يسود العاصمة الأمريكية واشنطن اعتقاد مفاده أن تنظيم داعش سينهار قبل نهاية العام، أو أنه على الأقل سيخسر الموصل ومعظم مناطقه في العراق، وأن وجوده سيتقلص إلى جيوب صغيرة في سوريا، بما فيها الرقة وبعض القرى.
وعلى أهمية هذه الأنباء ، تثير تقارير احتمال انهيار تنظيم داعش قلق غالبية مسؤولي إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما حول “اليوم التالي” لانهيار التنظيم، والفراغ الذي سيسود من بعده، وإمكانية حلول تنظيمات متطرفة أخرى مكانه.
سدّ الفراغ الذي سيخلّفه انهيار تنظيم داعش يستدعي سلسلة من الإجراءات على مستويات مختلفة، مالية واجتماعية وإنسانية وعسكرية وسياسية. ولتفادي انهيار يشبه انهيار نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، عقدت الولايات المتحدة مؤتمر الدول المانحة لتمويل برامج في المناطق التي يتم تحريرها من قبضة تنظيم داعش في العراق، وأعلنت أن هدفها هو جمع ملياري دولار لتمويل أعمال الإغاثة الإنسانية وإعادة البناء، وإقامة حكومات محلية قادرة على إدارة هذه المناطق وشؤونها.
كذلك تعمل الإدارة الأمريكية على إقناع الحكومة الفدرالية في بغداد على ضرورة تقديم تنازلات للحكومات المحلية في المناطق التي يتم تحريرها من تنظيم داعش، وهي ذات غالبية سنية. وتسعى الولايات المتحدة إلى إنشاء وحدات شرطة، وربما “حرس وطني” من مقاتلي العشائر السنية، على أمل أن تقوم هذه بضبط الأمن، بدلاً من القوات الحكومية وميليشيات “الحشد الشعبي”، التي تشير التقارير إلى قيامها بأعمال انتقام وتعذيب واعتقالات تعسفية بحق مدنيي المناطق العراقية المحررة من تنظيم داعش.
أما في الجانب العسكري، فتخشى واشنطن أن تقوم مجموعات إسلامية، توصف بأنها “متطرفة”، بملء الفراغ الذي سينتج عن انهيار تنظيم داعش، خصوصاً في سوريا. وتتصدر “جبهة النصرة”، التابعة لتنظيم “القاعدة”، لائحة الفصائل المرشحة للاستيلاء على المناطق السورية المحررة من تنظيم داعش.
ولتفادي حلول النصرة محل تنظيم داعش، عمدت وزارة الدفاع الأمريكية إلى تمويل وتسليح فصائل كردية، وبعض المجموعات العربية التابعة لها، لاعتقاد الأمريكيين أن الكرد لا يقاتلون خارج الأراضي التي يسعون إلى ضمّها لإقليم “كردستان” السوري، الذي ينوون إقامته، أي إنهم سيحصرون قتالهم شرق نهر الفرات. لذا، كان لا بد من تجنيد بعض المقاتلين العرب للتوغل غرب الفرات في الشمال السوري، والاستيلاء على نقاط إستراتيجية، مثل منبج، تمنع -حال انهيار تنظيم داعش- هجوما باتجاه الشرق يمكن أن تشنه “جبهة النصرة” المتمركزة في الشمال الغربي.
لكن بسبب مواقفها المتقلبة في العراق منذ العام 2010 وفي سوريا منذ اندلاع الثورة ضد نظام الأسد في العام 2011، تعاني الولايات المتحدة من شحّ في الحلفاء المقاتلين على الأرض، وهي على الرغم من تكرار مسؤوليها الحديث عن “شركائنا العراقيين وشركائنا السوريين”، أي المقاتلين، إلا أن برامجها المخصصة لتسليح وتدريب “المعارضة المعتدلة” منيت بفشل ذريع.
هكذا، ترى واشنطن انه لا بد من القضاء على “جبهة النصرة” في عملية متزامنة مع إنهاء تنظيم داعش. لكن بسبب انعدام الإمكانات الأمريكية للتخلص من “النصرة”، ابتكرت الدبلوماسية الأمريكية حلاً أربك الحلفاء ولم يرض الخصوم، فواشنطن أبدت استعداداً لتعاون عسكري مع روسيا، بتقديمها معلوماتها الاستخباراتية حول أماكن وجود “النصرة” في الشمال السوري، وهو ما كان مطلباً للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الأسابيع الأولى لاشتراك جيشه في الحرب السورية الخريف الماضي.
طرح كيري اقتراحه على نظيره الروسي سيرغي لافروف، الذي أبدى موافقة مشروطة بتوسيع التعاون الأمريكي الروسي، فرمى كيري بتنظيمي “جيش الإسلام” و”أحرار الشام” في الخطة، التي حملها إلى موسكو وقدمها لبوتين.
لكن موقع العصر يرى انه مثلما اعتقد أوباما أن بوتين في موقف ضعف يوم ناشده التوصل إلى حل في سوريا الصيف الماضي، اعتقد بوتين أن أمريكا اليوم في موقف ضعيف، وأجاب كيري أن العرض الأمريكي “مثير للاهتمام ولكنه غير كاف”. وطالب بوتين بمعلومات أمريكا عن تنظيم داعش و”النصرة” و”الأحرار” و”جيش الإسلام” في عموم سوريا، لا في المناطق المجاورة لتنظيم داعش فحسب.
ثم إن بوتين رفض اقتراح كيري مبادلة المعلومات الأمريكية حول “جبهة النصرة” وحلفائها بوقف الضربات الروسية للمجموعات التي تعلنها أمريكا من “المعارضة السورية المعتدلة”، وقال إن موسكو مستعدة لتوسيع عملياتها بالتنسيق مع واشنطن، ولكنها “لن تنتظر الاذن من واشنطن لضرب المناطق التي تعتقد أن فيها ارهابيين في سوريا”.
هكذا خرج كيري خالي الوفاض، وقضى بوتين على تعاون أمريكي روسي محتمل كان قد أثار ذعر حلفاء أمريكا في سوريا والمنطقة.