بعد التكليف الدولي، وعلى وجه الخصوص الأمريكي، لروسيا بالملف السوري، وما تبع ذلك من تقارب تركي روسي وترقب لاجتماعات على مستوى القادة والتنسيق بين الجيشين، ربما أجلتها قليلاً محاولة الانقلاب الفاشل في تركيا، والتصريحات السعودية بضمان مصالح روسيا في المنطقة، إلى التضييق على اللاجئين السوريين في دول الجوار، وفي أوروبا ذاتها بسبب الأعمال الإرهابية التي تضرب في كل مكان والتي تنعكس دوماً عليهم سلباً مع العلم يقيناً أن جل المنفذين ليسوا سوريين.
هذا التكليف الذي باركته كل دول العالم التي كان لها مواقف سابقة إيجابية من الملف السوري لجهة الوقوف مع الشعب الذي يواجه نظاماً قاتلاً، هو في إطار تصدير وتلميع فكرة أن بوتين هو المتحكم الوحيد في الشأن السوري وهو صاحب اليد الطولى، وهو الوحيد القادر على إيجاد حل سياسي، يضاف إلى ذلك ضعف الأسد والذي بات يدرك أنه وبدون روسيا ستكون نهايته محتومة وقريبة جداً.
يستثمر الروس هذا التكليف بشكل بارع، فالقوة التدميرية للأسد هي الجزء المهترئ من السلاح الروسي، ولا يكاد يذكر أمام ما تستخدمه روسيا في الآونة الأخيرة من أسلحة فتاكة لإبادة مدن بمن وما فيها.
ما صدر من قرارات روسية بخصوص حلب حول تخصيص أربعة ممرات آمنة للخروج من حلب بمن فيهم المسلحين إن قبلوا بتسليم أسلحتهم واستسلامهم مع مرسوم روسي بالعفو عنهم ممهورا بخاتم القابع في المهاجرين، مع إلقاء الطائرات الروسية مساعدات إنسانية على بعض الأحياء في حلب، علماً أن قرارات أممية سابقة حول ذلك لم تستطع أمريكا وأوروبا تنفيذها، وعلى الأرجح لم تمارس ضغوطاً لتحقيق ذلك.
كل ذلك يمشي حسب الخطة الدولية: الروس يدمرون سوريا من جهة، وهم ولا أحد غيرهم بيدهم وقف الدمار، لا بل وتقديم المساعدات لبشر تقطعت بهم السبل، وأصبح الموت جوعاً وتشرداً أخطر عليهم مما تمطره السماء من نار جهنم.
من هنا نقول، مع كل الشجب والإدانة لجرائم الروس في سوريا، كان من الأفضل عدم مقاطعة المعارضة السورية لهم، وأن التحدث مع العدو لا يجعل منه صديقاً، والتفاوض أصلاً يجري مع الأعداء، أما مع الأصدقاء تكون هناك تفاهمات.
إن البحث عن مصالح مشتركة مع الروس وعدم ترك هذه الساحة ملعباً للأسد وحده قد يكون من أولويات المقاربات السياسية عند المعارضة السورية اليوم، طالما أن الموقف الدولي على هذا الحال.
ربما من المنطقي، بل ومن الشجاعة، أن يذهب وفد الهيئة العليا للتفاوض إلى موسكو للسعي نحو التوصل إلى تفاهمات أولية ومحاولة التهدئة في حلب، ويمكن أيضاً أن تقوم شخصيات وطنية بفعل ذلك لهذا الغرض.
التعويل على إرسال بيانات شجب للأمم المتحدة التي باتت في حالة قلق دائم، والخروج بمؤتمرات صحفية كلما حمي الوطيس وزاد منسوب الدم من باب ألا هل بلّغت، والمراهنة فقط على استدرار عطف العالم، كل ذلك يشي بمراهقة سياسية آن أوان طلاقها، مرة وللأبد.
أيمن الأسود عضو الأمانة العامة في تيار الغد السوري