يعدّ الإعلان الأخير بشأن اعتزام الولايات المتحدة التنسيق مع روسيا لاستهداف جبهة النصرة “التابعة لتنظيم القاعدة” بمثابة خطوة أقرب نحو تعاونها مع نظام الأسد.. إن سياسة الولايات المتحدة التي تعتبر قضية إرهاب النصرة وتنظيم الدولة جزء منفصل عن الحرب الأهلية الأكبر في سوريا – في الوقت الذي تعتبر فيه أي تصعيد أو تدخل عسكري ضد نظام الأسد بمثابة حماقة – تؤدي إلى تكتيك التعاون مع أية قوة تحارب الجماعات الإرهابية، حتى لو كان النظام السوري نفسه.
وتخاطر الولايات المتحدة بالانتقال إلى علاقة غير عدوانية وتعاونية إلى حد ما مع النظام السوري لبعض الوقت الآن. وقد استفاد النظام بالفعل من القصف الذي قام به التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، والذي اقتصر على الأهداف الإرهابية. وبالرغم من أن الغرض من الضربات الجوية هو إضعاف تنظيم داعش حتى تتمكن القوات البرية المدعومة من الولايات المتحدة- قوات سوريا الديمقراطية التي يهيمن عليها الأكراد وفي الآونة الأخيرة جيش سوريا الجديد- من استعادة الأرض من التنظيم، إلا أن النظام وحلفاءه يستفيدون أيضا من تلك الضربات الجوية في دفع التنظيم للتقهقر.
واعتبر تحرير النظام لمدينة تدمر، بقيادة مجموعة من القوات الأجنبية المتنافرة بمثابة المثال الأول على الكيفية التي يمكن للضربات الجوية الأمريكية ضد تنظيم داعش مساعدة قوات النظام. حي قد تم توجيه ما يزيد عن 13 ضربة جوية بالقرب من تدمر ضد مواقع التنظيم ما بين 30 أيلول/سبتمبر 2015 وحتى وقت استعادة قوات النظام للمدينة. ووفقا للبنتاجون، كانت الضربات الجوية تتألف من طائرات متعددة تقوم بإطلاق عشرات الأسلحة ضد المباني والمركبات وأنظمة التسليح. ويذكر أن آخر غارة جوية أمريكية قرب المدينة كانت في 24 آذار/مارس، قبل ثلاثة أيام فقط من استعادة قوات النظام للمدينة بالكامل.
وكانت تجري هذه الضربات بينما كانت القوات الروسية أيضا تمنح الدعم الجوي لقوات النظام لاستعادة السيطرة على تدمر، وعند الإعلان عن الهجمات الأولى ضد داعش في المدينة، قالت وزارة الدفاع الروسية أنها قد قامت بضربات جوية قرب تدمر ومدينة القريتين في الثاني من نوفمبر، وقامت بـ 14 ضربة جوية أخرى على مدار الأربعة أشهر التالية. وقد تم تكثيف الغارات في الوقت الذي وجه فيه النظام السوري اهتمامه نحو محاربة داعش، عقب تنفيذ اتفاق وقف الأعمال العدائية في 26 شباط/فبراير، وأثبت هذا الأمر صحة قيام روسيا بالضغط على النظام لمحاربة التنظيم، ويشير هذا بالفعل إلى أن روسيا قد قامت بتمهيد أرضية العمل على زيادة التعاون مع الولايات المتحدة. فما بين 20-23 آذار/مارس الماضي ادعت روسيا القيام بما يزيد عن 40 غارة جوية ضد 146 هدفاً قرب مدينة تدمر.
وتحتاج استراتيجية خداع الجمهور التي تتبعها روسيا لأن تؤخد بعين الاعتبار عند تحليل هذه المعلومات، وحتى في حالة القيام بعدد ضربات أقل، تبقى حقيقة أن كل من روسيا والولايات المتحدة كانتا تقومان بتطويع تنظيم داعش في تدمر قائمة، وأن النظام السوري قد استفاد من ذلك من أجل استعادة سيطرته على المدينة. وبرغم ذلك، لا تريد الولايات المتحدة الاعتراف بدورها علنا، وذلك لتجنب المزيد من استعداء المعارضة السورية المتشككة بشأنها بالفعل.
ويعد تقدم النظام في محافظة الرقة مثالا آخر على هذا الدعم الفعلي، ويثير هذا التقدم تساؤلات بشأن سباق محتمل لإخراج تنظيم داعش من عاصمته بين قوات سوريا الديمقراطية نزولا من الشمال وقوات النظام التي تقترب من المدينة من ناحية الشرق. وتركز قوات سوريا الديمقراطية حاليا على استعادة السيطرة على المنطقة حول جيب منبج، الامتداد الأخير للأراضي التي يسيطر عليها تنظيم داعش على طول الحدود التركية. إن السيطرة على جيب منبج سوف يمنع التنظيم من تهريب المعدات والمقاتلين إلى الداخل السوري عبر تركيا. ويستفيد النظام بشكل واضح من إضعاف داعش، حيث تقدمت قواته، مع الدعم الروسي، نحو الطبقة والتي تبعد مسافة ساعة بالسيارة عن الرقة.
ويعد التنسيق المقترح مؤخرا مع روسيا ضد جبهة النصرة هو نتيجة لتلك السياسة التي لا تعتبر التهديد الإرهابي جزءاً من السياق الأوسع للحرب الدائرة في سوريا. وعند النظر إلى سجل روسيا الحافل بقصف الجماعات الثورية، والتي يتلقى بعضها الدعم من الولايات المتحدة، واستعدادها للوقوف إلى جانب النظام حتى وإن تجاهل هذا الأخير قرارات الأمم المتحدة، تتجلى بوضوح تلك السياسة التي من غير المرجح أن تؤثر إيجابا على الجماعات الثورية، بل على الأرجح سوف تضر بهم. وبموجب هذه السياسة المقترحة، ربما تقوم الولايات المتحدة بتخصيص مناطق محددة بحيث لا يكون لجبهة النصرة وجود بها، بزعم جعل هذه المناطق آمنة من الغارات الجوية السورية والروسية، ولكنها توافق على التنسيق مع روسيا لتوسيع حملة القصف ضد الجبهة. وتركز الولايات المتحدة اهتمامها على محاربة الإرهاب، متجاهلة اندماج النصرة مع الجماعات الثورية، وقدرتها على نقل قواتها إلى تلك المناطق الآمنة المحددة، وكيف يمكن لهذا التعاون أن يؤثر سلبا على سياستها الرسمية بشأن الوصول إلى تسوية سياسية.
وسوف يثير تقدم قوات سوريا الديمقراطية وجيش سوريا الجديد نحو الرقة ودير الزور، على التوالي التساؤلات حول مدى اعتزام الولايات المتحدة الذهاب في تعاونها هذا لمحاربة تنظيم داعش. وهل سوف تقوم القوات المدعومة من الولايات المتحدة والغارات الجوية والقوات الخاصة التي تدعمهم بالتنسيق فيما بينهم بشكل فعال مع قوات النظام ضد التنظيم؟ وهل سيتم تبادل المعلومات حول الأهداف التي سيتم ضربها؟ ماذا لو حاولت قوات النظام الاستيلاء على الاراضي قبل قوات سوريا الديمقراطية وجيش سوريا الجديد؟ حتى لو كان ذلك بفتح النار على القوات المقاتلة بالوكالة لمنعهم من التقدم، وربما ترد هذه القوات المقاتلة بالوكالة بفتح النار أيضاٍ، مما يثير التساؤلات عما إذا ستستمر الولايات المتحدة في دعمها ضد أي أعداء بخلاف تنظيم داعش، أم ستتركهم عرضة لهجمات النظام السوري؟ حتى الآن، لم تتخذ الولايات المتحدة أى إجراء ملموس لحماية هذه القوات المقاتلة بالوكالة، بل تكتفي فقط بإدانة الهجمات ضدهم. وليس هناك شك في أن هدف روسيا النهائي هو تقديم النظام السوري باعتباره حصنا ضد الإرهاب، بعد القضاء على الجماعات الثورية المعتدلة، وطبقا لموقفها الآن، يبدو أن الولايات المتحدة لا تأبه بهذه النتيجة الوشيكة.
من السهل انتقاد التعاون الأمريكي- الروسي المرتقب، حيث إنه يقوض الموقف الرسمي للولايات المتحدة للتوصل إلى تسوية سياسية وتنفيذ اتفاقات مؤتمر جنيف 2، ولكن بالتدقيق في سلوك إدارة أوباما، يبدو أن الولايات المتحدة قد تنازلت كثيراً من أجل تحقيق هذه السياسة. وخلال المفاوضات، كررت الولايات المتحدة نفس الخطأ، والذي يتمثل في الوثوق في أطراف (نظام بشار الأسد وروسيا وإيران) رفضوا مراراً وتكراراً تنفيذ أي التزامات على جانبهم، مما يعني هذا أن الإدارة الأمريكية لديها أهدافا أخرى، والتي يمكن تحقيقها بالعمل مع روسيا. ومما يدعم هذه الفكرة، علق مؤخراً مسؤول كبير بالإدارة الأمريكية لم يذكر اسمه قائلا “من الناحية التحليلية، ليس من المرجح أن يقود التصعيد العسكري من جانب أو من آخر إلى حل نهائي في سوريا.”
ومع استبعاد الخيارات العسكرية ضد النظام، وارتفاع أولوية محاربة الإرهاب على ما عداها، تستخدم الولايات المتحدة نفس النهج ذو الرؤية المحدودة، والذي ساعد على تمهيد الطريق أمام العديد من المشكلات التي نراها اليوم في الشرق الأوسط. ونهاية هذا المسار معروفة جيدا- وتتمثل في تمكين المستبدين اللذين ليس لديهم شرعية، ويعتمدون على القوة الغاشمة لسحق أية معارضة، وبالتالي استمرار هذه الحالة من عدم الاستقرار، وإيجاد أرضية خصبة لتجنيد مزيد من الأشخاص في الجماعات الإرهابية في المستقبل. والمفارقة في هذا السياق، أنه بالرغم من محاولة الولايات المتحدة تجنب الأخطاء التي ارتكبتها اثناء غزو العراق ومحاولة واشنطن تغيير قواعد اللعبة، إلا أن إدارة أوباما تقوم بإيجاد العديد من نفس هذه المشكلات في سوريا.