بالأمس قرأت عشرات الأخبار على موقع الفيسبوك تذيلت بهاشتاغ “إدلب تباد”، كانت أخبارا عادية خاصة مع أكثر من خمس سنوات من القتل المتواصل، إلا أن غير العادي هو أنني اضطرت للاستفسار من ناشطي المدينة عن هوية الجهة التي تبيد إدلب قبل حتى أن اترحم على شهدائها، أهي الطيران الروسي أم طيران النظام، أم الميليشيات الإيرانية، أم أنها طيران التحالف الدولي، أو المدفعية التركية، أم فصائل محسوبة على الثوار، أو تنظيمات متطرفة كتنظيم الدولة، والسؤال الأهم لماذا تباد؟.
في السابق لم يكن أمر أي مجزرة ترتكب في سوريا بحاجة لأكثر من قراءة الخبر لنعلم من القاتل وما أسباب الجريمة، كانت الأمور محصورة في النظام الذي كان يمعن في ارتكاب الجرائم لقمع الثورة الشعبية المطالبة بالحرية وإعادة الشعب إلى بيت الطاعة الأسدية، أما اليوم فلم نعد نعلم من يقتلنا ولماذا يقتلنا.
ربما هي مرحلة جديدة وطور جديد تعيشها سوريا اليوم في خضم تعدد الجهات المسلحة، والقوات المتعددة الجنسيات على أراضيها، فبعد تحول الثورة من ثورة على نظام إلى مقاومة قوات أجنبية، ها هي البلاد تدخل في طور تعدد القتلة، فبالأمس مجزرة إدلب يرتكبها طيران النظام وقبلها بساعات مجزرة منبج التي ارتكبها طيران التحالف الدولي والتي قيل إنها ناجمة عن غارات شنها سلاح الجو الفرنسي عقب هجمة نيس التي تبناها تنظيم الدولة “داعش”، بالاضافة إلى جريمة قطع “كتائب نور الدين زنكي” لرأس طفل في حلب، وما تلا ذلك من إعدام كتائب الأسايش لطفل كردي في كوباني، وما سبق ذلك من مجازر للطيران الروسي في حلب، وجرائم تنظيم “داعش” بحق السوريين في دير الزور والرقة.
أما عن النتائج التي يمكن استخلاصها من النظر لكل تلك الجرائم والمعطيات السابقة، فأولها أن الأسد لم يعد قاتلنا الوحيد، خاصة وأن الحوادث المذكورة ليست فريدة ولا الأولى من نواعها وغالبا لن تكون الأخيرة.
وأما النتيجة الاهم تتركز في أن أعمال القتل التي ترتكب اليوم في سوريا لم تعد مرتبطة بالثورة ولا بقمعها ،بقدر ما هي مرتبطة بمصالح الجهات التي ترتكبها، وبمعنى أوضح أن البلاد عمليا تحولت وتحديدا منذ بداية الحرب على الارهاب إلى ساحة معركة لخلق توازنات دولية وتصفية قضايا عالمية تتجاوز الحدود السورية ومصير الأسد وشكل نظام الحكم خلال المرحلة الحالية، وحتى مسألة تدمير سوريا، الأمر الذي يوحي باستحالة ايجاد حل ينهي المأساة السورية نظرا لتضارب مصالح كل الجهات الدولية الفاعلة في الملف السوري.
أكثر ما يدفع لتبني النظرة السابقة، هو ارتباط التطورات على الأرض السورية بالكثير من الملفات الدولية، وأولها العلاقات الروسية التركية وانعاكاسها على التطورات الميدانية على الأرض، على اعتبار أن الروس اتخذوا من معركة حلب ورقة ضغط على الحكومة التركية بعد إسقاط الأخيرة للمقاتلة الروسية، ناهيك عن تعقيدات القضية الكردية شمال سوريا التي تحولت بدورها أيضا إلى ورقة ضغط على تركيا الأردوغانية يستخدمها الروس والأمريكان على حد سواء، لاسيما مع تصاعد الحديث عن إمكانية زيادة الدعم الأمريكي لقوات “سوريا الديمقراطية” الكردية للضغط على تركيا على خلفية تحسن العلاقات بين أنقرة وموسكو، واحتمالية سوء العلاقات التركية الأمريكية عقب محاولة الانقلاب الفاشلة التي تعرض لها رجب طيب أردوغان.
يضاف إلى ذلك، زيادة التعزيزات العسكرية السعودية على الحدود السورية عبر التحالف الإسلامي، وذلك على خلفية الأزمة مع ايران عقب إحراق القنصلية السعودية في طهران، وهو ما ترافق “أي التعزيز العسكري السعودي” مع زيادة كبيرة في عدد المليشيات الموالية لايران، رغم ان الازمة بين الطرفين في أساسها قد تكون مرتبطة باعدام السعودية لعالم دين شيعي وليس مرتبطة بالمواقف من القضية السورية.
أمام هذا الواقع يمكن القول إن على السوريين ومعارضتهم أن يدركوا أنهم أمام أهداف جديدة تتخطى مطلبهم الرئيسي بإسقاط الأسد، أهمها التفكير بأهمية إحراج سوريا من آتون الصراع العالمي الذي بات مسؤولا وبشكل كامل عن كل ما يتعرض له الشعب السوري من مآسي، بالإضافة إلى العمل على وقف نزيف الدم وتحرير الثورة السورية بكامل مجالاتها السياسية والعسكرية من الهيمنة الغربية والتي كان لها الدور الأكبر في وصول سوريا إلى ما وصلت إليه وتحويلها إلى ساحة صراع دولي.
ومن الأمور التي يجب أن تدركها المعارضة السورية أن الرهان على طرف معين سيكون رهانا خاسرا، مع أهمية أن تعيد النظر في علاقاتها مع المجتمع الدولي على أساس المصالح المتبادلة وليس على أساس عدالة قضيتها، الأمر الذي يفرض عليها وحدة كيان مترافقة مع براغماتية أكبر في التفكير، والخروج من النظرة المقسمة للعالم إلى معسكر أمريكي معارض للأسد داعم للثورة، ومعسكر روسي داعم للأسد معاد للثورة، والتعامل مع كل تلك الدول على أساس معسكر باحث عن مصالحه.
حسام يوسف – تيار الغد السوري