تشهد محافظة إدلب هدوءًا نسبيًا سببه الغياب التام لتحليق الطائرات الحربية عن أجوائها منذ دخول وقف إطلاق النار الذي أعلنته موسكو وأنقرة حيز التنفيذ، فيما سقط قتلى وجرحى من قوات النظام جراء انفجار حقل ألغام أثناء محاولتهم التسلل على محور المشاريع في سهل الغاب بريف حماة الغربي كما أسر مقاتلو فصائل المعارضة عنصرا من قوات النظام وجدوه مختبئا في كفرعويد.
وبدأت عند منتصف ليلة يوم أمس الجمعة هدنة أعلنها الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان إثر لقاء طويل جمعهما في الكرملين، في محاولة لوضع حد لهجوم تتعرض له المنطقة منذ مطلع كانون الأول/ديسمبر، دفع بنحو مليون شخص إلى الفرار، في أكبر موجة نزوح منذ اندلاع الثورة السورية قبل تسعة أعوام.
من جهته، أعرب بشار الأسد عن “ارتياحه” للهدنة، فيما رفضت مليشيا حزب الله اللبناني وحركة النجباء العراقية والحرس الثوري الإيراني الاتفاق وحاولوا خرقه مرارا عبر القصف المدفعي والصاروخي.
ويوم أمس الجمعة، دارت “اشتباكات متقطعة مع تبادل لاطلاق النار ثم توقفت”، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان الذي أحصى مقتل ستة عناصر من قوات النظام مقابل تسعة من فصيل الحزب التركستاني الاسلامي، الذي يضم غالبية من المقاتلين الصينيين من أقلية الأويغور ويقاتل الى جانب هيئة تحرير الشام.
وقد نصّ الاتفاق الروسي التركي على تسيير دوريات مشتركة بدءاً من 15 آذار/مارس، على مسافة واسعة في محيط طريق “إم فور” الدولي الذي يربط محافظة اللاذقية بمدينة حلب. ويتطلع الطرفان إلى إنشاء “ممر آمن” بمسافة ستة كيلومترات على جانبي الطريق، ما يعني ضمنياً منطقة عازلة بطول 12 كيلومتراً.
ورغم تعهد الرئيسين بأن يكون اتفاق وقف إطلاق النار “مستداماً” وأملهما أن “يوقف معاناة المدنيين”، إلا أن السكان لا يعلّقون آمالاً كبيرة عليه.
وفي مخيم للنازحين قرب بلدة كفرلوسين الحدودية مع تركيا، قال نازح من ريف حلب الغربي لوكالة فرانس برس “عن أي هدنة يتحدثون؟”. وأضاف “لا ثقة لدينا بالنظام وروسيا بشأن وقف إطلاق النار رغم اعتقاد الناس أنه صادق.. فالنظام في كل مرة يستهدف التجمعات ويرتكب المجازر”.
وتظاهر العشرات في بلدة كفرتخاريم في ريف إدلب الشمالي الغربي أمس الجمعة احتجاجاً على عدم تضمن الاتفاق عودة النازحين إلى منازلهم.
وأمل الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس أن يؤدّي الاتّفاق إلى “وقف فوري ودائم للعمليات القتالية” بعدما تحمل السكان “معاناة هائلة”. كما رحب برنامج الأغذية العالمي بالاتفاق، منتقداً في الوقت ذاته عدم تضمنه إرساء “منطقة آمنة للنازحين المدنيين”.
وتسبّب الهجوم الذي شنته قوات النظام بدعم روسي منذ مطلع كانون الأول/ديسمبر ضد مناطق سيطرة المعارضة في إدلب ومحيطها بالكارثة الإنسانية الأسوأ منذ اندلاع الثورة السورية، مع نزوح حوالي مليون شخص وفق الأمم المتحدة. وأودى القصف بحياة نحو 500 مدني.
ولا يعد وقف إطلاق النار الحالي الأول في إدلب التي تعرضت خلال السنوات الأخيرة لهجمات عدّة شنتها قوات النظام بدعم روسي وسيطرت خلالها تدريجياً على أجزاء واسعة من المحافظة. ومع تقدمها الأخير في جنوب إدلب وغرب حلب، بات قرابة نصف مساحة المحافظة تحت سيطرة قوات النظام ومليشيا حزب الله اللبناني وحركة النجباء العراقية والحرس الثوري الإيراني.
وتوتّر الوضع في إدلب الأسبوع الماضي إثر مقتل 34 جندياً تركياً بضربة جوية نفذها طيران الجيش العربي السوري. ومنذ مطلع شباط/فبراير، تجاوز عدد القتلى من الجنود الأتراك عتبة الخمسين في إدلب، في أكبر حصيلة قتلى تكبدتها أنقرة منذ بدء تدخلها في سوريا عام 2016.
وردّت أنقرة على مقتل جنودها بقصف مواقع لقوات النظام بالمدفعية وطائرات مسيّرة موقعة مئات القتلى. كما قررت فتح حدودها مع اليونان، ما تسبب بتدفق آلاف اللاجئين والمهاجرين نحو الحدود وأثار غضب دول الاتحاد الأوروبي التي اتهمتها بمحاولة “ابتزازها”.
وبموجب اتفاق أبرمته مع روسيا في أيلول/سبتمبر 2018 في سوتشي، تنشر تركيا 12 نقطة مراقبة في إدلب، باتت ثلاث منها على الأقل محاصرة من قبل قوات النظام. وأرسلت خلال الأسابيع الأخيرة تعزيزات عسكرية ضخمة دعماً للفصائل في تصديها لقوات النظام.
وقال أردوغان إن بلاده تحتفظ “بحق الرد بكل قوتها وفي كل مكان على أي هجوم” تشنه قوات نظام الأسد. وأوضح في تصريحات نقلتها يوم أمس الجمعة صحيفة “حرييت”، أنّ “نقاط المراقبة الـ12 ستبقى كما هي، في الوقت الحالي التغيير ليس مطروحاً”.
وتضمّن اتفاق سوتشي إنشاء منطقة منزوعة السلاح لم يتم استكمال تطبيقها، ونصّ كذلك على إعادة فتح الطريقين الدوليين إم 5، الذي سيطر عليه الجيش العربي السوري ومليشيا حزب الله اللبناني وحركة نجباء العراقية والحرس الثوري الإيراني مؤخراً ويمر في إدلب ويربط مدينة حلب بدمشق وصولاً إلى الحدود الجنوبية، وطريق إم 4 الذي يربط محافظة اللاذقية بمدينة حلب ويريد النظام ضمان أمنه.
ويشكل الطريقان متنفساً للنظام كونهما يربطان أبرز المناطق الواقعة تحت سيطرته، ومن شأن السيطرة عليهما أن تدور عجلة الاقتصاد وعملية نقل البضائع والركاب.