الأسد سيسقط من موسكو

كان من الغريب قبل خمس سنوات من الآن، أن تكون إسرائيل أول من يسارع لإرسال مساعدات إغاثية للاجئين السوريين في تركيا، وكان من الطبيعي في ذلك الحين أن يرفض اللاجئون تلك المساعدات من عدوهم التاريخي، لاسيما وأنها فسرت يومها كمحاولة من إسرائيل لتلميع صورتها والتغطية على ممارساتها بحق الشعب الفلسطيني واحتلالها للجولان السوري، دون أن نعلم ما تخفيه تلك المساعدات في ثناياها، وأنها كانت بمثابة بالون اختبار حدد فيما بعد شكل التعامل الإسرائيلي وحلفائها مع الثورة السورية.

في الواقع، إسرائيل أرادت من خلال المساعدات الاغاثية أن تعرف مدى تقبل السوريين لها كـ”جار” خارج سلطة الأسد فيما يبدو أنه كان يقينا إسرائيليا بأن انتفاضة السوريين لن تنتهي إلا بتلك النتيجة، ما دفعها إلى الوقوف من خلال المساعدات الانسانية على تحديد مدى إمكانية الاحتفاظ بأمان ما يسمى الحدود الشمالية الشرقية في حال تم الاستغناء بشكل فوري عن نظام الأسد، لتكتشف ربما إسرائيل مع رفض السوريين لمساعداتها استحالة أن تكون جارا لهم، وبيني على ذلك قرارها بالتمسك ببشار الأسد على الأقل لفترة مؤقتة متوسطة المدى يتم خلالها التعامل مع الملف السوري بما يحفظ أمن إسرائيل القائمة على تحويل سوريا الى دولة منهارة بشكل تام، لاسيما في ظل تزامن ذلك الرفض مع الرسالة التي أوصلها النظام للحكومة الإسرائيلية من خلال فتح الحدود أمام حشد من السوريين والفلسطينيين الذين اقتحموها وتمكنوا من التوغل لكيلو مترات داخل الأراضي المحتلة.

اليوم ذات السيناريو السابق يتكرر، ولكن مع روسيا التي اتخذت منحى أكثر عنفا بعيدا عن المساعدات الانسانية لفرض نفسها كأمر واقع على السوريين من خلال التصعيد العسكري، خاصة وأنها تحاول بين الفينة والأخرى فرض هدن في بعض المناطق السورية تتبعها بتصعيد جوي أكبر من سابقه يترافق مع رسائل متواصلة حول أهمية التفاهم مع موسكو لايقاف اراقة دماء المدنيين، والكشف عن أن روسيا تدافع عن مصالحها في سوريا وليس عن شخص بشار الأسد أو نظامه وهو ما توضحه طبيعة المناطق المستهدفة والضحايا الذين جلهم من المدنيين.

وعن تصريحات السفير الروسي في دمشق حول دور الطيران الروسي في منع بعض الفصائل المعارضة من تطويق قوات النظام في حلب لا تتعدى كونها رسالة إضافية حول قدرة روسيا على تغيير الخارطة العسكرية في سوريا ككل فيما لو قررت دعم قوات الأسد بشكل فعلي، وربما أرادت أن تقول أنها إلى الآن لم تدعم الأسد بكل ما لديها أو بكل ما يحتاجه للبقاء، وأن الكرة باتت في ملعب المعارضة السورية، بالاضافة إلى الإشارة بوضوح تام إلى أنها باتت مصدر القرار الرئيسي للنظام ومصيره وتحركاته من خلال تأكيد السفير الروسي على أن لا معركة مصيرية في حلب ولا وجود لمعركة الرقة إلا بإعلام النظام، ناهيك عن تفاصيل لقاء بشار الأسد بوزير الدفاع الروسي في قاعدة حميم والذي ظهر خلاله الأخير كمندوب سام.

على المستوى الشخصي، أعتقد أنه خلال المرحلة الحالية بات على المعارضة السورية أمام استحقاقين هامين أولهما تحرير الثورة من الابتزاز والاستغلال الغربي خاصة الأمريكي الذي لا يفرق بنتائجه السلبية عن المجازر المرتكبة بحق الشعب السوري، ثانيهما وقف اراقة الدماء  المتزايد، وهي الأمور التي تتطلب من المعارضة أن تكون أكثر ديناميكيةً في التعامل مع روسيا وأن لا تكرر طريقة التعامل مع طرود الاغاثة الإسرائيلية، خاصة مع تخاذل ما يسمى “أصدقاء الشعب السوري”، وأن تتخلى عن التصلب الدبلوماسي والسياسي المتبع منذ بداية الثورة السورية والذي أثر عليها بشكل سلبي، وجعل من الثورة رهينة المزاج الأمريكي الذي لم يبدي أي جدية في دعمها سياسيا ولا عسكريا، ذلك التخاذل والمزاجية الذي ظهر جليا عندما التزمت ادارة أوباما والدول الغربية الصمت على مجزرة الكيماوي في غوطتي دمشق قبل ثلاث سنوات وهو ما كان يصفه باراك أوباما بالخط الأحمر.

وهنا أجد أنه لابد أن أشير إلى الخطوة التركية الأخيرة التي قدمت فيها أنقرة تنازلات سياسية ودبلوماسية كبيرة لموسكو وتل أبيب في سبيل حماية أمنها القومي عندما شعرت بالتلاعب الأمريكي للضغط على حكومة أردوغان الذي أرى أنه ربما نجح من خلال معالجة الاشكالات مع روسيا بتوجيه ضربة للأمريكيين، وبذات الوقت استغلال جماعات الضغط اليهودية في الولايات المتحدة عبر تطبيع العلاقات مع إسرائيل والمقطوعة منذ نحو سبع سنوات.

نعم ضحى أردوغان بسياسته المتصلبة تجاه روسيا وإسرائيل، ولكن حافظ من جهة أخرى على أمن بلده القومي وهو ما سينعكس خلال الفترة القليلة القادمة على الجبهات الشمالية في سوريا وذلك وفقا لمنطق السياسية القائم على مبدأ أعطِ مصلحة وخذ مصلحة، ذلك المنطق الغائب عن تفكير الكيانات السياسية السورية المعارضة والذي لعب دورا جوهريا في فشل تلك الكيانات باثبات وجودها.

بناءا على التجربة التركية التي أرى أنها ستثمر خلال الفترة القليلة القادمة بما يشتهي اردوغان، بمكنني القول إن الهجوم الذي تعرضت له بعض الكيانات والتنظيمات والشخصيات المعارضة السورية بسبب زياراتها إلى روسيا لا يتعدى كونه مراهقة سياسية وقلة خبرة وقصور في التفكير لا يمكن أن يقدم للثورة السورية سوى استمرار المجازر بحق الشعب السوري، وترك النافذة الروسية كطوق نجاة لنظام بشار الأسد الذي سيستغل نظرة موسكو له كورقة رابحة والتي ستبقى محتفظة بها “وهنا لا أقصد أنها تدعمه وأنما تمنع سقوطه” طالما أن المعارضة تتعامل معها وفق منطق العدو.

أما خلاصة القول، فإنه وبعد ست سنوات من الثورة التي ارتقى فيها مئات الآلاف من الشهداء وشرد وهجر واعتقل الملايين، آن لنا كسوريين ولمعارضتنا أن ندرك أهمية المعركة السياسية والدبلوماسية ضد النظام والتي تفوق في الوقت الحالي إلى حد ما أهمية المعركة المسلحة ضده، وربما يمكنني أن أجزم هنا واثقا أن الوصول إلى تفاهمات مع موسكو ستكون بمثابة المسمار الأخير في نعش النظام، أو ابرة الموت السياسي الرحيم لعائلة الأسد ونظامها، فالكريملين اليوم وكما أسلف سابقا أصبح هو صاحب القرار الأول يمصير بشار الأسد وموقعه في مستقبل سوريا، وأقولها بثقة تامة أن الأسد يسقط من موسكو.

حسام يوسف – خاص تيار الغد السوري

تعليقات الفيسبوك