شهدت الفترة السابقة، الإعلان عن انشاء بعض التيارات والتكتلات السياسية السورية المعارضة في بعض الدول، وفي حقيقة الأمر فإن مثل هذه الخطوة يمكن اعتبارها خطوة على الطريق الصحيح خلال هذه الفترة، حتى وإن كانت متأخرة قليلاً، فالنظر إلى الحالة السورية، وما شهدته دول الربيع العربي بعد اسقاط الأنظمة الحاكمة فيها من حالة الفوضى وعدم الاستقرار، يفرض أهمية وضرورة التفكير مليا في متطلبات مرحلة ما بعد الأسد والمرحلة الانتقالية، اكثر من التفكير في الطريقة والآلية التي قد يسقط فيها، إلى جانب ضرورة دعم تلك التيارات من الناحية الشعبية لاسيما وأنها قد تمثل اللبنة الأولى في بناء الحياة السياسية، خاصة وان بعضها يضم بين اعضائه مزيجا من الفسيفساء السورية بما يضمن التعددية والمواطنة.
في حقيقة الأمر، فإن أهمية تنظيم الحياة السياسية ومنحها الأولوية في هذا الوقت تحديدا تنبع من عدة اعتبارات، اولها ضمان عدم تكرار سيناريوهات العراق وليبيا واليمن بشكل خاص، والتي تسبب الفراغ الحزبي وتوتر الحياة السياسية وفوضى السلاح فيها بتحويلها إلى دول فاشلة غارقة بالكثير من المشكلات لدرجة انها لا تزال عاجزة إلى اليوم حتى عن تشكيل حكومة مستقرة أو انتخاب رئيس جمهورية، ناهيك عن ما افرزه ذلك من اغراقها في آتون حرب أهلية أتت على ما تبقى منها، بالرغم من مرور أعوام وعقود على سقوط الأنظمة التي كانت تحكمها، ما يعني أن الحالة السورية قد لا تكون استثناءا من احتمالية تكرار تلك السيناريوهات فيما لو لم تأخذ خطوة تشكيل التيارات والأحزاب وتنظيم الحياة السياسية في سورية على محمل الجد ولاقت الدعم اللازم لتطويرها.
لا تتوقف أهمية تنظيم الحياة السياسية فقط عند ضمان عدم تكرار السيناروهات السابقة، وإنما يمكن اعتبارها بشكل اساسي، خطوة مكملة للثورة السورية لاسيما خلال المرحلة الانتقالية التي ستكون حجز الزاوية في بناء دولة القانون وتجديد ملامح نظام الحكم القادم، خاصة انها المرحلة التي ستشهد صياغة الدستور الجديد ووضع قوانين الانتخابات العامة، وهي الأمور التي تستلزم وجود مشاركة لكامل وجهات النظر السياسية، بما يضمن ترسيخ التعددية والحريات العامة، وعدم استئثار طرف معين برسم مستقبل البلاد وتفصيل القوانين على مقاسه، كما فعل حزب البعث في العام 1963 الذي سلب السلطة وفصَّل الدستور على قياسه مستغلا حالة الفراع السياسي في سوريا التي خلفها حل الاحزاب ابان الوحدة مع مصر، ويحكم لخمسة عقود.
إلى جانب ذلك، تتضاعف ضرورة تنظيم القوى السياسية المعارضة نفسها، مع محاولات النظام لاعادة انتاج نفسه مرة أخرى عبر طرح المعارضة البديلة تحت مسمى معارضة الداخل، الأمر الذي يحتم على المعارضة أهمية أن تقدم هي الاخرى نموذخا بديلا عن نظام الأسد، ناهيك عن خصوصية الحالة السورية، المتمثلة بوجود الكثير من الملفات الشائكة التي خلفتها حرب الأسد الشعواء على الثورة السورية كإعادة الإعمار وعودة اللاجئين والمهجرين والانهيار الاقتصادي ووضع الليرة السورية، وهي الملفات التي لا يمكن الشروع بحلحلتها دون وجود استقرار سياسي كامل، خاصة وأن تلك المشكلات كانت احدى مفرزات التوتر السياسي والحرب.
أدرك تماما، كما يدرك الكثيرون أنه من الصعب جدا خلق التيارات وتنظيم الحياة السياسية والحزبية في سوريا ليس بالامر السهل وبقف أمامه الكثير من العوائق التي تحتاج للكثير من العمل لتذليلها وإنجاح التجربة الثورية السورية، خاصة وأن سوريا تعيش منذ أكثر من خمس عقود في نظام حكم الحزب الاوحد الأمر الذي ألغى الثقافة السياسية وعملية التنوع الحزبي، وجعل من مسألة تأسيس الكيانات والتيارات السياسية تجربة جديدة على السوريين، إلى جانب تحويل المعارضة إلى معارضة فردية طيلة تلك الفترة، بالاضافة إلى وجود المعارضة السورية في دول متعددة خارج سوريا ما يصعب من عملية التنظيم وانشاء الأحزاب.
كما تمتد المعوقات أمام تنظيم الحياة السياسية مع محاولة بعض الأجساد السياسية إلى تشكيل أحزاب ذات خلفية دينية أو مناطقية عرقية، وهو الأمر الذي سيقود بنسبة كبيرة إلى انزلاق البلاد باتجاه المحاصصة الطائفية أو العرقية الذي سيمثل خطرا جديدا أمام سوريا المستقبلية من خلال اغراقها في ازمات شبيهة بالأزمات التي يعيشها لبنان الذي لا يزال عاجزا منذ اعوام حتى الآن عن اختيار رئيسا للبلاد بالرغم من مرور عقود على انتهاء الحرب الأهلية، ما يوضح هنا وجوب الأخذ بالحسبان أن لا تقام هذه التيارات على أسس طائفية أو عرقية أو مناطقية.
حسام يوسف