باتجاه محاكمة الأسد

في عام 2012، ساعد ديفيد كرين بوضع الديكتاتور الليبيري سيء السمعة تشارلز تايلور وراء القضبان. الآن حول كرين انتباهه إلى سوريا، وبات يشرف على مشروع لتجميع قاعدة بيانات ضخمة من جرائم حرب بشار الأسد.

هل يجوز قتل بشار الأسد؟ “نعم يجوز”، يقول الأستاذ الجامعي ديفيد كرين، “في ظل ظروف معينة”. يسأل أحد طلابه أثناء محاضرة، ثم يجيب على الفور بنفسه، من دون أي انفعال ملحوظ.

كان كرين المدعي العام للأمم المتحدة، ولكن الآن، هو أستاذ في جامعة سيراكيوز في كلية الحقوق في ولاية نيويورك.

كمحام، عندما يرى الأسد، لا يرى كرين وحشاً، ولكنه يرى قضية، وهي قضية يريد أن يعرضها أمام العدالة.

سيراكيوز هي مدينة مؤلفة من 145.000  نسمة في ما يسمى الحزام الصدئ، وهي منطقة صناعية تبعد حوالي أربع ساعات بالسيارة من مدينة نيويورك. جامعة سيراكيوز تحظى بسمعة طيبة، وخصوصا عندما يتعلق الأمر بالقانون.

بعد فترة وجيزة من بداية الحرب الأهلية السورية، أنشأ كرين هناك مكتب المدعين العامين الخاص بالطلاب، جنبا إلى جنب مع أساتذتهم، يستعد الطلاب لليوم الذي سيمثل به بشار الأسد أمام محكمة القانون الدولي بتهم جرائم حرب. سيسمونه مشروع المحاسبة السوري.

ظهور كرين غير ملحوظ  بقميص فاتح اللون وبنطلون صوف رمادي ونظارات داكنة. لكنه يظهر للعيان عندما يتحدث عما يهمه: فرصة لاستخدام الصلاحيات القانونية لمواجهة أهوال لا يمكن تصورها.

في مثل هذه الأوقات، يتحول الأستاذ الودود إلى محامٍ شرس، غير خائف من السفر إلى أكثر الأماكن ازعاجا في العالم.

كان كرين، في عام 2003  قد اتهم أحد أقوى طغاة أفريقيا، تشارلز تايلور، في فريتاون، سيراليون. في عام 2012، حكم على تايلور 50 عاما في السجن، وقد اتهم رئيس ليبيريا السابق بأنه مسؤول عن وفاة أكثر من 100.000 شخص، وهو الآن محتجز في سجن بريطاني، ومن المرجح أنه لن يتركه أبدا.

سجل مفصل

يأمل كرين وطلابه أنه إما الأمم المتحدة أو سورية ما بعد الحرب سيقررون يوما ما إنشاء محكمة خاصة لمحاكمة مجرمي الحرب في هذا النزاع. في الواقع، هم يجمعون الأدلة وكأن هذه المحكمة موجودة بالفعل، مقارنين مصادر من جميع أنحاء العالم، كما أنهم يتحققون من تقارير شهود العيان ويتواصلون مع منظمات حقوق الإنسان. ويخوضون في التقارير الحكومية والمواد الإعلامية على أكمل وجه ممكن. إنهم يحتفظون بسجلات دقيقة لهذه الحرب، ويوثقون كل يوم، وبالتالي يؤسسون المصفوفة الأكثر اكتمالا في العالم عن ارتكاب جرائم الحرب في سوريا. وهي مؤشر عن الأهوال، نسخ محدثة يرسلها كرين بانتظام إلى الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية.

الشباب الذين يبقون مستيقظين طوال الليل للقيام بذلك هم المرشحون للدكتوراه، مثل مولي وايت (24 عاما) من ولاية ميشيغان. حتى عندما كانت طفلة، كانت مفتونة بالسفاحين وهشاشة الحضارة.  مع مشروع المحاسبة السوري، قالت إنها ألهمت بفكرة العمل على شيء “سيغير العالم،” بدلا من أن ينتهي به الأمر في سلة المهملات.

تتكون قاعدة البيانات الآن من 17000 صفحة من الوثائق. من المفترض أن يخيف الجناة، وخاصة أعضاء النظام المسؤولين عن الرعب الشنيع. بحلول ديسمبر كانون الأول عام 2015، سجل المحامون 12252  حادثا، ما يقرب من الثلثين نفذت بشكل واضح من قبل قوات الأسد. لكن قائد الدولة الإسلامية (IS)، وأيضا أعضاء في الجيش السوري الحر (FSA) ومرتكبي الجرائم الآخرين مسجلون بالقائمة.

واحد من كل خمسة جرائم ارتكبها هؤلاء الذين يقاتلون الأسد، ومع ذلك، لا يمكن أن يعزى بشكل واضح لأنه لا الثوار ولا أفراد داعش يرتدون زيا رسميا أو شارات، ولكن يتم القيام بها من جانب جماعات المعارضة.

“ما هو مؤكد أنه ولا طرفا في الحرب بريء”، يقول بيتر ليفرانت، رئيس المشروع ذو ال 29 عاما. عندما يتعلق الأمر بالقانون الدولي، ليس كثيرا عدد الخسائر، وحجم الضرر أو عدد القتلى الذي يهم – ولكن حقيقة أن جريمة حرب قد ارتكبت.

يمتلك ليفرانت حاليا الإصدارات الأولى للوائح الاتهام. أول لائحة لبشار الأسد من 20 صفحة وتشمل “جرائم ضد الإنسانية” و“جرائم حرب”.

في الوثائق، يفصل الطلاب بدقة في 15 مارس 2011، كيف أصدر قائد الحرس الجمهوري في دمشق، سهيل سلمان حسن، أوامر إطلاق النار على المتظاهرين العزل، وكيف أن القائد العام، الرئيس الأسد، كان يوجه هجمات ممنهجة ضد السكان المدنيين – مقسمة حسب اليوم، القرية، المدينة والمنطقة الإدارية.

يكرس الكاتب فصلا عن 130.000 شخصا على الأقل في عداد المفقودين، وأساليب التعذيب المستخدمة من قبل جهاز مخابرات الأسد. تتراوح من كسر العظام إلى حرق الناس أحياء. الطلاب يستخدمون لائحة الاتهام ضد الرئيس الليبيري السابق تايلور كأرضية لهذه الاتهامات ضد الأسد.

كرت ذاكرة مهرب

مكتب كرين صغير موجود في الطابق الثالث من الجامعة، مع رفوف نقوش البلوط، مكتب بسيط بدون نباتات. لا توجد رموز على شهرة أو إنجازات مهنية. في سيراكيوز، يعرفه الجميع- موظفو المقهى، سائق الفندق. وفي العالم الدولي الصغير الذي يطارد مجرمي الحرب، سمعته مشهورة.

منصب المدعي العام للمحكمة الخاصة التابعة للأمم المتحدة المخصصة لسيراليون هي أعلى مرتبة شرف بالنسبة لمحام. عندما أدين تايلور بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية في ما يسمى محاكمات “الماس الدم”، كان يوما عظيما بالنسبة كرين.

قبل مهمته في غرب أفريقيا، عمل كرين لدى وزارة الدفاع الأمريكية لمدة 30 عاما كمستشار قانوني. كان آخر منصب شغله في وزارة الدفاع الأمريكية مسألة حساسة، مدير مكتب سياسة المخابرات والتقييم، التي تقدم المشورة لأجهزة الاستخبارات الأمريكية بشأن المسائل القانونية. عروضه عام 2014 أمام مجلس الأمن والاتحاد الأوروبي أسطورية حول قضية “قيصر”.

قيصر هو الاسم المستعار لمصور عسكري من سوريا. لعدة أشهر، قام بتهريب الأدلة من خارج قسمه وخزنها على كرت ذاكرة، أخفاه في حذائه – صور السجناء الذين تم تجويعهم حتى الموت والذين بدا عليهم التعذيب –. تتضمن ذاكرة التخزين 55000 صورة ل 11000 جثة، تثبت كيف كان الناس “يقتلون بطريقة صناعية” في زنزانات تعذيب الأسد. وإذا أمسك النظام قيصر، لكان واحدا ممن ستظهر صوره.

وقد مررت مواد قيصر في البداية من قبل المتمردين السوريين للحكومة في قطر، وشركة محاماة  كارتر البريطانية استعانت بخدمات كرين نيابة عن القطريين. كخبراء مستقلين، وقد كلف هو واثنين من الخبراء القانونيين الآخرين بتحديد ما إذا كانت الصور أصيلة.

” الصور 100 في المئة حقيقية”، يقول كرين، مضيفا أن قيصر هو أيضا حقيقي. يقول المحامي إنه أمضى أربعة أيام يتحدث مع المصدر. لم يرد قيصر أي مال. وقال إنه لم يستطع تحمل تصوير أكثر من 50 ضحية تعذيب في اليوم الواحد، وعندما ظهر صديق له من بين القتلى في أحد الأيام، قرر الفرار. اليوم، قيصر يعيش في مكان ما في أوروبا بهوية مزيفة.

كرين مقتنع بأن بيانات قيصر تظهر جزء صغير من الحقيقة. وجاءت الصور من ثلاثة مراكز تعذيب في دمشق، ولكن هناك ما يقرب من 50 من هذه المواقع في جميع أنحاء البلاد.

الجرائم الأمريكية

في الكوكبة السياسية الراهنة، خطة كرين ليس لديها فرصة. بينما حلفاء سوريا؛ روسيا والصين صوتوا عدة مرات في مجلس الأمن الدولي ضد إنشاء محكمة جرائم حرب في سوريا. ولكن في شهر آذار/مارس، قرر مجلس النواب الأمريكي الضغط على الأمم المتحدة لإنشاء محكمة خاصة. واقترح عضو الكونغرس الجمهوري كريس سميث استخدام بيانات كرين كأساس لذلك.

حتى الآن، أنهى الطالبان ليفرانت ووايت كتابة خمس لوائح اتهام مع أستاذهم. الآن يريدون أن يكتبوا لوائح اتهام ضد قادة داعش، جبهة النصرة والجيش السوري الحر.

“ليس لدينا أجندة سياسية” يقول ليفرانت، رئيس المشروع. “إن الجريمة جريمة والقانون هو القانون”. حتى إذا وصل الأمر الى لائحة الاتهام، فإنه سيكون من المستحيل معاقبة كل المسؤولين. ولكن سيكون من الممكن استهداف مديري وكبار قادة الوحدات المقاتلة التي شاركت في ارتكاب جرائم الحرب.

يعيش كرين حياة هادئة فعلا كمتقاعد في ولاية كارولينا الشمالية. يمشي في كروم العنب ويعتني بأحفاده. مرة واحدة في الأسبوع يطير الى سيراكيوز لمدة يومين. درس هنا منذ أكثر من 40 عاما، تعليم المدعين العامين كيفية ملاحقة مجرمي الحرب في المستقبل تجلب له السعادة.

كابن ضابط أمريكي، عاش لفترة في جنوب ألمانيا. كان عمره 12 عاما في عام 1962، زار معسكر الاعتقال “داخاو” مع عائلته. “كنت أستطيع أن أشم رائحة الرعب”، قال. تجربة لازمته ودفعته في نهاية المطاف لدراسة القانون.

في ذلك الوقت، كان كرين فخورا بدفاع الأمريكيين عن الحرية في أوروبا، ولكن اليوم، غالبا ما يجد صعوبة في أن يفخر بأمته. كان على وشك مغادرة وزارة الدفاع عندما كان يجري التخطيط لحرب العراق في عام 2002. ويقول إن ”سبب الحرب واحد، النفط”.

ثم هناك قضية تشارلز تايلور. كمدعي عام، تساءل كرين في ذلك الوقت لماذا، على الرغم من العلاقة الممتازة التي تجمعه بأجهزة الاستخبارات الأمريكية، إنه لا يتلقى أي دعم – لماذا، في الواقع، كانت تتم إعاقة تحقيقاته. كما اتضح، تايلور كان يعمل لصالح DIA وكالة الاستخبارات العسكرية فضلا عن وكالة الاستخبارات المركزية، وهم يريدون مواصلة التعاون مع “المتهم”.

كرين الأكثر خجلا من حقيقة أن بلاده لم توقع على النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، ويقتبس من كلام الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش، الذي قال ذات مرة إنه إذا كان هناك جندي أمريكي واحد فقط مضطر إلى الإجابة أمام المحكمة، سوف يتحرك عسكريا ضد هولندا.

يعتقد كرين أنه من الغريب أن كبار مجرمي الحرب في العالم، الولايات المتحدة والصين وروسيا، لم تتم محاسبتهم لأنهم يستفيدون من حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي

حتى الآن، لاحظ عدد قليل جدا مصفوفة جرائم الحرب التي يجري إعدادها في سيراكيوز.  كرين، مع ذلك، لديه خبرة في هذه العملية.

الطريق إلى العدالة، كما يقول، طويل ومليء بالعقبات، لكن يمكن أن يحدث. بعد كل شيء، نجحت العدالة مرة من قبل.

 

دير شبيغل

ترجمة عبدالله ضباب. السوري الجديد

كلمات ذات صلة

الأستاذ الجامعي ديفيد كرين الأمم المتحدة الاستخبارات الأمريكية جريمة حرب مجلس الأمن الدولي مجلس النواب الأمريكي محاكمة الأسد

تعليقات الفيسبوك

اضف تعليق