تغيير ما لا يمكن تغييره في سوريا بيد روسيا

في سياق خطابه البرلماني ليوم 7 حزيران الجاري، جدد بشار الأسد رفضه المتعنّت لتقاسم السلطة، من خلال دعوته مجدداً لتشكيل حكومة وحدة وطنية، وذلك بدلاً مما طالبت به الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن للأمم المتحدة في عام 2012 بالتوصل إلى هيئة حكم انتقالي عن طريق التراضي ما بين كلا الطرفين المفاوضين: النظام والمعارضة.

ويمنح الدستور السوري كل السلطة للرئاسة، أما حكومة الوحدة الوطنية تلك، فرئيس الوزراء ومجلس الوزراء من شأنهم أن يكونوا مجرد دمى عاجزة، مثيرة للشفقة، كما هو الحال في كل ما تمر به الحكومة في سوريا اليوم، حيث ستبقى السلطة الحقيقية في يد عائلة المافيا الأسدية، والتي تقوم اليوم باحتكار الرئاسة.

إن هنالك الكثير من الأفكار الخلاقة والتي قد تؤدي إلى حفظ ماء الوجه، والعديد من الصيغ السياسية التي يمكنها وقف النزيف السوري المستمر لأكثر من خمس سنوات، وخطى ستقوم بتشجيع وحدة وطنية حقيقية ضد ما يسمى بتنظيم “داعش”، ولكن تقاسم السلطة ذلك ينطوي على بعض الإجراءات الحقيقية، ودرجة من النقل الطوعي للسلطة من قبل العائلة الحاكمة، وعلى هذا النحو فإن هذه الصيغ تسيء فهم طبيعة المشكلة، إذ إن نظام الأسد يستنشق “أوكسجين” وجوده من السلطة المطلقة، والتي لا يمكن له مطلقاً أن يشاركها مع أي كان، فبمشاركته لرئته تلك سيكون من الصعب عليه البقاء على قيد الحياة.

وكما ردّ نظامه بعنف وبطش على المظاهرات الشعبية السلمية المطالبة بالحرية في بداية الانتفاضة السورية، وكثرة الأشخاص في دائرته الذين تلطخت أيديهم بدماء الشعب، يؤكد محيط الأسد الآن بأنه ليس لديه أي نية لدخول منحدر زلق من التسوية السياسية، إذ أن الإفلات من العقاب ووجود الحصانة المطلقة، تتطلب السلطة المطلقة، في حين أن استعداد الأسد لتقديم أي تنازلات سيؤدي إلى رفع الحصانة عن كل أولئك الذين قد رافقوه في مسيرته الدامية، بعد أن تورط عدد كبير من مسؤوليه بتنفيذ سلسلة عنيفة من الجرائم ضد الإنسانية، فرأس العائلة يعلم بأنه لن يبقى حينها على قيد الحياة لفترة طويلة لتقاسم السلطة أو حتى للدخول في مناقشات جادة في ذلك الأمر، وبالتالي هذا يجعل شهيته معدومة، في أي مفاوضات واقعية من شأنها أن توجد حلاً سياسياً جاداً.

ومن هنا جاء النداء من قبل الغرب، لحسن النوايا الروسية والمصلحة الذاتية المستنيرة! نعم، في حين أن إيقاف مفجّر تلك القنابل البرميلية في الأساس، مخالف بشكل موضوعي لمصالح موسكو في سوريا بل وفي المنطقة، وحول العالم.. نعم، فإن لم تتوقف هجمات النظام والإيرانيين والروس على المدنيين، فإن عملية السلام ستنهار وبهذا فإن وروسيا وجنبا إلى جنب مع إيران، سيملكان “كوريا الشمالية” في بلاد الشام… نعم، قد يستنتج الرئيس الأميركي الجديد (وليس فقط على أساس سوريا) بأن روسيا هي الخصم غير العقلاني والخطير الذي يتوجب مواجهته باستمرار: اقتصادياً وسياسياً، بل وعند الضرورة، عسكرياً… ثمناً لدعم الأسد الذي لا يرضخ لانعقاد أي صفقة.

إن القيادة الروسية ستصل بسرعة لاستنتاج واضح: ألا وهو أن مصالحها في سوريا والمنطقة، بل وفي خارجها يمكن أن تكون مؤمنة بشكل أفضل عن طريق تقديم عائلة الجريمة المنظمة لآل الأسد، عرضاً (يتم تقديمه بطريقة معينة، وقبوله بشكل ضمني “وإلا…”)، عرض لا يمكن رفضه: مريح، بوجود محمي له خارج سوريا، ومن المفارقات بأن المصالح الروسية التقليدية يمكن أن تكون محمية بشكل أفضل من قبل رئيس مفاوضات لجنة المعارضة السورية السابق، السيد رياض حجاب، أكثر بكثير مما يمكن للأسد فعله على أرض الواقع، ومما قد يقدم التزاماً حقيقيا ودائماً، عوضاً عن الأسد الذي يستخدم تلك الميزة العسكرية التي قدمت له من قبل موسكو، لتقويض محادثات السلام التي يفترض بأن روسيا تسعى نحوها، ورغم ذلك فإن القيادة الروسية ليست بطبيعية الآن، وهذا يعطي الأسد القدرة على عض اليد التي تطعمه بينما يقوم بذلك عن قناعة تامة.

بالنسبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، سوريا هي مسألة تتعلق بانتصاره على الولايات المتحدة، وبالتالي يعمل على إقناع المواطنين الروس بأن كل الفساد والانكماش الاقتصادي، وسوء الحكم المزمن، يستحق كل هذا العناء من طرفهم.. حيث يقول بوتين لشعبه ببرود في الجمعية العامة للأمم المتحدة العام الماضي: إن “تغيير النظام والتحول الديمقراطي” يجب أن يتوقف، إذ أن الأسد طفله المدلل، والأسد يعلم ذلك، ويفعل ما يشاء.

وعدا جعل دمشق “كانوسا” جديدة من التحقير الذاتي والإذلال، لا يوجد شيء يستطيع أوباما القيام به، لإقناع نظيره الروسي بأنه لا يسعى لتغيير هذا النظام بالقوة في سوريا، ويعلم بوتين حق المعرفة بأن أوباما ليس لديه مثل هذه النية، بوتين وكأي شخص آخر، شهد “حلقة” الخط أحمر، والتي كانت تعبر عن تهاوي “رجل القش”، ومن المفترض بأن الضربات الروسية تلك ستتوقف إذا تواضع الرئيس الأمريكي أمام نظيره الروسي، الأمر الذي لن يحدث أبداً.

إن على بوتين أن يقتنع بأن تكلفة دعمه للأسد ستفوق أي مكاسب يتطلع إليها، إلا إذا رست الرئاسة الأمريكية على عاتق شخص آخر “خلف أوباما” على استعداد لتقديم قضية مشتركة مع بوتين كطرف بحربه الإجرامية، ولكن يمكن لبوتين عوضاً عن ذلك، ولو نظرياً أن يتاجر بالأسد ويصبح الرئيس الأسمى للتحالف ضد تنظيم “داعش” مما قد يمكنه من عودة “روسيا كقوة عالمية” رمزية، دون أي إساءة لسمعته، وينبغي أن تتزامن أفعاله هذه بتحذيرات من شأنها أن تدفع إدارة أوباما في النهاية، لأن تتخذ الخطوات اللازمة لحماية المدنيين السوريين من القتل الأسدي الجماعي إذا ما لم تتخذ روسيا خطوات لإبعاده عن فعل هذا العمل البغيض.

إن ضباط الجيش الروسي الكبار والمسؤولين المدنيين العاملين في القضايا الإنسانية السورية، ليس لديهم أي شك حول نظام الأسد وكيف أن سلوكه القذر، سيقوم بالإساءة إلى سمعة الاتحاد الروسي، بينما ينبغي على رئيسهم أن ينظر للأمر من نفس ذلك المنظور، كما أن الرئيس الأميركي يجب أن يمنح وزير خارجيته المزيد من النفوذ..

باستثناء إيران التي ترى بأن بشار الأسد، هو السوري الوحيد المستعد دوماً لإخضاع نفسه لميليشيا طهران اللبنانية، فإن نظام الأسد يشكل عائقاً أمام الجميع، ولكن الأسد وعائلته لن يتزحزحوا بأنفسهم، ومن شأن روسيا أن تهتم لمصالحها الوطنية على الأقل في محاولة منها لإنقاذ سوريا من هذه المافيا الإجرامية، وإنقاذ سمعتها.
فريدريك سي وولف – مدير مركز رفيق الحريري للمجلس الأطلسي في منطقة الشرق الأوسط

تعليقات الفيسبوك

اضف تعليق