مخاض عسير

ما تشهده الثورة السورية من مخاض عسير وخاصة الاختلاف الداخلي الذي يصل أحيانا إلى مرحلة الاقتتال، يؤكد أننا لم نستطع الانتقال بالثورة إلى مرحلة الأمان بعد مرور قرابة عشر...
علم الثورة السورية

ما تشهده الثورة السورية من مخاض عسير وخاصة الاختلاف الداخلي الذي يصل أحيانا إلى مرحلة الاقتتال، يؤكد أننا لم نستطع الانتقال بالثورة إلى مرحلة الأمان بعد مرور قرابة عشر سنوات على انطلاقها.

الثورة السورية التي قام بها السوريين وكان شعارها الشعب السوري واحد دون النظر إلى اللون والدين الطائفة تعيش اليوم مرحلة خطيرة فالمهم والأصعب ليس فقط إزالة النظام ورموزه؛ بل هو إدارة مسار الثورة لتصل إلى غاياتها وأهدافها.

انطلقت من القامشلي رؤية سياسية تحت مسمى جبهة السلام والحرية ضمت مكوناتها تيار الغد السوري والمجلس العربي في الجزيرة والفرات والمجلس الوطني الكردي والمنظمة الآثورية الديمقراطية وكان الهدف تأطير العمل السياسي ضمن صيغة توافقية لإنقاذ سوريا من ويلات حرب دخلت عامها العاشر.

أهم البنود الواردة في البيان السياسي وفي كلمة الشيخ أحمد الجربا أكدت على الحل السياسي وفق القرارات الدولية والالتزام به ونظام ديمقراطي ضمن إطار اللامركزية ومحاربة الإرهاب والتعاون مع الأطياف العاملة في المجال السياسي والمتواجدة على الساحة.

السؤال الأساسي هل نحن بحاجة إلى هذه المبادرة وخاصة في هذه المنطقة التي تسيطر عليها قسد وتستفرد بثرواتها النفطية والحيوانية والزراعية والمائية والتي تشكل أهم مصدر للاقتصاد بالإضافة إلى الهيمنة السياسية والإدارية. هل هناك مشروع سابق لهذه المنطقة صدر عن الائتلاف أو أي جهة سياسية في مواجهة مشروع قسد وامتدادها الثقافي والتعليمي.

اليوم بعد عشر سنوات من المعاناة بالإضافة إلى إهدار الفرص الكثيرة تحتاج المنطقة إلى قرارات جريئة وشجاعة في ظل انسداد أفق سياسي وغياب آفاق الحلول مما يتطلب مشروع سياسي جديد وتجربة غير مسبوقة تزرع ثقافة التنوع للتأثير إيجابيا والمشاركة في رؤية مغايرة للبحث وعن حل يتوافق عليه الجميع.

أعتقد أن المشروع الحالي يقطع الطريق تماما على الحركات الانفصالية ويؤكد أن ثقافتنا الوطنية تتسع لجميع مكونات الشعب السوري وكل الأحزاب والتيارات والأيديولوجيات ووجهته سوريا الواحدة الموحدة أرضا وشعبا وحاضنة لهويتنا الوطنية التي تستوعب جميع الثقافات وتحترم التعددية الملتزمة باحترام خصوصية الوطن وهذا يتطلب مشروع يؤطر هذه المكونات لتصبح جزء لا يتجزأ من الثقافة الوطنية السورية وأي تغريد خارج هذا السرب تعتبر نقيضا لهويتنا وثقافتنا ووجودنا حقيقة هي معركة من أشرس المعارك يخوضها السوري لأن رحاها تدور في الداخل وبين أبناء البلد والبناء ليس أماني وأحلام؛ بل هو فعل وقوانين وأنظمة تترجم على أرض الواقع ليتمكن السوري من بناء دولته السورية الحديثة.

الحوار في منطقة شرق الفرات يشكل محورا أساسيا لانطلاق الحوار على كافة الأراضي السورية في حال نجاحه، وهو بأيدي السوريين، والجميع يدرك أهميته وسيكون منعكسه إيجابيا على المنطقة وعلى الجغرافية السورية بأكملها وسيفكك التناقضات ويصوب مسارها ويؤسس لمرحلة جديدة أهمها توظيف القوة لمواجهة التحديات المستقبلية.

المبادرة ترفع الغطاء عن كل التنظيمات والتشكيلات السياسية والعسكرية الموجودة بالمنطقة وتصوب الأخطاء وتبني تحالفات مع كامل المكونات على أساس التوافق والمشاركة السياسية والعيش المشترك والحقوق والواجبات وتفتح فضاءا سياسيا جديدا بدلا من صراعات دامية نتيجة تفرد جهة واحدة. وتضع الجميع أمام استحقاق المستقبل وضمن إطار القرارات الدولية وتقضي على خوف أطراف الصراع في المنطقة في حال انتصار طرف وهزيمة طرف آخر وتوضح شكل المستقبل السياسي ضمن الإطار الدستوري الذي يقبل به الشعب بالإضافة إلى استراتيجية المواطنة وحقوق كل فرد من أفراد الشعب السوري والابتعاد عن قافة الكراهية والتحريض وخاصة الأطراف المدعومة خارجيا.

من أهم البنود التي تعرضت للنقد هو اعتماد أسلوب اللامركزية لإدارة الحكم ويجب أن نعلم أن أسلوب إدارة الحكم يحتكم إلى الدستور وأن تحديد الشكل والتصميم المناسبين للامركزية يعود لواضعي الدستور الذي سيطرح على الاستفتاء الشعبي وهي الحالة التي تقرر أن نجاح اللامركزية لا يعتمد على أطراف الصراع ومعطياته بل هو مهمة المشارك ومدى إخلاصه لوطنه والتزامه ببناء سوريا الحديثة بعيد عن المفاهيم الضيقة للاختلافات السياسية.

المبادرة قضت على نمطية نظام الأسد الذي أسس منظومة فكرية ترفض الرأي الآخر والتشاركية، واحتوت المبادرة الجميع باختلاف مرجعياتهم، وهدفها الحفاظ على ثقافة التنوع والسلم والسلام بأنه منارة العمل السياسي وإدراكاته من الناحية النظرية والعملية وتعزز الثقة.

وضوح قضيتنا الوطنية ظاهر لكل المكونات ورغم وضوح معادلاتها فإن اختلاف النظريات لا يزال حتى اليوم خاضعا لأنماط سفسطائية من التفكير ومن اتخذ موقفا سالبا تخوينيا من المبادرة يؤكد دائما بمناسبة وغيرمناسبة أنه يعيش ضمن مربعات صغيرة ويتيه في حسابات خاطئة ويعبر من خلال تناقضات كثيرة عن الجانب الهزيل من مشهد معارض أصبح اليأس حليفه فهناك فارق كبير بين النقد والتخوين التناقضات الموجودة في المجتمع السوري بكافة أشكالها الفكرية والعرقية إذا كانت شاهدة على غنى التنوع في المجتمع السوري فهي في الوقت نفسه رغم عمقها أو هشاشتها لا يجب أن تكون ذنب يحمله السوري على كتفه ويدفع ثمنه على مدار زمن طويل ولا أن يؤخذ بجريرته نتيجة مزايدات رخيصة أو تحت بنود وذرائع يستند عليها كل من يحمل نفسا أمارة بالسوء لتصبح القضية متكررة بالمواقف السورية من أي مبادرة و خاصة بالنسبة لمن يغيب عن وجدانهم مبدأ الشراكة و الروابط الوطنية الصادقة ولا يهمهم إلا التنظير بأنهم المدافعين والغيورين.

تخوض المبادرة معركة النسيج الوطني ومعركة الدفاع عن الثوابت والقيم ومقدرات الوطن ومعركة ضد الانفصاليين، فشعبنا اليوم بحاجة إلى من يجبر كسره ويمسك بيده.

د. محمد حاج بكري

أقسام
مقالات

أخبار متعلقة