لقد كان من الصعب أن نبقى متفائلين حيال إقرار السلام في سوريا كمدنيين لقوا حتفهم أو نزحوا أو دمرت منازلهم في هذه الكارثة غير الطبيعية التي اقترفها الإنسان، والتي بدأت كاحتجاجات سلمية طالبت بالديمقراطية لتواجه بالسحق من قبل ديكتاتور.
تحرك أو إحجام الجهات الدولية القوية الفاعلة في سوريا كساحة لحروب بالوكالة وتمكين الجماعات الإسلامية الإرهابية في ازدهار واضطراد. وليغفر القراء لي اعتقادي أنه لا يوجد أمل، لا سيما في ضوء الكارثة التي تحل في حلب.
حتى الآن كان هناك مسار موثوق وهادف للسلام، وربما يكون أكثر قابلية للاستمرار الآن في ضوء فوز دونالد ترامب في الانتخابات الأمريكية الأخيرة.
تيار الغد السوري، الذي ساهمت بتأسيسه في وقت سابق من هذا العام، يدعو إلى استراتيجية مختلفة عن المعارضة الرسمية ممثلة بالائتلاف السوري. ونحن بقيادة أحمد الجربا الرئيس الأسبق للائتلاف نشارك الائتلاف بهدف الانتقال بسوريا بعيدا عن الديكتاتورية نحو سوريا ديمقراطية تعددية، ولكن نختلف معه في أننا نعتقد أن هذه المثل العليا على المدى الطويل يمكن أن تتحقق، ولكن ذلك يحتاج مراعاة للواقعية الصعبة التي باتت تفرض نفسها على الوضع الجغرافي الاستراتيجي السائد والحقائق التي باتت مفروضة على أرض الواقع.
الوضع الراهن في سوريا هو نتيجة لسلسلة من الإخفاقات من كل الجهات، إخفاق المعارضة في تشكيل مؤسسات سياسية وعسكرية متماسكة، وإخفاقها في فصل نفسها عن جبهة النصرة.
وفي المقابل هناك فشل بشار الأسد في التعامل بسياسة وحكمة مع انتفاضة الشعب السوري ومطالبه المحقة، واختار بدلا من ذلك التعامل، كما كل الطغاة على مر العصور، بشن حرب وحشية ضد الشعب.
وهناك إخفاق الدول الإقليمية في وضع استراتيجية منسقة لمساعدة المعارضة، بدلا من كونها تتنافس مع بعضها البعض، مما أدى إلى انقسام مجموعات المعارضة وتشتتها. بالإضافة إلى فشل الغرب في تبني استراتيجية ناجحة لتحقيق التغيير الديمقراطي في سوريا وحماية المدنيين.
كما فشلت إيران وروسيا في محاولاتهما لتمكين الأسد واستعادته لسلطته في معظم أنحاء البلاد، بدعوى محاربة الإرهابيين، وبذلك جعلتا الكثير من السوريين أعداء لهما. وضحايا هذه الإخفاقات هم في مخيمات اللاجئين أو في ما هو أسوأ، المقابر.
وإذا كنا لا نريد التعلم من دروس الماضي، فإن المستقبل سيكون مرعبا، كما نراه في حلب اليوم. وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه كل من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا لم ينجح في وقف القتل، وجميع الفرقاء استمروا في أداء أدوارهم المرسومة سلفا. الرئيس فرانسوا هولاند من فرنسا هدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بإحالة الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية، في حين أشار وزير بريطاني سابق إلى أنه على القوات الغربية فرض منطقة حظر جوي، وأن تكون على استعداد لمواجهة الطائرات الحربية الروسية.
ونحن جميعا نعلم أن الغرب لن ولا ينبغي أن يزج نفسه في خطر حرب مع روسيا بشأن مخاوفه تجاه المدنيين السوريين. وبحسب هذا الواقع، وإذا ما استمر كل طرف بالقراءة من تعاليمه ونصوصه الغارقة في الدماء، فسوف تستمر سوريا كحلبة مأساوية للصراع بين روسيا والغرب يواصلان فيها حربهم الباردة.
ويعتقد تيار الغد السوري أن الطريقة الوحيدة ذات المصداقية للهروب من هذه الدوامة هي أن تتوصل روسيا والولايات المتحدة إلى اتفاق. ففي حين أن الجانبين يبدوان على طرفي نقيض، إلا أن مطالبهما قابلة للتوفيق. روسيا حثت الولايات المتحدة مرارا على المساعدة في فصل الجماعات الإرهابية، على النحو الذي حدده مجلس الأمن الدولي، عن المعارضة المعتدلة. وفي الوقت نفسه، فإن الأمريكيين يصرون على أن تتمسك روسيا بالتزاماتها بالضغط على الأسد لوقف قصف وحصار المناطق المدنية وقبول التحول السياسي.
انتخاب دونالد ترامب يجعل مثل هذا الاتفاق ممكنا على الأرجح، نظرا لما يتمتع به جدول أعمال السياسات التي وعد بها من تقارب مع روسيا والتركيز على القضاء على تنظيم داعش والعداء تجاه إيران وتلميحاته بأنه سيسقط الدعم عن الجماعات المعتدلة لأن السياسة الحالية تؤدي إلى مخاطر نشوب صراع بين الولايات المتحدة وكل من روسيا والأسد في الوقت الذي يقاتلان تنظيم داعش.
هناك حاجة إلى الحذر، على فرض أن ترامب قبل أو صدق الدعاية الكاذبة من الأسد وحلفائه الدوليين أنهم يستهدفون تنظيم داعش ويحاربوه، وأنه لن يسحب دعم المقاتلين المعتدلين أو يخفض دعمهم، والقضاء على تنظيم داعش بضربة حظ لن ينهي الحرب، وبالنسبة للسوريين فإنهم سيستمرون في المقاومة إلى أن يتم حل الأسباب الجذرية لمشاكلهم.
لذلك يجب أن يكون أي اتفاق مستقبلي في سوريا شاملا، بدلا من أن يركز فقط على محاربة الإرهاب. يجب أن تنتهي الظروف التي مكنت الإرهابيين والديكتاتورية من اختراق المجتمع السوري وسمحت لهما بالاستمرار. يجب أن تحل القضايا السياسية وكل ما يؤدي إلى الغضب والإحباط المستمر الذي يغذي التطرف.
وعلى الرغم من أن هذا يبدو كخوض في مستنقع، إلا أن هناك بالفعل قدر كبير من الاتفاق الدولي، وخصوصا الاتفاق حول بيان جنيف، الذي تم بين روسيا والولايات المتحدة في عام 2012، والذي يحدد خارطة طريق للانتقال السياسي في سوريا. وبما أنه لا يزال تحقيق الهدف صعب المنال، إلا أنه يمكن اتخاذ خطوات عملية لتجاوز العقبات على طول الطريق إلى السلام.
نحن في تيار الغد السوري نفعل كل ما في وسعنا في هذا الصدد، فقد أجرينا محادثات مع الحكومة الروسية والأمريكيين وغيرهم، ونحن نؤمن بالحوار بين السوريين بدلا من حرب لا نهاية لها. وخلال جولتَي مفاوضات جنيف، تأكدنا أن الهدف الوحيد للأسد هو تحقيق انتصار عسكري حاسم.
قطاعات المجتمع التي لا تزال تنظر للأسد باعتباره حاميا لهما، على الرغم من تزايد عدد القتلى في صفوف شبابها، يجب أن نتعامل مع ممثليهم الذين قد يكونون مهتمّين بمصالحة وطنية تنقل السلطة من الأسد. كما صرحنا علنا بأن المعارضة المعتدلة يجب أن تنهي تماما أي تحالف أو اتصال مع جبهة النصرة، وأن تقبل الأخيرة مبادرة مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا استيفان دي ميستورا للنصرة بمغادرة حلب.
كانت هذه وغيرها من الخطوات لتحدث ويتغير وجه هذه الحقبة فيما لو كانت الخطة الروسية الأمريكية للانتقال السياسي أكثر قابلية للتحقيق، بأن تكون مقبولة لجميع الأطراف المعنية، وأن يكون أي اتفاق في نهاية المطاف مشتملا على وقف إطلاق النار ووضع حد للدكتاتورية والتحول نحو الديمقراطية وسيادة القانون وحقوق الإنسان وطرد المتطرفين مثل القاعدة والميليشيات الإيرانية الشيعية والهزيمة العسكرية لتنظيم داعش.
قد تكون هذه الصفقة مستحيلة، ولكن الحقيقة تقول إن البيت الأبيض سيشغله قريبا مؤلف كتاب “فن الصفقة” وهذا مدعاة للتفاؤل. يجب علينا أن نفعل كل ما بوسعنا لتهيئة الظروف لتحقيق ذلك من خلال العمل ضمن حدود عوالم الواقع والتعلم من أخطاء الماضي.