حادثة الخميس الدامي في مدينة نيس الفرنسية ليست أقل من “كارثة” بكل معنى الكلمة، ليس من حيث عدد الضحايا والتوقيت وحسب.. إنها رسالة قوية صادمة بأن لا أحد آمن، فعندما تصبح شاحنة عادية سلاحاً للدمار الشامل وآلة قتل جماعي شأنها في ذلك شأن الدبابة والطائرة، هذا يعني أن الأمر جد خطير ويستحق التوقف عنده مطولاً.
في ذلك اليوم كان واقع الحال أن الوضع الأمني إلى استقرار، فبعد أكثر من اعتداء إرهابي في فرنسا، والتي كان أكثرها دمويا في الثالث عشر من تشرين الثاني (نوفمبر) في العام الماضي والذي راح ضحيته حوالي 130 قتيلاً في قلب باريس، استطاع الاستنفار الأمني في فرنسا الذي تمثل في فرض حالة الطوارئ، وقيام الجيش بدور الأجهزة الأمنية، إلى حد ما تأمين الجو المناسب لمباريات كأس أوروبا لكرة القدم، والتي تابعها مئات الآلاف من المشجعين في الملاعب، بالإضافة إلى الملايين المتواجين في الشوارع من مشجعي الفرق المشاركة في البطولة.
كما استطاعت الدولة تأمين جادة الشانزليزيه الباريسية أثناء احتفالات فرنسا في يوم عيدها الوطني، لكن مساء نفس اليوم كان دامياً في “نيس” حيث جرت فصول حادث الدهس الإرهابي لعشرات المحتفلين بالعيد الوطني في تلك المدينة الفرنسية الجنوبية، كان معظمهم من الأطفال.
في ضوء ذلك، نطرح السؤال الذي بات يتقدم على كل الأسئلة: هل المعالجة الأمنية والعسكرية وحدها قادرة على مواجهة الإرهاب؟
الكل يتفق على أن مثل هذه المقاربات في التصدي لخطر الإرهاب لها دور في التقليل من عدد العمليات والحد من عدد ضحاياها، لكن من اليقيني والبديهي أنها ليست حلاً جذرياً له.
الكثير من منفذي هذه العمليات الدموية في أوروبا بشكل عام هم شباب يعيشون في دولها، ونسبتهم الساحقة تحمل جنسياتها, تعلموا فيها، أكلوا من طعامها، وتنعموا بخيراتها، ولا مشاكل مادية يواجهونها، ولم يدخلوا معتقلات الأنظمة الدكتاتورية، ولم يعذبوا حدَّ الموت كي يخرجوا شاهرين غضبهم على هذه الدول بمؤسساتها وأجهزتها المختلفة.
بكل الأحوال، حالة هؤلاء الشباب تبقى سؤالاً مطروحاً على المؤسسات المعرفية والأكاديمية الأوروبية قبل غيرها، متنمنين ألا يكون جوابهم مرة أخرى أن الحل يتمثل في إغلاق الحدود وصعود اليمين المتطرف عندهم، مع أن الأمر لا يحتاج إلى الكثير من التنظير ولا حتى إلى التفكير المعمق.
ببساطة، ليس من حلٍ جذري لآفة الإرهاب إلا في معالجة أسبابه الحقيقية، وأولها الموقف الحيادي من الظلم هذا إن لم نتحدث عن مناصرة الظالم ليلاً نهاراً، سراً أو جهراً، وحل النزاعات المسلحة في دول العالم الثالث، ووقف الجرائم البشعة بحق شعوب دولٍ مثل سوريا والعراق وفلسطين، ودعم الخطط التنموية الاقتصادية والاجتماعية لرفع كاهل الفقر والتخلف والأمية عن شعوب يتهددها الجوع والمرض، والنظر إلى شعوبنا على أنها بشر تستحق الحياة، وإلا فإن هذه العدمية، وتفضيل الموت على الحياة ستكون أكثر انتشاراً ولن توقفها حدود أو أسلاك شائكة أو إجراءات أمنية استثنائية.
من نافل القول أن الحال قبل هذه العملية الإرهابية لن يكون كما بعدها، والقادم من الأيام خير برهان!.
أيمن الأسود – عضو الأمانة العامة في تيار الغد السوري