آفاق التحالف الروسي الإيراني في سوريا

يبدو أن روسيا وإيران محصورتان الآن في حالة من الاعتماد المتبادل بين الطرفين، فكلاهما سيخسر إذا ما انهار الاتفاق الثلاثي بين موسكو وطهران ودمشق. فقد أثبت تعاونهما فعاليته حتى الآن، ولديهما بالتأكيد ما يكفي من الأهداف المشتركة لتبرير استمرار مساعيهما الشرسة لتحقيق مصالحهما المشتركة.

لكن من المؤكد أن هناك اختلافات فيما بينهما، فنتائج الحرب بلا شك أكثر أهمية بالنسبة لإيران منها بالنسبة لروسيا، فطهران تنظر إلى الحكومة السورية على أنها عامل حيوي لبنية الأمن الإقليمي الإيراني، وذلك بعدما ما بنته من تحالف وثيق بين إيران وعائلة الأسد وأجهزتهِ الأمنية التي يهيمن عليها العلويون على مدى أكثر من ثلاثة عقود.
وقد أشار علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد الإيراني آية الله علي خامنئي بشؤون السياسة الخارجية، إلى أن إيران تعبر الرئيس الأسد “خطاً أحمر. ومنذ عام 2011، عملت إيران جاهدة لدعم حليفها، وحشد الآلاف من المتطوعين اللبنانيين والعراقيين والمقاتلين الشيعة الأفغان للقتال في سوريا. وعندما تدخلت القوات الجوية الروسية في خريف عام 2015، زادت طهران وجودها العسكري عن طريق إرسال قوات خاصة إيرانية إلى سوريا.
أما روسيا فتتعامل مع المسألة السورية من منظور مختلف قليلاً. فروسيا تعمل للحفاظ على ما تبقى من الدولة السورية التي يترأسها الأسد، وذلك لمنع تغيير النظام الحالي بنظام مدعوم من قبل الغرب، كما أنها تريد الاستفادة من الصراع في إدارة علاقاتها مع الولايات المتحدة. ومن هذا المنطلق يتعامل الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” مع سوريا كقضية هامة، لكنها بالتأكيد ليست ذات أهمية جوهرية للأمن القومي الروسي كما هي بالنسبة لإيران.
وهناك أيضاً خلافات طفيفة بين الروس والإيرانيين في مقاربة رئاسة الأسد. فإيران تقولها صراحة بأنها ملتزمة بالحفاظ على الأسد في السلطة. بينما يشير الكرملين الى الأسد بأنه “الرئيس الشرعي الوحيد لسوريا”، ويعمل بوضوح على إنقاذ نظامه. ومع ذلك، فإنها تفضل تصوير تدخلها بالشأن السوري بأنه دفاع عن المؤسسات الحكومية والاستقرار في المنطقة.
ويبدو أن بوتين يعطي أهمية كبيرة لإشراك الولايات المتحدة في المفاوضات، فقد كانت عملية السلام التي تجري حالياً عبر محادثات “جنيف 3” ثمرة الدبلوماسية الأميركية-الروسية. بل ودفعت موسكو مراراً الرئيس الأسد للمشاركة في هذه المحادثات على الرغم من اعتراضه على مبدأ الانتقال السياسي في سوريا الذي أقرته الأمم المتحدة.
ومع انطلاق محادثات جنيف والهدنة التي تم التوصل إليها بوساطة الولايات المتحدة وروسيا في شهر شباط/فبراير الماضي، أصبحت هذه الخلافات تظهر وتنمو بشكل أكثر بروزاً. أما إيران فلم تبد أي اهتمام ملحوظ بالعملية الدبلوماسية، بينما تريد موسكو فعلياً من الأسد أن يكون أكثر مرونة.
لكن الحكومة السورية لم تقدم أي شيء في جنيف، وواصل الأسد منع دخول الأغذية والأدوية إلى المدن المحاصرة التي تسيطر عليها المعارضة المسلحة، متجاهلاً المطالب الروسية والأمريكية في ضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى تلك المناطق، وهذا الأمر قد يعصب على بوتين مواصلة لعبته الديبلوماسية.

قيل هذا الكلام من قبل

يبدو الكلام عن انقسام روسي إيراني بشأن سوريا مألوفاً وذلك لأننا سمعناه من قبل عند بدأ التدخل الروسي في سوريا، لكن ما حدث بعد ذلك كان مخالفاً لتلك التكهنات والتسريبات. ففي يوليو 2015، زار قائد فيلق القدس “قاسم سليماني” بوتين في موسكو للتحضير لتدخل مشترك في سوريا. وتم التوقيع على الاتفاق الثنائي الروسي السوري لإضفاء الشرعية على التدخل في 26 أغسطس 2015. وقد فتحت ايران مجالها الجوي أمام الطائرات الروسية في طريقها الى سوريا وبدأت بنقل تعزيزاتها العسكرية جواً قبل الضربات الجوية الروسية الأولى. وفى أواخر أيلول/سبتمبر، أعلن العراقيون تشكيل مركز تنسيق استخباراتي بين روسيا وإيران وسوريا والعراق في بغداد. وبدأ القصف في 30 أيلول/سبتمبر, وبعد ذلك بأسبوعين شنت إيران هجوماً برياً قرب حلب تحت غطاء جوي روسي.
وفي الشهر التالي، ذهب بوتين إلى طهران واجتمع مع آية الله علي خامنئي، وأشاد الزعيمان بسياسات بلديهما، مشددين على الاتفاق الكامل في رؤيتهما للمسألة السورية.
طبعاً قد تكون هذه العملية مرتجلة أكثر مما تبدو عليه، وقد يكون هناك صراعات سرية وراء الكواليس. لكن يبدو لنا ظاهرياً، على الأقل، بأن التصعيد الروسي-الإيراني المتزامن في سوريا أكبر بكثير من مجرد تنافس للسيطرة على الأسد.

تجدد الحديث عن الخلافات الإيرانية-الروسية

عاد الحديث عن الانقسام بين روسيا وإيران للظهور مجدداً، فقد لاحظ البعض عدم تقديم روسيا الإسناد الجوي للمقاتلين الشيعة الإيرانيين في حلب. ويقال إنّ الفصائل الموالية لإيران بدأت تتذمر من محاولات روسية لتوجيه الجيش السوري شرقاً لمحاربة الدولة الإسلامية، ويقولون إن هذا يخدم تحسين علاقات بوتين مع الأمريكان أكثر من تعزيزه لسيطرة الأسد على سوريا.
ورغم هذه الشائعات عن الخلافات، نقول إنه من الممكن أن تختلف روسيا وإيران في عدد من الأمور لكنهما تستمران في التعاون على أكمل وجه في سوريا.

الاعتماد المتبادل

يبدو أن الإيرانيين يعرفون أن تأييد روسيا للأسد محكوم بحسابات سياسية وليس بعوامل جوهرية للأمن القومي. لكن معرفة هذا، من وجهة النظر الإيرانية، يمكن أن تدفع خامنئي للانحناء للخلف لاستيعاب بوتين، سواء عن طريق المسايرة الدبلوماسية للعملية الانتقالية في جنيف إلى حدا ما طبعاً، أو عن طريق إرسال المزيد من القوات البرية إلى سوريا.
وذلك لأنه في حال استنتجت روسيا أن الحكومة السورية لا يمكن إصلاحها، وانسحبت فإن إيران ستكون مثقلة بنفقات هائلة إضافية، لاسيما وأن سلاحها الجوي قديم ولا يمكنه مقارنة قدراته بأثر الغارات الجوية الروسية.
و من جانب روسيا، لا تختلف الأمور  كثيراً، فمن الناحية النظرية، يمكن أن يعترف بوتين بالهزيمة ويغادر سوريا، وذلك ببساطة لخفض التكاليف على ميزانيته، في حين لا يمكن لإيران أن تفعل ذلك. لكن وبعد خمس سنوات من تصدي بوتين لمهمة دعم الأسد، باتت الحرب السورية الآن مسألة هيبة شخصية كبيرة للرئيس الروسي، كما أن إرسال قواته الجوية إلى سوريا وضع سمعة الجيش الروسي على المحك.
لذلك، يجد بوتين نفسه الآن غير قادر على الاستفادة من استثماراته في سوريا إلا بالعمل جنباً إلى جنب مع خامنئي. وإذا أراد بوتين للحكومة السورية أن تعود للصعود، فهو يحتاج لاستمرار الإيرانيين في توفير القوات البرية، مثلما تحتاج إيران والأسد لبوتين لمنحهم الدعم الجوي.

عدم وجود خيارات لإيران يعزز تحالف روسيا مع الأسد

نظراً لهذا الاعتماد المتبادل، فإن أولويات إيران في سوريا يمكن أن تعيد رسم خيارات بوتين أيضاً وربط الاستراتيجية الروسية بشكل أوثق ببقاء الأسد.
ولقد حاولت الولايات المتحدة منذ فترة طويلة في إقناع روسيا لمساعدتها في الإطاحة بالرئيس الأسد من خلال انتقال تدريجي للسلطة. لكن ما لم يكن هناك صفقة كبيرة مغرية تطبخ وراء الكواليس، فالكرملين يعرف أن إيران من المستبعد جداً أن تسير في هذا المخطط، ناهيك عن كون الأسد نفسه مصمم على البقاء، وربما يكون النفوذ الروسي في سوريا أقل مما يبدو للعيان.
بتعبير بسيط إن فرض إعادة ترتيب للنظام السوري بعد ما يقرب من نصف قرن من حكم عائلة الأسد سيكون أمراً صعباً إذا توافقت عليه روسيا وإيران، واستجاب لهما الأسد، فما بلك إذا اختلفا عليه.
وبالنسبة لـ فلاديمير بوتين، يبدو من مصلحته أن يتمسك بحلفه مع إيران وبشار الأسد الذي جربه واختبره على الأرض، فهذا أفضل من الرهان على أمل التوصل إلى تسوية مجزية مع الدول الغربية والعربية والتركية المنافسة له.
وبحسب تقديرات المخابرات الامريكية، فإن القوات الجوية الروسية تعمل في سوريا “بتكاليف منخفضة نسبياً”، ويعول بوتين في مواصلته لنهجه هذا على كون طهران ستستمر في إرسال قواتها إلى الخطوط الأمامية المتعثرة، لأن هذا ببساطة هو الشيء الوحيد المنطقي من منظور إيراني. ومما ييسر الأمر أكثر أن إيران مازال لديها الكثير من إمكانيات التصعيد والزج بمزيد من المليشيات في سوريا إذا سنحت الفرصة أو اقتضت الضرورة ذلك.
لكن امتلاك قدرة التصعيد أكثر من خصومك لا يعني بالضرورة كسب الحرب. فلدى روسيا وإيران كلتيهما ما يكفي من الأسباب لتخشيا من الغرق في صراع لا يمكن إنهاؤه. فحكومة الأسد ضعيفة وتعاني خللاً وظيفياً كبيراً، ولا يبدو حالياً أن لدى الأسد أو حلفائه تصوراً واضحاً لنهاية اللعبة.
لكن خصوم روسيا وإيران ونظام الأسد ليس لديهم تصور أفضل، فوكلاؤهم في سوريا أقل فعالية وإمكانية الاعتماد عليهم أقل بكثير من فعالية الجيش السوري وإمكانية الاعتماد عليه. وإذا كانت تركيا وقطر والسعودية والولايات المتحدة وفرنسا وغيرها لم تتراجع رغم المكاسب التي حققها الأسد مؤخراً، فليس هناك بالتأكيد أي مبرر منطقي لتوقع انهيار الحلف الروسي الإيراني طالما أن موقفهما على الأرض يسير نحو الأفضل. لذلك وبدل التركيز على الاختلافات بين روسيا وإيران، وهي اختلافات حقيقية لكن التصرف على أساسها مضر للطرفين، يبدو من الأجدى العمل على تحديد المصالح المشتركة لهما في سوريا، لأنه يرجح أن يسعيا وراء تحقيقها بكل قوة.

 

مؤسسة كارينغي

تعليقات الفيسبوك

اضف تعليق