المعارضة السورية.. الهرب نحو الخلافات

يبدو أن المعارضة السورية التي تعيش في حالة تشرذم واضحة قد وجدت ضالتها كي تبقى موجودة على الساحة كأحد العناصر المهمة. فهي تغوص في إظهار خلافاتها بشكل ملفت، وتدخل في تفاصيل التوازنات والحسابات من خلال تشكيل وفدها إلى جنيف. ويبدو أنها لم تعد تمتلك سوى هذه الخلافات كي تبقى على قيد الحياة بعد أن أدركت بشكل واضح أنها لاتملك من الأمر شيئا وأنها تنطلق بسرعة جنونية من فشل إلى آخر.

ولعل آخرها هو فشل تطبيق بنود مؤتمر الأستانة، والذي كان من أهمها وقف إطلاق النار في سوريا ليأتي سقوط وادي بردى بيد النظام كأحد أهم المخرجات لهذا المؤتمر الذي منح لروسيا غطاء سياسيا لكل الانتهاكات التي قامت بها في سوريا، وليعطي النظام فرصة ثمينة كي يستغل الرغبة الروسية في تثبيت الاتفاق مع علمه المطلق أنها لاتستطيع الضغط عليه بوجود المليشيات الإيرانية على الأرض، ولعدم وجود قوة روسية في ريف دمشق فقام بعملية وادي بردى التي جعلت المعارضة تقف عارية أمام كافة الفصائل التي ذهبت معها إلى الأستانة لتكتشف أنها كانت مجرد أداة تلميع لروسيا وهدية قدمتها بعض الدول الإقليمية للاستمرار بتحسين العلاقات بين روسيا وهذه الدولة بعد وعكة صحية مرت بها العلاقات بين الطرفين.

صدام حسين الجاسر

لقد فقدت هذه المعارضة بوصلتها كما فقدت شعبيتها وأصبحت تلهث وراء أي مؤتمر أو اجتماع كي تكون حاضرة تحت الأضواء لعلمها أنها على الأرض لاتساوي شيئا لأنها لاتمتلك الجناح العسكري الذي يقف في ظهرها كسند يقوي موقفها على طاولة المفاوضات. أصبحت هذه المعارضة مجرد أبواق للدول الداعمة لها، وأداة يتم استعمالها في فترات الحاجة إليها.

إلى الآن يبدو أن الدول الفاعلة في الأزمة السورية لم تحدد وقت انتهاء الأزمة رغم كثرة التصريحات التي تخرج من الأطراف جميعها، ولكنها تتحدث بشكل عام عن الأزمة السورية ولاتضع أي مؤشر نحو الحل؛ بل على العكس يبدو أنها ترغب في استمرار الاستنزاف الحاصل وزيادة التدخل الإقليمي في سوريا، ويبدو أن تركيا في هذه المرحلة هي من بدأ بالحصول على دور جديد بمباركة أمريكية ونلاحظ ذلك من خلال معركة مدينة الباب التي لم تنطلق بشكل فعلي إلا بعد زيارة مدير جهاز المخابرات الأمريكية إلى أنقرة التي ربما حصلت على الضوء الأخضر من أجل البدء بالمعركة والسيطرة على هذه المدينة المهمة.

ويبدو أن الايرانيين في وضع لا يحسدون عليه في سوريا خصوصا بعد سيطرة القوات الروسية على شرقي حلب وحرمانهم من استغلال هذا النصر لصالحهم وبعد تصريحات الإدارة الأمريكية التي بدت وكأنها نهاية لشهر العسل مع الإدارة السابقة.

في هذه الفترة يكثر الحديث عن مؤتمر الأستانة ومؤتمر جنيف، وترتفع حرارة المعارضة في تشكيل الوفود التي ستذهب إلى المؤتمرات مع إدراكها الكامل أنها بدون أي وزن حقيقي في إبرام الاتفاقات، ولكن وجودها ضروري كي تتحمل فشل الاتفاقات التي تنتج.

معركة الرقة تقترب، ولم نجد أحدا منهم يتحدث عنها أو يعطي تصورا لمرحلة مابعد داعش أو عن كيفية تجنيب المدنيين في هذه المحافظة للقصف أو حتى وضع خطة طوارئ من أجل استقبال النازحين المحتملين لأنهم يدركون أن هذه المعركة هي معركة أكبر من حجمهم ولايمتلكون الثقة الحقيقية من الدول الكبرى كي يتم الاعتماد عليهم في هذه المعركة.

أصبح الجميع يدرك أن الغائب الأكبر عن الأزمة السورية وعن وضع تصور للحل في سوريا هو المعارضة السورية التي اتجهت نحو خلافاتها، ونحو تكريس أطياف معينة في الواجهة السياسية لها، ولكن حتى في هذا الأمر فشلت في النجاح فيه، حيث اضطرت على مضض أن توسع وفدها إلى جنيف، وذلك بإدخال منصتي القاهرة وموسكو اللتين تتفوق عليها بخطوات كثيرة في النظرة إلى الحل السوري ووضع التصورات والحلول التي يمكن الاعتماد عليها.

في نهاية الأمر سيذهب المفاوضون إلى جنيف يحملون خلافاتهم في حقائبهم، ويحمل كلا منهم رؤية الجهة الداعمة له، وسيسعى كل طرف من أجل تكريسها وسيكون الغائب الأكبر عن هذه المفاوضات هو الرؤية السياسية السورية والمشروع السوري والحاضر الأكبر خلافات الوفد المفاوض المعارض.

صدام حسين الجاسر

تعليقات الفيسبوك