المجتمع المدني والدولة.. العلاقة بينهما

مقالات
58
0

وقع خلاف كبير بين منظري ومفكري المجتمع المدني الغربيين، وكذلك بعض المثقفين العرب حول طبيعة العلاقة بين الدولة ومؤسسات المجتمع المدني، فهناك من أراد لمؤسسات المجتمع المدني أن تكون تحت سيطرة الدولة وتتحرك ضمن “أجندتها”؛ في حين ذهب فريق آخر إلى أن مؤسسات المجتمع المدني يجب أن تتمتع باستقلالية عن هيمنة الدولة حتى تستطيع أن تقوم بوظيفتها.

وإننا نرى أن المحدد الرئيس لشكل العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني هو الدولة ذاتها، فإذا كانت الدولة تقوم في سياستها على نظام مؤسساتي وشكل ديمقراطي؛ فإن مؤسسات المجتمع المدني هي داعمة ومساعدة للدولة نفسها، وصلة الوصل بينها وبين المجتمع، أما إذا كانت الدولة ذات نظام شمولي دكتاتوري، يصادر حق الجميع ويغيِّب دور المجتمع، ويوجهه باتجاه فكري واحد، هنا تغدو مؤسسات المجتمع المدني في موقع المعارض الديمقراطي الذي يحق له استخدام كل الأساليب السلمية للحصول على حقوقه، وبالتالي فإن الدولة بممارستها هي التي تحدد علاقتها مع مؤسسات المجتمع المدني.

إذاً ليس من الضروري أن يكون المجتمع المدني هو تكتل معارضة ضد الحكومة وسياستها، وكلما نحت الدولة باتجاه سياسة الاستبداد والشمولية كلما دفعت مؤسسات المجتمع للسير عكس تيارها؛ مع العلم أن تغييب مؤسسات المجتمع المدني هو إضعاف للدولة ذاتها، وإنقاص لشرعيتها، وهذا يعني أن المجتمع كلما كان قوياً كلما كانت الدولة كذلك أمام التحدي الخارجي ومشروعاته والعكس صحيح.

وإن من الأسباب التي دعت مؤسسات المجتمع المدني لتنبعث من جديد ـفي منطقتنا العربيةـ هو سيطرة الأنظمة الشمولية على كل شؤون المجتمع لتشكله حسب أيديولوجيتها الحزبية، بحيث قامت بإنشاء المؤسسات التي تحتاج إليها فقط، وغذتها ووجهتها حسب “أجندتها” حتى أصبحت وسيلة لتحقيق أهدافها لا أهداف المجتمع، فانقرضت الممارسة الديمقراطية رغم رفعها كشعار، وماتت الحرية رغم الادعاء بحياتها.

إن الحقيقة الواضحة تتمثل بأن الأنظمة الشمولية ساهمت في تغييب المجتمع عن القيام بدوره الحقيقي الذي يساعد أي حكومة على إنجاح برامجها، كما حولت أفراده إلى أبواق تردد ما تريده دون أن ينمو ويتقدم سياسياً أو اجتماعياً أو ثقافياً!.

“أصبحت الدولة مؤسسة خاصة توظف سيطرتها المطلقة وتغلغلها في كل ثنايا المجتمع من أجل خدمة مصالح الفئة الحاكمة، وليس من أجل المصالح العامة، وأصبحت تنظر إلى كل حركة أو إشارة من المجتمع المدني على أنها معارضة سياسية ورفض لسلطة الدولة، وبالتالي خصصت القسم الأكبر من مواردها لا لتوفير حاجات المجتمع، وإنما لتعظيم وسائل القضاء عليه”.

وإلى المذهب ذاته ذهب الأستاذ عبد الله ساعف * إذ اعتبر الدولة هي من قامت بتهميش دور مؤسسات المجتمع المدني العربي؛ لبسط سيطرتها حتى لا تتقلص سلطاتها حتى قال:

“إن جوهر مشكلة المجتمع المدني العربي تتركز في انتشار سلطة الدولة في كل مجالات الحياة الاجتماعية، مما يجعل من هذه السلطة أداة مراقبة مستمرة وعائقاً أمام إمكانية تحرر الأفراد واستقلال المؤسسات الاجتماعية. فالدولة العربية تكتسح كل مجالات الحياة المجتمعية في إطار مشروع شمولي لـ”دولنة” المجتمع، ومنع قيام أي حركة تجنيد اجتماعية تحد من سلطاتها. والحقيقة أن ذلك لا يعني في التحليل النهائي تقوية الدولة، فالصلاحيات الواسعة التي تتمتع بها، والمجالات والاختصاصات التي تمتلكها، وطموحاتها الزائدة لاحتلال كل المواقع، إضافة إلى أجهزتها وآلياتها المتنوعة، قد تخفي ضعفاً جوهرياً، ووجوداً هشاً للسلطة. ففي وسط متخلف من المستبعد أن يعني وجود الدولة في كل مكان، أنها بالفعل قوة حقيقية”.

ومن خلال كلام الأستاذ ساعف نستنتج أن الدولة عندما تتغلغل في كل ثنايا المجتمع لبسط سيطرتها وفرض سياستها سيتولد عن ذلك أمران:

الأول: ضعف الدولة ذاتها، وفقدان النظام الحاكم فيها لشرعيته لأن عملية إحكام السيطرة على كل زوايا المجتمع سترهقها كثيراً وستبدد الكثير من طاقاتها التي كان من الواجب صرفها وتوجيهها باتجاه التنمية ورفاهية المواطن.

والثاني: ضعف وتلاشي المجتمع نفسه الذي تحكمه الدولة، حيث سيعيش حالة تبلد ولن يتحرك ليصبح مجتمعاً مبدعاً، مما يؤدي عاجلاً أم آجلاً إلى إصابته بحالة تكلس ينتج عنها إفرازات سياسية واجتماعية واقتصادية كثيرة وخطيرة تهدد الدولة عينها.

وبيّنت الباحثة الدكتورة ثناء فؤاد عبد الله ** النتائج الخطيرة التي نتجت عن سيطرة الدولة على مؤسسات المجتمع المدني العربي فقالت: إن الاستراتيجية التي اتبعتها الدولة من أجل فرض سيطرتها على المجتمع سارت في ثلاثة مسارات:

أولاً: القضاء على المعارضة السياسية أو إضعافها.
ثانياً: إخضاع المؤسسات الاجتماعية من أجل خدمة مصالح الدولة.
ثالثاً: القضاء على الأسس المادية لمؤسسات المجتمع المدني الحديث، كالنقابات المهنية والعمالية والأحزاب السياسية والتنظيمات السياسية والاجتماعية ومؤسسات التربية والدين ووسائل الإعلام.

وبذلك نستنتج أن العلاقة ما بين المجتمع المدني والدولة ليست طردية على طول الخط ولا عكسية دائماً، إنما هي علاقة تكاملية في الدولة المدنية الديمقراطية، ومعارضاتية في الدولة الشمولية الاستبدادية؛ كما أنه “المجتمع المدني” يتمع بدور رائد ومهم في الحروب الأهلية.

بقلم أحمد الرمح كاتب وباحث وعضو تيار الغد السوري

* آكاديمي وقانوني ووزير مغربي سابق

** إعلامية وآكاديمية مصرية

 

 

تعليقات الفيسبوك