كانت آخر مرة زار فيها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الولايات المتحدة في شهر أيلول/سبتمبر من عام 2015، حيث ألقى رسالة مثالية للمراقبين في السياسة الخارجية للولايات المتحدة المهتمين بالحرب.
في الجمعية العامة للأمم المتحدة، أشار بوتين إلى أنه يريد مخاطبة اللاعبين الدوليين المشاركين في الشرق الأوسط، وأبرز هؤلاء اللاعبين بالطبع هي الولايات المتحدة في المنطقة الآن، “لا أحد يهتم ولو قليلاً بحقوق الإنسان، بما في ذلك الحق في الحياة”.
“لا يسعني إلا سؤال أولئك الذين تسببوا بالوضع: هل تدركون الآن ما قمتم به؟”
رنّ صدى رسالة بوتين في أمريكا التي تؤمن بأن معظم الفوضى في الشرق الأوسط سببه إجراءات الولايات المتحدة. يحظى رأيه بشعبية خاصة بين الأمريكيين المشككين بالنخب التي تشكيل السياسة الخارجية للولايات المتحدة.
عموماً ذلك هو السبب لمحاولة الساسة الأميركيون أن ينأوا بأنفسهم عن المنتج المدان على نطاق واسع لهذه السياسة: غزو العراق عام 2003. تصويت هيلاري كلينتون لصالح الحرب هو سبب كافي لخسارتها الترشيح في الحزب الديمقراطي للرئاسة في عام 2008. وهذا العام، بينما تحاول كلينتون مرة أخرى ممارسة دور الدفاع عن ذلك التصويت، يؤدي الطامحون السياسيون الذين يريدون أن يظهروا على أنهم مختلفين عن المؤسسة نفس النقاش الذي أداه بوتين في أيلول/ سبتمبر.
طعن كل من المرشح الجمهوري المفترض دونالد ترامب والسيناتور بيرني ساندرز بسياسات الولايات المتحدة في تمكين ظهور تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). اتهم اتهمت بشكل مباشر الرئيس باراك أوباما ووزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون “بإنشاء داعش”، مما يعني ظهور التنظيم بسبب سياسة أوباما في دعم المتمردين الوطنيين السوريين المعارضين للديكتاتور بشار الأسد. على الرغم من أن ساندرز لم يصل الى حد المطالبة، ربط المرشح الديمقراطي كلينتون بداعش من خلال الحديث عن التنظيم كمنتج لحرب العراق والتدخل العسكري الأمريكي في ليبيا في عام 2011.
قدمت بالفعل كل من حرب بوش في العراق وسوء إدارة أوباما السياسية الكارثية للدولة العراقية توفر مساحة للمسلحين المتشددين للعمل فيها، وآلاف المجندين المحتملين، وأهداف ضعيفة يتم الهجوم عليها بغية اغتنام أسلحة أمريكية متقدمة.
ولكن من خلال التركيز فقط على تلك الأسباب لنجاح داعش، يتبنى منتقدو السياسة الخارجية الأميركية نفس وجهة النظر التي ينسبونها لكلينتون و وتداخلات أخرى: بأن الولايات المتحدة هي المسؤولة عن كل شيء.
يعتمد أسلوب بوتين الخاص في التضليل بشكل كبير على هذا الافتراض المتعلق بزرع عدم الثقة الدولية في الإجراءات الأمريكية. الآن تقرير رائع من وكالة رويترز يتنافى مع ذلك الافتراض. يُرجِعُ السؤال لبوتين: هل تدرك ما قمت به؟
كشفت وكالة الأنباء يوم الجمعة بأن الحكومة الروسية كان لديها سياسة متعمدة في ارسال الإسلاميين المتشددين من روسيا، وهو ما يعني وجودهم الحتمي في نهاية المطاف في المحور المركزي من التطرف: وجودهم في سوريا. في حالة واحدة، سمح المسؤولون لمتشدد موضوع تحت الإقامة الجبرية بالذهاب إلى مطار موسكو الدولي والبدء برحلة من شأنها أن تنتهي في انضمامه لصفوف داعش. في خمسٍ من الحالات تعقبتها رويترز “كان لدى السلطات الروسية سبباً لحرمان [الراديكاليين] من وثائق السفر ومنعهم من مغادرة البلاد. ولكن وفقاً للأقارب والمسؤولين المحليين، في جميع الحالات جعلت السلطات مرورهم ممكن”.
ذكرت وكالة رويترز، اعتمدت حكومة بوتين هذه السياسة في الفترة التي سبقت دورة الالعاب الاولمبية الشتوية لعام 2014 في سوتشي بسبب خوفها من استهداف الإسلاميين الراديكاليين للحدث. وسرى المخطط على الأقل حتى ذلك الحين. ولكن كان للمخطط نتائج مهمة بغض النظر عن متى انتهى: حيث قال ضابط في الشرطة المحلية لوكالة الأنباء أن عشرات المتطرفين الروسيين الإضافيين غادر البلاد بعد وصول زملائهم المتطرفين إلى سوريا، وشجعوهم على نفس الرحلة. مرة أخرى، تمكن المسلحون من المغادرة على الرغم من أن السلطات الروسية أبلغتهم بالتوقف عن السفر.
ويعتقد أن الآلاف من الإرهابيين من أصل روسي الآن يعملون في سوريا، وقد نفى المتحدث باسم بوتين الأمر. أخبر المتحدث رويترز: “الإرهابيون تمت إبادتهم في روسيا”.
لكن النتائج ليست مفاجئة نظراً للنهج الروسي العام في سوريا وسياساتها تجاه الإسلاميين الراديكاليين في روسيا. فقد وصف بوتين أسد روسيا الودود الصراع السوري على أن المعركة بين الحكومة والمعارضة المتطرفة الممولة من الخارج ، وليس نتاج لملايين من السوريين مع الحكم الاستبدادي العنيف.
وقد فعلت الأسد قصارى جهده لجعل هذه الثنائية الزائفة حقيقة. تجنبت قواته مهاجمة المناطق التي يسيطر عليها داعش، مع حالات قتال لتبادل مناطق مع التنظيم المسلح، بينما استهدفت قوات الأسد الجماعات الأكثر اعتدالاً في المعارضة الذين هم بديلاً للأسد أو لداعش لمستقبل سوريا. وقد حرر مراراً السجناء المتشددين، بما في ذلك المتطرفين الذين تغذيهم أجهزته الأمنية الخاصة. كما عززت حكومته خزائن داعش عن طريق شراء النفط من التنظيم المتطرف.
يظهر تقرير جديد لرويترز بأن بوتين اعتمد النهج نفسه – على الأرجح القيام برؤية مماثلة في السماح للمتطرفين لكسب القوة كان مقبول لو ذلك من شأنه أن يجعل نظام الأسد يبدو الخيار الأفضل في سوريا. بالنسبة لروسيا، كان للسياسة فائدة إضافية تتمثل في انتقال التهديدات المحتملة بعيداً. تكافح حكومة بوتين للتعامل مع التطرف بين ملايين السكان المسلمين في روسيا، وتشجع استجابتها الأولية – بالحملات شديدة وبانتهاكات حقوق الإنسان – ببساطة على المزيد من التطرف.
وهذا يعني أنه على الرغم من حملة موسكو الدعائية المصقولة روسيا مقابل داعش slick #RussiaVsISIL propaganda campaign، الهادفة إلى عرض تدخلها العسكري في سوريا على أنه معركة ضد التنظيم المتطرف داعش، هناك أدلة متزايدة على أن بوتين يساعد داعش على النمو والازدهار.
لا يفسر التقرير الجديد حتى كيف ساعد بوتين التنظيم في تجنيد المقاتلين في جميع أنحاء العالم من خلال دعم مجزرة الأسد. تجاوزات النظام، المدعومة من روسيا، جعلت منذ سنوات الكفاح المسلح ضد الدكتاتور السوري يبدو وكأنه سبب نبيل.
يعتبر تقرير رويترز الجديد بأنه من غير المرجح أن تتغير السياسة الروسية. يشتري معظم الروس قومية بوتين والخطابة في كره الأجانب والتشكيك في التقارير الغربية ضد حكومته، وقد عرف اللاعبون الخارجيون منذ أشهر أن “مكافحة روسيا للإرهاب” في سوريا هو في الحقيقة لمساعدة الأسد.
ولكنه فعلاً يقوض جزءاً هاماً من محاولة روسيا أن تبقى مؤثرة في الخارج، بينما ينهار.
لذا في المرة القادمة رجل البرتقال مع الشعر الغريب يخبر الأمريكيين بأن أوباما يساعد داعش وروسيا هي المفتاح لهزيمة التنظيم، ربما سوف يكونون يقظون قليلاً أكثر.