الضغوطات على نظام الأسد، وخفض قيمة الليرة السورية، وتراجع الجانب المعيشي، و”زيادة شكوى شخصيات نافذة في دمشق”.

وسياسياً، ستواصل واشنطن علاقاتها مع المعارضة السياسية، والاتصال مع النازحين واللاجئين السوريين لـ”تعزيز الصفوف”، إضافة إلى التنسيق مع الدول الداعمة للمعارضة، ضمن “المجموعة الصغيرة” التي تضم مصر والسعودية والأردن والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا. وفي السياق الدبلوماسي، تواصل واشنطن اتصالاتها العلنية والدبلوماسية مع دول عربية وأوروبية لـ”منع التطبيع السياسي والدبلوماسي مع النظام”. وفي الجانبين، هناك دعم للعملية السياسة في جنيف لتنفيذ القرار 2254، سواء بالإصلاح الدستوري أو تشجيع المبعوث الدولي غير بيدرسن على البحث عن مداخل جديدة للعملية السياسية السورية، وفتح ملفات المعتقلين والمخطوفين والسجناء و”البيئة المحايدة”.

وأما السلة العسكرية من الضغوطات، فإنها تشمل عدداً من البنود: الأول، استمرار الوجود العسكري شرق الفرات براً، و”الحظر الجوي” لدعم حلفاء واشنطن في قوات سوريا الديمقراطية، ومنع قوات النظام من السيطرة على هذه المناطق، وحرمانها من الموارد الطبيعية، من نفط وغاز ومحاصيل زراعية وسدود للمياه والطاقة. والثاني، استمرار بقاء قاعدة التنف لقطع طريق الإمداد بين طهران ودمشق، وتقديم دعم لوجيستي للعمليات الخاصة بالتحالف أو إسرائيل. والثالث، تقديم دعم استخباراتي ودبلوماسي لتركيا في مناطق نفوذها، ومواجهة قوات الحكومة وروسيا في إدلب، والبحث في إمكانية الاستثمار في الفجوة بين موسكو وأنقرة جراء إدلب. والرابع، “مباركة الغارات الإسرائيلية على مناطق مختلفة في دمشق وجوارها”، ذلك أن الاعتقاد في واشنطن أن “حملة الضغوط وإبقاء دمشق بالصندوق تعطي مجالاً لإسرائيل لشن غارات لتقويض النفوذ الإيراني في سوريا”.

وأشارت الصحيفة إلى أن من يعرف “النظام العميق” في واشنطن يشير إلى أن العقوبات الاقتصادية هي بمثابة “مصعد يسير إلى أعلى فقط، ومن الصعب إنزاله”، ما يعزز الاعتقاد بأن الحملة الأمريكية ذات الأذرع الأربعة سترمي النظام في سوريا في “صندوق العزلة”، بانتظار “تغيير يأتي بعد سنوات، ما لم تحصل مفاجأة سورية أو تفاهم روسي أمريكي” ينهي الأزمة السورية بحلول غالبا ما ستكون موجعة لجميع الأطراف ولكن لابد منها لإنهاء الصراع السوري الذي طال لفترة أكبر مما يستحق وخلف أوضاعا سياسية واقتصادية وإنسانية لا يمكن إصلاحها بسهولة.

أقسام
من الانترنت

أخبار متعلقة